لماذا توترت العلاقة بين موسكو وتل أبيب مؤخرا وسعى الطرفان إلى تطويقه بسرعة؟

آدم جابر
حجم الخط
0

باريس ـ «القدس العربي»: راهن العديد من المحلّلين السياسيين على تحول التوتر الأخير في العلاقات الروسية الإسرائيلية، على خلفية الاتهامات الروسية للدولة العبرية بالدفاع عن النازيين الجدد في كييف، إلى أزمة حادة بين البلدين، لاسيما بعدما ذهب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى القول إن «هتلر كان فيه دم يهودي». غير أنه سرعان ما تم احتواء الموضوع من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت. فقد قال هذا الأخير إنه قبل اعتذار الرئيس بوتين عما صدر على لسان وزير خارجيته. بل إن بوتين انتهز احتفال إسرائيل بعيد إنشائها الرابع والسبعين والذي يُسمى في القاموس الإسرائيلي «يوم الاستقلال» لتهنئة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ.

وقبل التوقف عند العوامل التي جعلت القيادتين الروسية والإسرائيلية تعمدان إلى التحرك بسرعة لتطويق التوتر بين البلدين، لابد من التذكير بأن إسرائيل سعت على غرار عدة أطراف لاسيما في القارة الأفريقية وفي كثير من البلدان العربية إلى الوقوف على الحياد في الحرب الروسية على أوكرانيا لأسباب متعددة. غير أن الضغوط تزايدت عليها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا. فالولاياتُ المتحدة ترى أن الحياد مرفوض بالنسبة إلى إسرائيل لعدة اعتبارات من أهمها أن واشنطن ظلت دوما حليف إسرائيل السياسي والعسكري والاقتصادي برغم استمرار الاستيطان والاحتلال في الأراضي الفلسطينية وبرغم عدم امتثال الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لقرارات الأمم المتحدة ونصوص القانون الدولي.
أما دول الاتحاد الأوروبي التي فاجأت مواطنيها والعالم لأول مرة باتخاذ مواقف موحدة وصارمة ضد روسيا، فإنها كانت تنتظر من إسرائيل أن تساند موقفها المندد بهذه الحرب لأنها جعلت منها أهم شركائها وأفضلهم، تسرف في تقديم المساعدات الاقتصادية والتكنولوجية والعلمية إليها دون أن تحاسبها على ممارساتها اليومية ضد الشعب الفلسطيني. وكانت دول الاتحاد الأوروبي ترى أن من الضروري أن تحذو إسرائيل حذو الغرب في التعامل مع بوتين الذي أصبح يُنظر إليه في العواصم الغربية باعتباره مغامرا قادرا على التسبب بحق في حرب عالمية ثالثة. من جهة أخرى سعى الرئيس الأوكراني في إطار مداخلاته عبر الفيديو كونفرانس باتجاه برلمانات دول كثيرة إلى حث الإسرائيليين على مد الأوكرانيين بأسلحة دفاعية. وكان يأمل كثيرا في الاستفادة من منظومة «القبة الحديدية» المضادة للصواريخ والتي قال عنها إنها «أفصل نظام دفاعي صاروخي في العالم».
كل هذه الضغوط لم تؤت أكلها في البداية، وحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي الحد منها من خلال تقديم مبادرة وساطة بين الطرفين الروسي والأوكراني في 16 اذار/مارس الماضي. لكن المبادرة باءت بالفشل على غرار أخرى متعددة رفضها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ومع تزايد الضغوط على الطرف الإسرائيلي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية أساسا، ساندت إسرائيل قرار تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وصدرت عن وزير الخارجية الإسرائيلي تصريحات اعتبر فيها ان الروس ارتكبوا في أوكرانيا جرائم حرب ما جعل الخارجية الروسية تستدعي السفير الإسرائيلي في موسكو وتقدم له احتجاجا شديد اللهجة.
والحقيقة أن حديث وزير الخارجية الروسي عن الدم الذي يرى أنه كان يجري في هتلر جاء في الظاهر موجها إلى الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي الذي حاول مرارا التأكيد على أن إصرار الطرف الروسي على التدخل في أوكرانيا بحجة التصدي لقوى نازية في هذا البلد مرفوضة من الأساس لأنه يهودي الأصل ولا يمكن لرئيس دولة يهودي أن يقبل بانتشار النازية في بلاده. ومن هنا جاءت الإشارة في تصريحات وزير الخارجية الروسي إلى مقولة «دم هتلر اليهودي». وهي مقولة ترددت بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن لم يؤكدها المؤرخون.
وعندما قوبلت تصريحات لافروف بانتقادات حادة في إسرائيل، سعت الخارجية الروسية إلى توضيح موقفها من هذا السجال بالقول إن مرتزقة إسرائيليين ينشطون حاليا في كتيبة أزوف النازية التي تأسست عام 2014 وتصدت للانفصاليين الأوكرانيين في شرق البلاد وإن أصول رئيس لاتفيا اليهودية لم تمنع إعادة الاعتبار في هذا البلد الواقع في شمال أوروبا إلى عدد من التنظيمات النازية التي نشأت خلال الحرب العالمية الثانية بينها تنظيم «فافن إس إس» علما أن جمهوريتي لاتفيا وأوكرانيا كانتا في السابق جزءا مما كان يسمى الاتحاد السوفييتي.

