مستقبل العلاقة الأردنية – الإسرائيلية

تشهد مدينة القدس هذه الأيام تصعيدا إسرائيليا خطيرا يتمثل في اقتحامات يومية لقوات الاحتلال الإسرائيلية لحرم المسجد الأقصى في تحد واضح ليس فقط للجانب الفلسطيني، ولكن أيضا للدور الأردني في حماية المقدسات الإسلامية والدينية في القدس. وقد حاول الأردن جاهدا استباق هذه الخطوات التصعيدية من جانب إسرائيل عن طريق لقاءات عدة بين الملك عبدالله الثاني ومسؤولين أردنيين مع عدد من المسؤولين الإسرائيليين قبل بداية شهر رمضان في محاولة للتهدئة وعدم التصعيد خلال الشهر الفضيل وذلك تجنبا لما كان يحصل من تصعيد في السنوات السابقة. ولكن من الواضح أن لإسرائيل أهدافا أخرى تحاول تحقيقها، وأن حمايتها للمتطرفين الإسرائيليين ما هو إلا هدف متدرج للسيطرة على حرم المسجد يعلو لديها على أي اجراءات حقيقية للتهدئة.

من المفيد النظر الى الصورة الكبيرة هنا. إذ أن التجاوزات الإسرائيلية في حرم المسجد الأقصى ليست حدثا عابرا أو استثنائيا لن يتم تكراره، بل هو جزء من منظومة إسرائيلية كاملة تهدف الى الاستحواذ المتدرج ليس على المسجد الأقصى فحسب، ولكن على كامل الأرض الفلسطينية. فالهدف المعلن للحكومة الإسرائيلية اليوم هو رفض الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة ورفض قيام دولة فلسطينية على التراب الفلسطيني، وهي أهداف تصب مباشرة ضد المصلحة الوطنية الأردنية كما الفلسطينية، باعتبار أن المنطق يقول وبكل وضوح أن عدم قيام دولة فلسطينية على التراب الفلسطيني يعني محاولة تصفية إسرائيل للقضية الفلسطينية على حساب الأردن والشعب الفلسطيني في آن معا.
يعي الأردن ذلك بكل وضوح، ولذلك يحاول استخدام كافة الوسائل الدبلوماسية للوصول إلى سلام على أساس حل الدولتين حتى لا يأتي هذا الحل على حسابه. لكن لا بد من الاعتراف أننا وصلنا اليوم الى طريق مسدود مع إسرائيل يحتم علينا طرح أسئلة حول الاستراتيجية الأردنية للتعامل مع إسرائيل لا تبدو إجاباتها واضحة.
السؤال الأول هو حول مدى استدامة التقارب الاقتصادي مع إسرائيل في قطاعين حيويين كالطاقة والمياه وتوافق ذلك مع الاختلافات العميقة السياسية والأمنية والتي من المؤكد تطورها في السنوات القادمة لتصل حد التهديدات الوجودية للأردن، خاصة وأن إسرائيل لا تفتأ بين الفينة والأخرى لتستخدم موضوع تزويدها للأردن للغاز والمياه كعامل تهديد كلما اختلف الأردن مع سياساتها. كيف يمكن الوقوف بحزم ضد السياسة الإسرائيلية وإجراءات القمع والضم التي تمارسها ثم مد يد التعاون معها في نفس الوقت؟ لا يبدو من المنطقي أو الممكن أن يستطيع الأردن تحقيق التوازن بين أهداف متناقضة تعمل عكس بعضها البعض. بل يبدو التقارب الاقتصادي مع دولة تعمل ضد المصلحة الوطنية الأردنية غير مفهوم على أقل تقدير، وفي حاجة الى شرح مقنع للناس خاصة مع ترداد الموقف الرسمي غير المقنع بانعدام الخيارات الاقتصادية الأخرى.

التجاوزات الإسرائيلية في حرم المسجد الأقصى ليست حدثا عابرا أو استثنائيا لن يتم تكراره، بل هو جزء من منظومة إسرائيلية كاملة تهدف إلى الاستحواذ المتدرج ليس على المسجد الأقصى فحسب، ولكن على كامل الأرض الفلسطينية

