عمان – «القدس العربي» : لا أسرار فارقة في الحديث الأردني المتواتر عن تلك العلاقة الطردية بين ما اصطلح على تسميته بـ»أحزاب الأنابيب» في إشارة للتغذية والتسمين الرسميين، وبين فرصة الحزب السياسي المعارض الأكبر في البلاد، ليس في البقاء ولا المساحة؛ فقد تجاوزهما حزب جبهة العمل الإسلامي، لكن في التربع على عرش الأحزاب السياسية العام المقبل وبعد انتهاء فترة تصويب أوضاعها لقطف الثمار.
الجزئية الأساسية التي امتدحها حزب جبهة العمل الإسلامي عدة مرات في مشروع تحديث المنظومة السياسية كانت تلك المتعلقة بالتعديلات على قانون الانتخاب.
لكن في الجزء المتعلق بتعديلات دستورية، بدا موقف الأمين العام للجبهة الشيخ مراد العضايلة حاسماً وحازماً في رفضها واعتبارها بمثابة انحراف عن مسار تحديث المنظومة، لكنه ليس انحرافاً من الوزن الذي يدفع باتجاه العودة للشارع حتى يافطة المطالبة بالإصلاح السياسي.
لكن ما يشغل المناخ الحزبي العام هو تقدير الفرص في المرحلة الحالية، وتلك الترتيبات التي تسعى للقفز بأكثر الأحزاب الجديدة ثقلاً وحراكاً حتى الآن، وهو حزب الميثاق الوطني الجديد، إلى واجهة المشهد باعتباره الحزب الأثقل في التجارب الجديدة والذي يمكن الرهان عليه في تشتيت اللون الإسلامي ولو قليلاً، مع أن الانطباع السريع هو أن هذا الحزب لو ترك وحده يولد ويزحف وينمو لتمكن من الصدارة وبدون وسمه مسبقاً بالقرب إلى السلطات أو التبعية لها. بكل حال، حزب جبهة العمل الإسلامي هو الأعرق والأعتق في البلاد.
التحاقه فعلاً بمشروع تحديث المنظومة السياسية ليس مؤكداً حتى الآن بالرغم من المشاركة في الاجتماعات والمشاورات التحضيرية، وبالرغم من تلك المجاملات والحوارات التي تواصلت حتى في شهر رمضان المبارك سياسياً مع الرئيس سمير الرفاعي.
لكن هزيمته في الشارع أيضاً سلوك محفوف بالمخاطر ولا ينطوي على ضمانات، ليس لأنه -على حد تعبير أهل اليسار والتيارات المدنية- الحزب الوحيد الذي سمح له بالعمل منذ نصف القرن الماضي، لكن لأن المجتمع الأردني لا يؤمن بعد بأن عقيدة الدولة الحزبية تغيرت، وأيضاً لأن الأحزاب التي يتم نفخها الآن موسومة مسبقاً بالشخصانية والفردية ولم تطور بعد تجربة برامجية. ويعتقد الآن بأن حزب الميثاق وحده على بوابة الاستدراك في هذا السياق، وهو يجهز لورشة عمل مؤتمره العام الأول بعدما تقلص عدد الآباء الذين يزعمون مسؤوليتهم عن النشأة والتكوين.
الأحزاب القديمة الصغيرة والمتوسطة وحتى تشارك في السباق الانتخابي، ثمة شروط وقيود قانونية عليها، وثمة فترة عام لتصويب أوضاعها. لكن الانطباع متسارع بأن أغلبية الأحزاب الصغيرة والمتوسطة وعدداً لا يستهان به من الأحزاب التي سيتم ترخيصها بعد تحديث المنظومة مؤهل للخروج مبكراً من أي سباق انتخابي، حيث ثمار جاهزة هي عبارة عن 42 مقعداً مجانياً في البرلمان تزيد على 10 سنوات، وصولاً إلى مجلس نواب برامجي حزبي بالكامل في نهاية الرؤية، وفقاً للبرلماني والسياسي محمد الحجوج الذي يراهن -كما فهمت «القدس العربي»- على تطوير التجربة لذاتها، محذراً من أن العمل البرامجي هو الأساس حتى لإنتاج مشهد فيه تنافس وطني، سواء أكان الإسلاميون على الجبهة المقابلة أم غيرهم، فالساحة تتسع للجميع.
رغم ذلك، يشير الانطباع حتى الآن إلى أن 6 أو 7 أحزاب فقط من القديمة والجديدة يمكنها أن تتقاسم المقاعد البرلمانية المجانية، فيما نصفها تماماً في أبعد حال يمكنه أن ينافس في الدوائر الانتخابية الأخرى. وإذا صدقت هذه القراءة الرقمية، يمكن مبكراً القول بأن 3 أو 4 أحزاب على الأبعد ستحصد حصة الأسد في انتخابات نزيهة لاحقاً، فيما غالبية الأحزاب القائمة والمرخصة والتي سترخص قد لا تصل إلى العتبة الانتخابية المطلوبة أصلاً.
طبعاً، بالمنطق يمكن التحدث هنا عن حزبين فقط قويين بالنتيجة، وآخرين موجودين في البرلمان بالمراتب الأدنى. وإذا بقي حزب جبهة العمل الإسلامي في المنافسة وشارك في انتخابات تحديث المنظومة، يمكن القول تلقائياً بأن واحداً فقط من الأحزاب الجديدة، هو على الأرجح «الميثاق»، يمكنه منافسة الإسلاميين، أو المطلوب منه ذلك في مجازفة حمالة أوجه قد تأتي بنتائج غير مضمونة، خصوصاً للجبهات الحزبية الأخرى.
تلك بطبيعة الحال قراءة مبكرة جداً في سياق التحليل، لكن ما يمكن قوله إن خارطة الأحزاب السياسية في مرحلة ما بعد التحديث، شاء الفرقاء أم لم يرغبوا، مبينة وممأسسة على تصور منافسة محتملة في انتخابات نزيهة بين الحركة الإسلامية وتعبيراتها، وبين حزب آخر واحد يفترض أن يحظى بالدلال والدعم ليمثل عنصر التوازن.
واضح حتى اللحظة أن أحزاب اليسار تتبع المشهد ولا تنتجه، وأن الحزب الجديد المدمج تحت يافطة منشقين سابقاً عن جماعة الإخوان، قد يحظى بالمرتبة الرابعة في أفضل الأحوال، فيما فرصته الحقيقية تبدأ حصرياً إذا قاطعت الحركة الإسلامية الانتخابات في مرحلة تحديث المنظومة.
أحزاب أخرى ليبرالية أو مناطقية قد يضطرها الواقع الموضوعي للاختباء خلف حزب الميثاق.