أنقرة – “القدس العربي”:
أكد مصدر تركي خاص لـ”القدس العربي” أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من المقرر أن يزور المملكة العربية السعودية يوم الخميس المقبل، وذلك في أهم خطوة على مسار تحسين العلاقات بين البلدين الذي بدأ منذ أشهر وواجه صعوبات كبيرة قبل أن يتحرك بقوة مدفوعاً بقرار تركيا إغلاق قضية محاكمة قتلة الصحافي السعودي جمال خاشقجي عام 2018 وهو ما فجر خلافات ثنائية وإقليمية متشعبة بين البلدين.
وبحسب ما أكد مصدر في الرئاسة التركية رفض الكشف عن اسمه لـ”القدس العربي” فإن كافة الترتيبات تتواصل لزيارة أردوغان للسعودية بحيث تبدأ يوم الخميس وتنتهي يوم الجمعة، لكن المصدر أكد أنه “لم يتم الإعلان عن الزيارة رسمياً حتى الآن رغم قرب موعدها بسبب حساسية المرحلة والخشية من حصول تغيرات مفاجئة في اللحظة الأخيرة”.
ويتوقع أن تشمل زيارة أردوغان لقاءات رسمية مع الملك سلمان بن عبد العزيز الذي لم تنقطع الاتصالات بينه وبين الرئيس التركي رغم الخلافات، وولي العهد محمد بن سلمان الذي قطع اتصالاته تماماً مع تركيا عقب قضية خاشقجي حيث يعتقد أنه رفض كافة مساعي إعادة تحسين العلاقات مع تركيا دون إغلاق ملف محاكمة المتهمين في القضية بشكل نهائي.
وتأتي هذه الخطوة عقب قرار القضاء التركي نهاية الشهر الماضي بإغلاق ملف قضية محاكمة المتهمين بالمشاركة في جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول وذلك عقب قرار المحكمة التركية بالموافقة على طلب نقل القضية إلى القضاء السعودي بسبب تعذر حصول أي تقدم في ملف المحاكمة في تركيا لعدم وجود أي موقوفين وتعذر جلب المطلوبين بكافة الطرق، وهو ما اعتبر بمثابة تحول جوهري بموقف تركيا التي شككت مراراً بنزاهة القضاء السعودي وشددت على أن “المحاكمة يجب أن تجري على الأراضي التركية التي وقعت فيها الجريمة”.
مؤشرات على رفع تدريجي للحظر السعودي على البضائع التركية
وبينما لا تخفي تركيا رغبتها الجامحة في إنهاء الخلافات مع كل الدول في إطار مساعي العودة لسياسة “صفر مشاكل” لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية المتعاظمة التي يمر بها العالم، يعتقد أن السعودية تجاوبت مع الرغبة التركية لمواجهة تحديات مشتركة قريبة وأخرى تتعلق بالخلافات مع الإدارة الأمريكية والصعوبات والتحديات التي فرضتها الحرب في أوكرانيا وجائحة كورونا والحرب في اليمن وغيرها الكثير من الملفات التي يمكن أن تساعد أنقرة الرياض في تجاوزها.
والأسبوع الماضي كشف وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو عن أن نظيره السعودي كان سيزور تركيا قبل أيام لكن الزيارة تأجلت بسبب “ضغط البرامج وزخم الحراك التركي بالملف الأوكراني”، وسبق ذلك إعلان أردوغان نهاية العام الماضي نيته زيارة السعودية في فبراير الماضي لكن الزيارة لم تتم وسط أنباء عن أن الجانبين فشلا في التحضير للزيارة بسبب استمرار الخلافات التي يبدو أنها تراجعت كثيراً وخاصة عقب قرار تركيا إغلاق ملف قضية خاشقجي.
واشترطت السعودية مراراً أن يتم إغلاق ملف القضية في القضاء التركي من أجل إعادة تحسين العلاقات مع أنقرة، وبالتالي فإن الخطوة التركية الأخيرة يعتقد أنها أزالت العائق الأكبر الذي كان لا يزال يقف أمام تحسين العلاقات، إلى جانب حزمة كبيرة من التغيرات التي شهدتها الأشهر الأخيرة ومهدت جميعها إلى دفع البلدين نحو تحسين العلاقات وأبرزها التحديات السياسية والاقتصادية التي يمر بها العالم بشكل عام والمنطقة بشكل خاص.
وفي تصريحات له بطريق عودته من الإمارات، قال أردوغان إن بلاده والسعودية تواصلان الحوار، وإنه من المرتقب تحقيق تقدم عبر اتخاذ خطوات ملموسة في الفترة المقبلة، ونقل عن أردوغان قوله: “حوارنا الإيجابي مع السعودية مستمر، وننتظر تقدما من خلال الخطوات الملموسة في الفترة المقبلة.. نريد التقدم في هذه العملية مع السعودية في اتجاه إيجابي”.
والشهر الماضي، التقى وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو بنظيره السعودي فيصل بن فرحان، في لقاء لم يعلن عنه مسبقاً وذلك على هامش الاجتماع الثامن والأربعين لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي الذي انعقد في العاصمة الباكستانية إسلام أباد، وقالت مصادر سعودية إن الوزيرين بحثا “العلاقات الثنائية بما يخدم مصالح البلدين”، في حين كتب وزير الخارجية التركي عبر تويتر: “سنواصل العمل معا لتطوير علاقاتنا بشكل أكبر”.
كما تزامن ذلك مع لقاء رئيس الشؤون الدينية التركي علي إرباش مع وزير الحج والعمرة السعودي توفيق الربيعة في مدينة جدة، حيث تمت الزيارة تلبية لدعوة وزارة الحج والعمرة السعودية لمناقشة ملف الحج والعمرة لهذا العام وبحث التحضيرات للموسم المقبل بعد عامين من التوقف بسبب انتشار جائحة كورونا.
وفي سياق متصل، أدانت وزارة الخارجية التركية مؤخراً وفي أكثر من مناسبة الهجمات الحوثية على السعودية ووصفتها بـ”الهجمات الإرهابية”، وجاء في أحد البيانات الشهر الماضي: “نرفض أي هجمات إرهابية من هذا القبيل، تهدف لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وتتنافى مع القوانين الدولية”، مؤكداً على تضامن تركيا مع السعودية في مواجهة هذه الهجمات.
وفي الأشهر الأخيرة، نجحت الدبلوماسية التركية في تحقيق اختراق في مسارات تحسين العلاقات مع العديد من الدول حول العالم، فإلى جانب الاختراق الكبير في العلاقات مع الإمارات وإسرائيل وأرمينيا، جرت مباحثات متقدمة مع اليونان ودول أخرى، وهو ما حفز على ما يبدو الجانبين التركي والسعودي للعمل بشكل أوسع على تجاوز الخلافات وفتح صفحة جديدة في سجل العلاقات بين البلدين.
وفي ذروة الخلافات بين البلدين، فرضت السعودية حظراً غير معلن على البضائع التركية حيث انخفض حجم التبادل التجاري بين البلدين من قرابة 5 مليارات دولار قبيل الخلافات إلى قرابة الصفر، لكن ومع بداية العام الجاري بدأت أرقام التبادل التجاري بالتعافي تدريجياً في مؤشر على بدء السعودية برفع الحظر تدريجياً وهو ما يتوقع أن يرفع تماماً عقب زيارة أردوغان التي قد تفتح آفاقاً جديدة للتعاون السياسي والاقتصادي بين البلدين.
صحيح الغاية تبرر الوسيلة
اردوغان بعد زيارة السعودية يمهد لزيارة مصر ويلتقى برئيس مصر عبد الفتاح السيسى