يوم النصر والشراكة الاستراتيجية

وهناك قناعة لدى المتخصصين في العلاقات الروسية الإسرائيلية بأن اضطرار الرئيس الروسي إلى الاعتذار لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي عن تصريحات لافروف يعزى قبل شيء إلى حرصه على ألا يضبب السجال الذي أحدثته تصريحات وزير الخارجية الروسي على الاحتفال بيوم النصر الذي يوافق 9 ايار/مايو من كل عام. ويرى بوتين أن الحرب التي شنها على أوكرانيا منذ شباط/فبراير الماضي إنما تندرج في إطار واجب وطني روسي تجاه ذاكرة يوم النصر هذا باعتبار أن 24 مليون مدني وعسكري على الأقل من سكان ما كان يسمى الاتحاد السوفييتي ماتوا تصديا للنازية.
ولذلك قررت القيادة السوفييتية جعل يوم استسلام جنود هتلر في برلين أمام الجنود السوفييت في ايار/مايو عام 1945 يوما تحتفل فيه شعوب الاتحاد السوفييتي سابقا وشعوب الاتحاد الروسي اليوم بانتصارها على النازية. وإذا كان بوتين يدرك أن محاولة الربط بين الحرب على أوكرانيا اليوم والتصدي للنازية خلال الحرب العالمية الثانية أطروحة لا يقبل بها الغرب، فإنه مقتنع بأن الروس أو على الأقل جزءا مهما منهم قادرون على الربط بين الحربين وهو ما يريده.
ومن الأسباب الأساسية التي جعلت بوتين يسارع إلى تطويق التوتر الروسي الإسرائيلي الأخير أنه يتفهم إلى حد ما الضغوط الكثيرة على إسرائيل ويقدر لها عدم إرسال أسلحة متطورة إلى أوكرانيا وعدم تطبيق عقوبات اقتصادية على الأثرياء الروس الذين صودرت أموالهم في الغرب. ويقول الكاتب الفرنسي سيلفان سيريل في مقال صدر في اذار/مارس الماضي في مجلة «الشرق 21» الفرنسية بعنوان «لم تساير إسرائيل روسيا إلى هذا الحد؟» حسب التقديرات «بلغ وزن هؤلاء الأثرياء الروس خلال السنوات الثلاثين الأخيرة ما بين 5 و10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي، ما يدفع بإسرائيل بالفعل إلى الحد قدر الإمكان من آثار العقوبات التي يتعرضون لها».
ولا ينسى بوتين أنه أرسى بنفسه خلال زيارة تاريخية أداها إلى إسرائيل علاقة استراتيجية بين البلدين عام 2005 انعكست في السنوات التالية إيجابا على المصالح الروسية والمصالح الإسرائيلية على مختلف المستويات. أما القيادات الإسرائيلية المتعاقبة منذ تلك السنة فإنها اهتدت يوما بعد آخر إلى أن روسيا شريك مهم لها في المنطقة، بل إن هذا الشريك لا يمنعها منذ سنوات من اختراق الأجواء السورية بانتظام لضرب مواقع حزب الله المدعوم من قبل إيران والذي تعتبره إسرائيل خطرا جسيما على أمنها القومي.
وبقدر ما يعرف الطرفان الروسي والإسرائيلي أنه ليس من مصلحة كليهما عدم احتواء أجواء التوتر التي تظهر من حين لآخر في سماء العلاقات الاستراتيجية بين الطرفين، بقدر ما يدركان أن الحرب الأوكرانية في حال استمرارها أكثر من اللزوم يمكن أن تُعَقد التفاهمات التي يمكن أن تحصل للحيلولة دون تحول السجالات وبوادر التوتر إلى أزمات يصعب احتواؤها.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية