عملية إعدام الزميلة شيرين أبوعاقلة برصاص «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط» وهي في مهمة صحافية، جريمة مكتملة الأركان.
أيّ قول، رسمي أو سياسي أو إعلامي أو شعبي، غير هذا، جريمة أخرى ترمي، عن عمد أو من دون عمد، إلى زرع الشك في نفوس الناس، ومن ثمة تبرئة الجاني.
ومهمة تبرئة الجاني هنا ليست شاقة كثيرا.
يكفي أنه إسرائيلي.
الجندي الإسرائيلي، عندما يقتل فلسطينيا، وضعه لا يُقارن بالجندي الروسي عندما يقتل في أوكرانيا أو السوداني في دارفور أو الصربي في كوسوفو أو أيّا كان أينما كان.
الأول يعود إلى بيته مطمئِّنا في انتظار قتل آخر. والثاني تحاكمه وسائل الإعلام الغربية أولا، ثم يتسلمه الذعر من المتابعة القضائية الدولية.
جريمة صباح الأربعاء الماضي لا تخص شيرين وعائلتها. ولا تخص شبكة «الجزيرة» الإعلامية وحدها. ولا تخص فلسطين فقط. ولا تخص قطر. ولا تخص إسرائيل.
إنها تخص جميع هؤلاء. ومعهم العالم كله.
هي جريمة في رقاب الإنسانية كلها عنوانها أن تقتل وأنت واثق ألَّا أحد سيحاسبك، فقط لأنك جندي إسرائيلي منحك العالم المتحضر ضوءا أخضر تحت زعم أنك مُعرَّض لخطر «المخرّبين» و«الإرهابيين».
يستحق العالم الثناء هذه المرة على وقوفه منددا بجريمة إعدام شيرين.
لكن التنديد والإدانة لا يكفيان.
على العالم أن يقف مطالبا بالعدالة لشيرين.
و»العالم» هنا لا أقصد به الحكومات.. عربية كانت أم غربية.
أقصد الهيئات الأهلية والحقوقية والمنظمات الإنسانية وما تبقى من أصحاب ضمائر ومدافعين عن العدل والحق.
لا، بل على العالم ألا يكتفي بالمطالبة.
عليه أن يعمل على أن تتحقق العدالة في أسرع وقت ممكن، وينال الجاني جزاء ما ارتكب.
اغتيال شيرين فرصة هذا العالم لينتفض ويبدأ مسيرة تغيير واقع مُر طال كثيرا وبات ظلامه يغشي الكل.
هذه الجريمة لا يجب أن تمرّ من دون عقاب.
ليس من أجل شيرين وحدها. بل من أجل الآخرين حتى لا يصيبهم ما أصابها.
ما معنى أن ينتفض العالم؟
معنى ذلك، ببساطة، أن ينزع عن الجندي الإسرائيلي تلك الحصانة الأبدية ويساويه بالروسي والسوداني وغيرهما.
أن ينظر إلى حكومة إسرائيل نظرته إلى بقية حكومات العالم.. ترتكب جرائم تستحق المحاسبة والإدانة فعلا وقولا.
أن يتوقف عن الإيمان بمقولة «القانون فوق الجميع وإسرائيل فوق القانون».
العدالة لشيرين حماية لزملائها، القريبين من دائرتها الجغرافية والبعيدين عنها، من غدر جنود «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط» وبلطجيتها
أن يستيقظ من أكذوبة أن إسرائيل «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط» لأن الديمقراطية لا تستوي مع العنصرية وإرهاب الدولة.
أن يتخلى عن نفاقه ويتمرد على جُبنه في تصنيفها دولة مارقة عندما ينسحب عليها هذا الوصف.. وهو كثيرا ما ينسحب.
أن يمتلك جرأة التوجه إلى لاهاي.
لاهاي وحدها ترعبهم وتردعهم.
عجزُ العالم عن تحقيق العدالة لشيرين، معناه أنه يمنح الذين أعدموها ضوءًا أخضر ليعدموا غيرها.
العدالة لشيرين وهي تحت الأرض، إنصافٌ لغيرها فوق الأرض.
العدالة لشيرين حماية لزملائها، القريبين من دائرتها الجغرافية والبعيدين عنها، من غدر جنود «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط» وبلطجيتها.
العدالة لشيرين هي الطريقة الوحيدة المضمونة لمنع إعدام شيرين أخرى بسلاح قنّاص جبان يختبئ في ظلمة سيارته المصفحة.
ستضع حدا لثقافة الاستعمال السهل والمفرط للرصاص باتجاه الصحافيين العزّل والمتظاهرين السلميين دون خوف من العواقب.
