ينطلق كتاب «الأندلسيون الهورناتشيون من المراقبة إلى العقاب ترجمة ودراسة لوثائق من الأرشيف الإسباني» ترجمة محمد عبد المومن ودراسة محمد رضى بودشار تطوان ـ منشورات باب الحكمة 2020، من المُشكل الذي يواجه الباحثين في موضوع الأندلسيين المتأخرين عامة المعروفين في الأدبيات الإسبانية بالمورسكيين، الذين فرض عليهم التعميد، وما تميزت به من قوة وشجاعة واتحاد وتضامن وميل إلى الاستقلال الذاتي وقوة إنتاجية، هو ندرة المصادر العربية التي تتحدّث عن مقامهم في إسبانيا وحياتهم فيها، وما عانوه من ملاحقات وطرد وتهجير قسري، حتى استقرارهم في بلدان المغرب وغيرها.
وينوه بأهمية المصادر القشتالية للقرنين السادس عشر والسابع عشر، لأنها تتبعت وقائع الأندلسيين الهورناتشيين بتفاصيلها، من خلال عملية المراقبة التي خضعوا لها من قبَل المؤسسات، التي أنشأتها الدولة الإسبانية صحبة الكنيسة الكاثوليكية، كدواوين التفتيش ولجان الثبت، والرهبانيات الفرنسيسكانية والدومينكانية وغيرها، التي كانت تنجز تقارير وتراسل التاج الإسباني عن كل ما يخص تلك الجماعة الأندلسية، وقد نتج عنه تراكم كم هائل من التقارير والرسائل والمراسيم، احتفظت بها الهيئات الإسبانية المركزية والمحلية في أرشيفها، وبعضها متاح على الشبكة العنكبوتية، على الرغم من أنها تعبر عن رأي الغالب، فإنها تحمل في ثناياها صوت المغلوب.
ونظرا لأهميتها البالغة تم انتقاء وترجمة بعض الوثائق ونشرها كجزء ثان من هذا الكتاب تعميما للفائدة، مع تزايد الاهتمام المغربي بتاريخ الأندلسيين المتأخرين، ويعتقد المؤلفان، أن هذه الوثائق المكونة من مراسم وتقارير ورسائل، تغطي النقص الذي يعتري تلك المدونات التاريخية الرسمية التي ألفها موظفون ساميون في الدولة الإسبانية التي سكتت عن تفاصيل عديدة تخص حيوات الناس. وتكمن قيمة الوثائق المترجمة والمدروسة في هذا الكتاب في كشفها عن حيثيات متعلقة بالحياة الشخصية والخاصة للموريسكيين، التي كانت تتم في الخفاء، والتي تمكنت وسائل المراقبة من رصدها والتبليغ عنها.
وتبعا لعنوان الكتاب فهو مقسم إلى قسمين: قسم الدراسة، وقسم الترجمة.
