الإنتاج الدرامي الزائد عن الحد في شهر رمضان، عادة ما يكون مُربكاً للمُشاهد، حيث تصعب المتابعة الدقيقة وسط الكثافة العالية للكمية والنوعية على حد سواء، لذا فإن عدداً غير قليل من المُسلسلات المصرية المعروضة قد ظلمها صُناعها بإقحامها في الموسم الرئيسي لأنها لم تأخذ حظها من الرؤية الوافية أو التقييم الموضوعي، ولهذا لم يتبين الجمهور مستواها الحقيقي لجهله بأهميتها كونها تاهت وسط الزحام وتضارب مواقيت العرض وتعدد القنوات والنوافذ الإعلامية التي لا ينقطع إرسالها على مدار الليل والنهار.
وقد انعكست حالة الفوضى بشكل عام فأثرت على حضور الكبار من النجوم والنجمات من الذين عز عليهم النفي خارج مساحة الضوء فقبلوا بالمُتاح من الأدوار بهدف التواجد بعد أن ظلوا لعقود طويلة ملوك الشاشتين الكبيرة والصغيرة، وهذه الإشكالية تُمثل في حد ذاتها نوعاً من الحرج لمن تُرغمه الظروف على القبول بدور أقل من حجمه وإمكانياته وتاريخه.
ولكن لأن هناك شروطا للسوق يعمل بمقتضاها المُنتج والموزع، فقد صار الجحود أمراً واقعاً، إذ لا مجال للعواطف في حسابات المال والأرباح، فما تغلب به عليك أن تلعب به بحسب ما يقول المثل الشعبي الدارج. ومن بيانات الحالة المؤسفة أن نجمة مسرحية وتلفزيونية كبيرة كسميحة أيوب تأتيها الفرصة الوحيدة للعمل في مُسلسل يتيم تقوم ببطولته مُمثلة في سن أحفادها وتتصدر تتر المُسلسل وأفيشات الدعاية، بينما يأتي اسم الممثلة القديرة سالفة الذكر في الترتيب الثاني أو الثالث مسبوقاً بتقدير معنوي من باب الترضية.
ومن المصادفات الغريبة والمُدهشة أن يحمل المُسلسل عنواناً دالاً على الحالة فُيسمى «انحراف» كأنه إقرار بالانحراف عن جادة الصواب واعتماد قانون الإهمال للقمم والخبرات الفنية الكبيرة، بدلاً من تكريمهم والاعتراف بفضلهم الإبداعي وتاريخهم الطويل. ولم يكن حال الفنانة الكبيرة سميحة أيوب استثنائياً في مسلسل «انحراف» وإنما شمل الغُبن نفسه الفنان عبد العزيز مخيون أيضاً الذي يلعب دور شقيقها ويشغل حيزاً درامياً مهماً من الناحية الموضوعية والتأثيرية في الأحداث، ولكنه لا يمُثل احتواءً كاملاً لكل طاقته الإبداعية.
ولو عددنا النماذج الخاصة بهذا الشأن سنجد شيوعاً لظاهرة تقليص أدوار الكبار واحتفاءً مُبالغا فيه بممثلي الجيل الرابع والوجوه الجديدة، حتى أن هؤلاء أصبحوا يُملون شروطهم على المُنتجين والمخرجين في ما يتصل بكتابة أسمائهم على الشاشة فجميعهم يوصفون بالنجوم برغم أن الكثير منهم لا يزال مغموراً، لكنها الرغبة القوية في تخطي التقاليد والمقاييس والصعود إلى القمة بسرعة الصاروخ بلا أي تمهيد أو تأهيل.
ومع أن نقابة المهن التمثيلية هي المنوط بها تحديد درجة الممثل الأدبية واللقب المُناسب له، إلا أن هناك تساهلا وعدم تدقيق يضيع على المُستحقين الآخرين حقوقهم المُكتسبة، والأمثلة على ذلك كثيرة وتشي بها مُقدمات الأعمال التي تُعرض متواترة عملاً تلو الآخر. فالفنانون، صبري عبد المنعم ومحمد أبو داود وأحمد فؤاد سليم وغيرهم من الكثيرين يأتي ظهورهم متأخراً في بعض المُقدمات عن الوجوه الجديدة الذين لم يتجاوز رصيدهم الفني بضعة مُسلسلات تُعد على أصابع اليد الواحدة ولم تتخط أدوارهم المُشاركة الثانوية في الأحداث.
وبالعودة إلى النوعيات الدرامية المظلومة في مواعيد العرض والمُشاهدة والتقييم سنجد أن مُسلسلاً مهماً كـ»جزيرة غمام» بطولة فتحي عبد الوهاب ووفاء عامر وطارق لطفي وأحمد أمين ورياض الخولي ومحمود البزاوي لم يأخذ ما يستحقه على مستوى المُشاهدة والكتابة الصحافية والنقدية نتيجة اختفائه داخل غابة المُسلسلات المليئة بكل صنف ولون، علماً بأنه الأجدر بالمُتابعة والإشادة والاهتمام، وكذلك مسلسل «راجعين يا هوا» الذي يراه البعض الأكثر تميزاً من الناحية الفنية والإبداعية، غير أنه يحمل رائحة الكاتب الكبير الراحل أسامة أنور عكاشة بحسب ما صرح به المخرج محمد سلامة الذي أكد أن الأجواء الدرامية الخاصة بعكاشة موجودة في متن السيناريو والحوار للمؤلف محمد سليمان عبد الملك.
وكذلك العمل الفارق شكلاً وموضوعاً «بطلوع الروح» بطولة منة شلبي وإلهام شاهين وأحمد السعدني، تأليف محمد هشام عبية وإخراج كاملة أبو ذكري، هذا المسلسل بدأ عرضه في النصف الثاني من شهر رمضان وكان حرياً به أن يكون في طليعة المُسلسلات الأولى التي أفتتح بها الموسم الأهم على مدار السنة، لا سيما أنه نوعية مُختلفة ومثيرة من دراما جديدة وغير تقليدية تتصاعد وتيرة أحداثها بسرعة ملحوظة فتشد الانتباه وتجعل المُشاهد في حالة ترقب طوال زمن الحلقات التي تتسم بسرعة الإيقاع وعناصر المفاجأة.
لكن لأن الأسباب ذاتها لا تتغير فإن المُتحكمين في السوق لهم تصورات أخرى تقودهم إلى حيث يشاءون وتقود معهم ملايين المُشاهدين أيضاً، وبالطبع ينعكس نفوذ جهات التمويل والتوزيع على اختيار النوعيات الدرامية وكافة التفاصيل المُتصلة بها بدءا من كتابة السيناريو إلى أن ترى الأعمال النور بالعرض على الفضائيات أو المنصات الإلكترونية.. وهلم جرا يمتد النفوذ الرأسمالي إلى ما لا نهاية فيرسم الواقع على الشاشة كيف ما يشاء!
شر البلية ما يضحك حقا وصدقا لقد ذهب زمن الضحك على العقول وأتى زمن الرقص على المكشوف و من يعش يشوف خزعبلات ما أنزل الله بها من سلطان يا حيران هههههه