بتاريخ الخامس من مايو/أيار الجاري، نشرت صحيفة «سودان تربيون» الإلكترونية مقالا ممتعا ورصينا للسياسي المثقف الأخ والصديق علي ترايو، شرح فيه قناعته، وهي أيضا قناعتنا، بأن الحوار الوطني هو الآلية المثلى لمعالجة الأزمة السودانية، وأن حتمية الحوار في ظل ظروف السودان الراهنة، تتطلب وجود أوسع قاعدة جماهيرية قادرة على تحقيق الآمال والتطلعات «المضغمة» في شعارات ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018، وكذلك الحاجة إلى تقليل المخاطر المتصاعدة التي تهدد وحدة البلاد نتيجة اخفاق وفشل القوى السياسية، المدنية والعسكرية، تجاه كل نواحي الحكم الراشد وتحقيق الاستقرار منذ استقلال البلاد، 1956، أو في إقامة نظام حكم متفق عليه، أو في تحقيق التنمية والسلام والأمن الاجتماعي، إضافة إلى الفشل في تحويل المعطيات التي وفرتها الثورات الشعبية، أكتوبر/تشرين الأول 1964 وأبريل/نيسان 1985 إلى فرص قابلة للتحقيق. ومحذّرا من أن تجاهل مبادرة الثلاثية، يونيتامس والإتحاد الأفريقي والإيقاد، سيكون خطأً فادحا، شدد الأخ ترايو على إمكانية تحويل هذه المبادرة إلى منصة تجمع فسيفساء السياسة السودانية، بما فيها الشباب النشط الذين تصدروا ولا يزالون الاحتجاجات الشعبية، واولئك الذين تصدوا في الأحراش والصحاري لمقاومة الإبادة الجماعية، تجمعهم بهدف إدارة حوار وطني عميق وجاد يجيب على سؤال كيف يحكم السودان في إطار مبادئ الحرية والسلام والعدالة. ويؤكد الأخ ترايو أنه، وبغض النظر عن أي تصورات متباينة أو آراء متضاربة أو مشاعر منفعلة، فإن الواجب والمسؤولية التاريخية تملي على النخب السودانية الانخراط في شرح وتوضيح ونشر الحكمة الكامنة من وراء الحوار الوطني كأفضل خيار إستراتيجي للتصدي للأزمة السودانية المزمنة.
مقالة الأخ ترايو، حفلت بعدد من الملاحظات الهامة والجديرة بالمناقشة. وفي هذا السياق، نورد من جانبنا مجموعة من الملاحظات نبتدرها اليوم بملاحظة أولية/تاريخية، على أمل مواصلة النقاش في مقالاتنا القادمة. تقول ملاحظتنا الأولى، إن ما تطرحه مبادرة الثلاثية، ليست هي المحاولة الأولى في تاريخ السودان الحديث للتعامل مع أزمات الوطن عبر آلية الحوار الوطني. فربما كان مؤتمر جوبا قبل الاستقلال، في العام 1947، هو أولى تلك المحاولات في تاريخ السودان، والذي إنتظمت فيه القيادات السياسية السودانية، من شمال البلاد وجنوبها، لمناقشة كيف يحكم السودان. ورغم أن المتحاورين توصلوا إلى أن السودان يجب أن يبقى موحدا وفق الإرادة الطوعية للجميع، شريطة ضمان حقوق شعب جنوب السودان، إلا أن المؤتمر لم يحقق النتائج المرجوة ولم يجب على السؤال الرئيسي. وعقب ثورة أكتوبر/تشرين الأول 1964، عقدت القوى السياسية السودانية، خلال الفترة من 16 إلى 29 مارس/آذار 1965، مؤتمر المائدة المستديرة للحوار حول الأزمة في البلاد وقضيتها الرئيسية المتمثلة في العلاقة بين الشمال والجنوب. لكن المؤتمر لم يتوصل إلى نتائج حاسمة، وشكل لجنة من إثني عشر عضوا، مناصفة بين سياسيي الشمال والجنوب، بهدف إعداد مسودة مقترحات للإصلاح الدستوري والإداري تعرض في مؤتمر مائدة مستديرة ثاني، إلا أن هذا المؤتمر لم يعقد وطواه النسيان.