في القسم الأول تتبّع محمد رضى بودشار مأساة الهورناتشيين من خلال ثلاثة محاور، أولها المراقبة التي كانت سياسة متبعة من قبل السلطات الإسبانية بعد فشل سياسة التنصير القسري، مراقبة يومية ومستمرة اضطلع بها موظفون رسميون ورجال الدين وبعض المسيحيين العاديين من عامة الناس، وقد اتخذت هذه المراقبة شكلين؛ (أ) مراقبة عقيدة الهورناتشيين وشعائرهم الدينية، بعدما تبيّن للسلطات الإسبانية احتفاظهم بإسلامهم ومقاومتهم الشديدة (بالاختفاء عن محاكم التفتيش/ اغتيال المسيحيين/ حيازة الكتب/ استعمال اللغة العربية/ الاحتفال بالأعياد/ التظاهر بالرهبنة/ الاحتفاظ بلحم الخنزير/ قطع الطرق/ محو آثار التعميد) لكل ما فرض عليهم من ممارسات مسيحية، بوضع اثنين وعشرين معيارا للإبلاغ عنهم وملاحقتهم (منها عدم القول بعدم ألوهية المسيح وصوم رمضان وعدم شرب الخمر، الاحتفال بعيد الأضحى) (ب) التنسيق بين المسيحيين لمواجهة الهورناتشيين. ثانيها العقاب وقد رصد فيه رضى بودشار أشكال العقاب الذي تعرض له الأندلسيون الهورناتشيون، وتنوع بين العقاب الجسدي؛ كالتعذيب والسجن والحرق والإعدام، والغرامات المالية ومصادرة الممتلكات، والطرد كعقاب أقسى، دون أن ينسى الدارس التطرق إلى الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للهورناتشيين الذين تخلفوا عن الطرد. ثالثها تناول استقرار الهرناتشيين في المغرب ونشاطهم القرصني انتقاما من الإسبان واحتجاز العديد من الأسرى الإسبان في تطوان في سياق تاريخي تميز بازدهار نشاط القرصنة وقدم معطيات عن هذه العملية، وكيف قامت إسبانيا بتحرير بعض أسراها في تطوان وسلا، والمتدخلون في هذه العملية وهم رجال الدين وقيمة الافتداء والتنظيم القانوني والسياسي له، عبر اتفاق بين الإسبان والمغاربة، كما كشف الدارس عن لوائح للمحررين ومعلومات عنهم في جداول تفصيلية تشمل اسم الأسير وأصله ومنطقة أسره، وأسماء القراصنة وأسماء مالكي الأسرى وقيمة الفدية ومدة الأسر.
أما القسم الآخر فقد تولى فيه محمد عبد المومن ترجمة 36 وثيقة غطّت المرحلة الزمنية الممتدة من 1502 إلى 1640، أي من زمن صدور مرسوم التنصير الإجباري إلى وثيقة افتكاك بعض الأسرى الإسبان في مدينة تطوان، وقد اعتمد على ثلاثة معايير في انتقاء هذه الوثائق وهي:
– معيار زمني: بتغطية مسار تطور قضية الأندلسيين المتأخرين.
– معيار مجالي: بالتركيز على الأندلسيين الهورناتشيين.
– معيار موضوعاتي: بالإلمام بمختلف جوانب حياة الإنسان وأبعاد المجتمع.
وقد افتتحها بتقديم الاختصارات وبعض المصطلحات الأرشيفية الواردة في الكتاب، وبعدها يقدم رقم الوثيقة وعنوانها ومصدرها ونصها.
وبهذا العمل المتميز، يقدم الدارس والمترجم ذخيرة توثيقية للقارئ العربي عامة ويقدم مادة خصبة للدارسين والباحثين، خاصة المهتمين بتاريخ المغرب والأندلس.
كاتب مغربي
استمتعت بالقراءة.
شكرا جزيلا.
مفالة موفقة
للأسف هناك ضبابيه تلف واقع ” الهورناتشوس ” خصوصا وعموم المطرودين من الأندلس الذين استقروا في مختلف دول المغرب وحتى بعض دول المشرق ! فهل يا ترى هذا التعتيم راجع لرغبة إسبانيا بالخصوص وأوروبا المسيحيه عموما في عدم تحريك هذا الملف ذو الأبعاد المتعدده ومنها مثلا عدم الرغبه في استرجاع هؤلاء لحقوقهم التاريخيه واعتراف الدوله الإسبانيه بهذه الحقوق كما هو الحال بالنسبة لليهود !!! أم ضعف البحث التاريخي في دول المغرب الكبير مما يغيب عنا واقع تاريخي واجتماعي وووو لهذه الفئه من مرحلي الأندلس والفظائع التي ارتكبت في حقهم قد تصل لمستوى إبادة عرقيه وجرائم ضد الإنسانيه في حق مواطنين إيبيرين ذنبهم الوحيد أنهم كانوا مسلمين …!!!