السؤال الثاني يتمحور حول نجاعة التشبث اللفظي، وإن كان صادقا وجادا، مع غالبية المجتمع الدولي، بحل الدولتين دون جهد حقيقي على الأرض لتنفيذه. إن الترجمة الفعلية لهذه السياسة، مع الفهم الكامل لما تحاول تحقيقه، هو إعطاء إسرائيل الوقت اللازم لخلق المزيد من الحقائق على الأرض التي تمعن في قتل هذا الحل. بعبارة اخرى، إن كان هدف الأردن كما المجتمع الدولي هو تحقيق حل الدولتين، فإن الأدوات المستخدمة لتحقيق هذا الحل تساهم في استحالته.
هل يأمل الأردن من خلال تعاونه الاقتصادي مع إسرائيل أن يحافظ على شعرة معاوية حتى تأتي حكومة إسرائيلية جديدة تكون أكثر اعتدالا وأكثر قبولا لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة؟ إن كان الأمر كذلك، فهل حقا هناك أي بوادر لأن تأتي هكذا حكومة في المستقبل المنظور؟ رئيس الوزراء الإسرائيلي تحت الانتظار «يائير لابيد» — هذا إن صمدت الحكومة الإسرائيلية — أعلن أنه لن يقوم بتحرك لإعادة العملية التفاوضية، كما صرح «بيني غانتس» زعيم حزب أزرق – أبيض أن الجانب الفلسطيني لا يستطيع بأن يأمل بأكثر من كيان فلسطيني لا يصل لمستوى الدولة. أما حزب العمل، فقد اقترب من التلاشي ولا يعطي العملية السلمية أي اولوية. وبالطبع، إن عقدت انتخابات أخرى للكنيست وعاد نتنياهو للسلطة، فلا حاجة لذكر الوضع الكارثي على السلام وتأثيره على الأردن. واقع الحال اليوم أن الجانب العربي والدولي هو من يطالب بالدولة الفلسطينية ويتظاهر كأن العملية السلمية لا تزال قائمة، أما إسرائيل بغالبية أحزابها فقد تجاوزت هذه العملية بكال وضوح. إن كافة الوقائع تشير أن أي حكومة إسرائيلية قادمة لا توجد لديها أي نية للانسحاب أو إقامة دولة فلسطينية، بل إن العمل جار لبناء المزيد من دعم المستوطنات وقتل اي فرصة لإقامة الدولة الفلسطينية على التراب الفلسطيني.
بلا شك أن الجهود الأردنية الرسمية الأخيرة وتأكيد دعمها للأهالي المقدسيين الصامدين في وجه الاحتلال الغاشم محمودة محليا وعربيا، ولربما في باطنها تؤمن أن هذه الصورة المرسومة غير مبالغ فيها وأنها اقرب للوضع الحالي. مع ذلك، هناك حاجة واضحة وملحة لأن يتم مناقشة الاستراتيجية الحالية بكل شفافية. لا بد أن للأردن أسبابه في اتباع استراتيجية منتصف العصا لعلّ وعسى، لكن هناك شكوكا لا يجب تجاهلها حيال فرص نجاح هذه الاستراتيجية. هل لدى الأردن خيارات أخرى؟ أم أن خيار التشبث بعملية سلمية من جانب واحد والتقارب الاقتصادي مع إسرائيل المنعزل عن مواقف إسرائيل السياسية والقمعية هو الخيار الوحيد؟ أعتقد أن الوقت قد حان لحوار وطني مسؤول حول هذه المسألة يتضمن مراجعة معمقة للعلاقة الأردنية الإسرائيلية ودراسة كافة الخيارات الممكنة بدلا من الاكتفاء بخيار يبدو حتى الآن عاجزا عن تحقيق الأهداف الأردنية سواء على الصعيد الخارجي أو الداخلي.
وفي رأيي أن أية مراجعة للعلاقة الأردنية الإسرائيلية يجب أن تضع على رأس اولوياتها هدف دعم بقاء الفلسطينيين على ارضهم اضافة لرفع كلفة الاحتلال الإسرائيلي، وأن أي سياسة لا تعمل من أجل هذين الهدفين لن تخدم الأهداف الأردنية والفلسطينية المتمثلة بإقامة الدولة الفلسطينية على التراب الفلسطيني.
حان الوقت لمثل هذه المراجعة وهذا الحوار الوطني.

وزير الخارجية الأردني الأسبق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول علي:

    علاقات لن تتأثر بما يحدث في الأقصى

  2. يقول سعادة فلسطين الصين:

    بعد التحية للدكتور مروان ، ‏ربما القيمة الرمزية لمدينة القدس وليس المسجد الاقصى فقط امست القلعة الحصينة الاخيرة التي إذا هوت هوينا جميعا معها .

  3. يقول S.S.Abdullah:

    أنا لم أفهم حقيقة، من هنا يضحك على من، أو من هنا أخبث مِن مَن،!

    أو لم أعرف من يُريد (السلام)، ومن يُريد (الحرب) على كل أهل (فلسطين)، ومن خلفهم (العرب) أو (لغة القرآن وإسلام الشهادتين) بالذات؟!

    لكن العبقرية العراقية، أنتجت نظام إقتصاد (النفط مقابل الغذاء)، كردة فعل على (ظلم الأمم المتحدة)، إقتصاد بطاقة التموين/التعداد/التأمين الصحي أو التعليمي أو التعداد أولاً، من أجل منع السرقة/الغش/الفساد،

    وعلى ضوء هذه الأسس كان مشروع صالح (التايواني)، كبديل عن مفهوم (الإنقلاب/التغيير) الذي حاول والدي تنفيذه، في أكثر من دولة ما بين دجلة والنيل، كما يقول أهل الإعلام ما بين 1970-1974.

    من خلال تكوين (الشركة القابضة)، لتجمع (الإخوة الأعداء)، داخل أي أسرة، لتكون أساس دولة العدالة الاجتماعية والمنافسة الحرة، من خلال توفير الكهرباء (الأرخص)، لتشغيل آلة (الروبوت)، في مساعدة الإنسان والأسرة والشركة المنتجة للمنتجات الإنسانية على إنتاج منتجات بسعر (منافس)، تتمكن من المنافسة في سوق صالح (الحلال)، أي البضاعة بلا غش (فلان)، والعقد بلا فساد من أجل شفاعة أو محسوبية (علان)، الذي يتواجد في دائرة البريد التابعة لوزارة الاتصالات في أي دولة.??
    ??????

إشترك في قائمتنا البريدية