الحوار الوطني هو الآلية المثلى لمعالجة الأزمة السودانية، وأن حتمية الحوار في ظل ظروف السودان الراهنة، تتطلب وجود أوسع قاعدة جماهيرية قادرة على تحقيق الآمال والتطلعات
وفي أعقاب إنتفاضة أبريل/نيسان 1985، عقدت القوى السياسية والنقابية السودانية مؤتمرا للحوار الوطني في منتجع كوكادام بإثيوبيا، والذي صدر عنه إعلان كوكادام في 24 مارس 1986، مطالبا المجلس العسكري الإنتقالي آنذاك، والذي تشكل عقب الإنتفاضة، بتكوين حكومة جديدة للوحدة الوطنية تحضر لمؤتمر قومي دستوري يشارك فيه الجميع من أجل تحقيق العدالة والمساواة والديمقراطية. لكن، رأى المجلس العسكري الإنتقالي الدعوة إلى انتخابات برلمانية أجريت في أبريل/نيسان 1986، مما فاقم من الصراعات الحزبية والتنافس حول كراسي السلطة قبل التوافق والإجماع حول إجابة متوافق عليها لسؤال كيف يحكم السودان. وعلى الرغم من أن القوى السياسية جميعها، ما عدا حزب الجبهة الإسلامية القومية، توافقت على عقد مؤتمر للحوار الوطني تحت مسمى المؤتمر القومي الدستوري، حدد تاريخ إنعقاده في 18 سبتمبر/أيلول 1989، على أن تبدأ إجراءات التحضير له بإنعقاد أول إجتماع للجنة التحضيرية بتاريخ 4 يوليو/تموز 1989، إلا أن الجبهة الإسلامية القومية فاجأت الجميع بإنقلابها العسكري في 30 يونيو/حزيران 1989، لتصادر الحياة السياسية الديمقراطية، وتفرض حكمها وفق آيديولوجيتها الخاصة، وبقوة الحديد والنار.
وفي 23 يونيو/حزيران 1995، عقدت القوى السياسية السودانية، ماعد الجبهة الإسلامية الحاكمة آنذاك، مؤتمرا للحوار بالعاصمة الإريترية، وأصدرت «إعلان أسمرا للقضايا المصيرية» مؤكدا توافقها بالإجماع حول نظام الحكم اللامركزي في السودان، وفصل الدين عن السياسة، وحق تقرير المصير كأساس للوحدة الطوعية إضافة إلى القضايا الآخرى، كالسياسة الإقتصادية والسياسة الخارجية..الخ، المتعلقة بمستقبل السودان. لكن، مؤتمر أسمرا ظل في جوهره حوارا بين القوى المعارضة لحكومة الإنقاذ، أكثر من كونه مؤتمرا للحوار الوطني على المستوى القومي. أيضا، عقدت العديد من مؤتمرات الحوار والتفاوض بين نظام الانقاذ والقوى المعارضة له، تمخضت عنها عدة إتفاقات، أهمها، حسب التسلسل الزمني، إتفاق الخرطوم للسلام مع بعض الفصائل المعارضة المسلحة من جنوب السودان، ابريل/نيسان 1997، وإتفاق السلام الشامل بين النظام والحركة الشعبية لتحرير السودان، يناير/كانون الثاني 2005، وإتفاق القاهرة مع الأحزاب التاريخية والتقليدية المعارضة، يونيو/حزيران 2005، وإتفاق أبوجا لسلام دارفور مع عدد من الحركات الدارفورية المسلحة، مايو/أيار 2006، وإتفاق الشرق مع قوى شرق السودان، أكتوبر/تشرين الأول 2006، وإتفاق الدوحة لسلام دارفور مع بعض فصائل المعارضة المسلحة الدارفورية، يوليو/تموز 2011…الخ. صحيح أن الإتفاقات الناتجة من هذه الحوارات والمفاوضات، أفضت إلى إنتقال عدد من المعارضين إلى مشاركة حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السلطة التشريعية والتنفيذية، إلا أن أيا منها لم يوقف الحرب ولم يخاطب جذور الأزمة السودانية، بل أدت إلى إنقسام الوطن الواحد إلى دولتين تتفاقم الأزمة الخانقة في كل منهما. كما أن العديد ممن ولجوا إلى مواقع السلطة من المعارضين، رجعوا مرة أخرى إلى صفوف المعارضة.
كاتب سوداني
ياعزيزي الاستاذالشفيع..مشكلة جنوب السودان تختلف من مشكلة دارفور… مشكلة دارفور أخطر علي جغرافية البحر والنهر من جنوب السودان… للآتي. دارفور متعددة الاعراق والقبائل ودول الجوار. ثانيا.. كانت دولة منفصلة كسلطنه حتي 1916..ثالثا..الذين قاموا وابدأ الصراع هم نفسهم الذين يتواجدون في البحروالنهر…. انظر مثلا لم يبلغ عدد الحركات المسلحه في إقليم دارفور؟ كم عدد الجيوش الخاصه لأفراد في نفس الإقليم؟ انظر لطريقة هروبهم من هذا المأزق وهي طريقة التحول من مليشيات الي أحزاب مدنيه وطريقة الاندماج.. انظر…. وانظر… لذا مشكلة لايوجد لها حل الآن وارجو ان لايكون علي حساب أراضي جغرافية البحر والنهر(البحرين)….
كنت اترقب مساهمتك في الحلول المناسبة وكيفيتها . لا أن تتحدث عن الخيار المطروح ظاهرا ( ومغيب باطنا )
دمتم
لا بديل للحوار من أجل الوطن لا سلطة الوطن!