ستكون بداية مراجعة بوليصة الإفلات من العقاب التي استولت عليها «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط» كمنذ نشأتها.
خذلان شيرين سيجعل الدنيا غابة أكثر مما هي الآن.
دوام الحال سيمنح «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط» إذنًا لارتكاب مزيد من الإرهاب والإجرام.
هل خطر لأحدنا أن عشرات، وربما مئات، الشبان واليافعين الذين اصطادهم رصاص جنود «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط» منذ اغتيال الطفل محمد الدرة يوم 30 أيلول (سبتمبر) 2000، هم في الأصل ضحايا تخاذل العالم عن تحقيق العدالة لمحمد؟
إذا خذل العالم شيرين مثلما خذل محمد، فعليه أن يستعد للأسوأ.
والأسوأ قادم حتما وسيكون أكثر سوادا وحرقة.
لعلّ الدناءة التي طالت حاملي تابوت جثمان شيرين في المستشفى الفرنسي في القدس حملت للعالم بعضا من بشائر هذا القادم.
وحشية عصيّ شرطة «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط» على أجساد حاملي ذلك التابوت تستطيع أيضا أن تقول شيئا عن هذا القادم.
أين العرب من شيرين؟
الشعوب مقهورة ومغلوبة على أمرها، لكنها تأبى الاستسلام.
الحكومات فئات: فئة مستسلمة يتقدمها رباعي «التطبيع الإبراهيمي» توارت وراء صمتها المخجل. فئة تائهة عديمة التأثير، وثالثة منهارة عديمة الصوت.
القاسم المشترك بين هذه الفئات أن شيرين أزعجتهم بموتها بقدر ما أزعجزت قاتليها أو قل أكثر.
شيرين خلّدت اسمها بطريقتها في كل العالم. الآن يجب تخليد اسم قاتلها ومَن أوحى له في دفاتر محاكم الجنايات الدولية.
إذا كانت شيرين تستحق شيئا الآن، فهو هذا.
كاتب صحافي جزائري
كيف ننتظر من العالم أن ينصف الصحفية الشهيدة شيرين أبو عاقلة، وجزء من هذا العالم (خاصة في الغرب ) يؤمن إيمانا صارما بأن لإسرائيل الحق في الحصول على “حدود آمنة وقابلة للدفاع عنها”… وهي بالمناسبة أطروحة ترجمتها الوحيدة في العقل الإسرائيلي تعني وجود دولة يهودية واحدة على أرض فلسطين التاريخية…
وإذ تركنا جانبا موضوع القدس، فالمشكل الكبير أن هذه الأطروحة (مع كل مايرتبط بالأمن القومي في عقيدة الدول، من مشاكل سياسية وإقتصادية واجتماعية سواء كانت آنية او مستقبلية ) تلقى آذانا صاغية لدى صانع القرار الغربي، والخشية أن تكون قد أصبحت تلقى أيضا التفهم من السلطات في دول التطبيع العربية…
والمثير للسخرية أيضا أن هذه الإدعاءات والهواجس الأمنية الاسرائيلية تشبه إلى حد ما، ما دفع به الرئيس الروسي بوتين من أجل تبرير غزوه لأوكرانيا، وهو غزو كما نعرف استمات بعض العرب في الدفاع عن شرعيته… مع أن السؤال المطروح يبقى هو: ماذنب الأوكرانيين إذا لم يريدوا العيش تحت كنف دولة تابعة لروسيا؟ وما ذنب الفلسطينيين إذا كانت الجغرافيا لاتخدم دولة إسرائيل؟
مقال جيد .
اذكر مرة كنت في مناظرة في كنيسة وقا م موءيد لاسراءيل وقال مهما دافعت فاننا هنا لا نسمح لاحد ان ينتقد اسراءيل. اجبته ان من حق اي أنسان الاعتراض او الانتقاد. أجابني بانه لن يكون هناك في الاعلام او السياسة من ينتقد اسراءيل. بعد الندوة قال لي القس ان هذا المتحدث جاهل وأن كنيسة ذلك القس توءيد الشعب الفلسطيني. سالته لماذا لم تتدخل في المناقشة وتعلن تاييد الشعب الفلسطيني.
لم يجبني وشعرت بمدى الارهاب الفكري الذي يمارسه الصهيانة ضد من ينتقد اسراءيل.
اود ان اقول انه هناك تحول ايجابي ولو بطيء لصالح الشعب الفلسطيني وعلينا العرب ًوالمسلمين الدفاع عن قضايانا العادلة وخاصة فيً فلسطين.