الرباط ـ “القدس العربي”:
ما زال المغاربة يعانون من وطأة الزيادات المتكررة لأثمان المواد الاستهلاكية والارتفاع غير المسبوق لأسعار المحروقات، على الرغم من الدعوات المتكررة لضرورة التدخل لوقف التصاعد المستمر للغلاء وتفعيل ما ينص عليه القانون 104.12 في مادته الرابعة، واتخاذ التدابير اللازمة ضد الارتفاع الفاحش في الأسعار الذي أضرَّ بالقدرة الشرائية لفئات واسعة من المواطنين المغاربة.
وفق تقرير رسمي صادر حديثا عن المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة إحصائية)، عرفت عدد من المواد الغذائية ارتفاعا في أسعارها، خلال الشهرين المنصرمين، همَّ على الخصوص أثمان الفواكه بـ 12.3 بالمئة والسمك وفواكه البحر بـ 9.8 بالمئة والزيوت والدهنيات بـ 5 بالمئة، والخضر بـ 2.9 بالمئة، واللحوم بـ 1.8 بالمئة، والخبز والحبوب بـ 1.4 بالمئة.
وسجل التقرير الذي توصلت به “القدس العربي”، ارتفاعا في “الرقم الاستدلالي” للأثمان عند الاستهلاك بـ 5.9 بالمئة خلال نيسان/ أبريل 2022 مقارنة مع نفس الشهر من السنة السابقة، حيث نتج هذا الارتفاع عن تزايد أثمان المواد الغذائية بـ 9.1 بالمئة، وأثمان المواد غير الغذائية بـ 3.7 بالمئة.
وسبق لمغاربة أن خرجوا للاحتجاج ضد الغلاء وارتفاع الأسعار، في عدد من المدن كالدار البيضاء وأغادير ومكناس والرباط، استجابة لدعوات “الكونفدرالية الديمقراطية للشغل”، التي تعتبر أن “الحكومة المغربية لم تقم بتفعيل ما يُتيحه القانون من تدخل لتسقيف الأسعار أو تحديد هامش للربح من أجل حماية القدرة الشرائية للمغاربة التي تضررت بشكل كبير، خاصة في ظل تداعيات الأزمة الصحية “كوفيد 19”.
ودعت النقابة المغربية إلى ضرورة التدخل لوقف التصاعد المستمر لغلاء أسعار المواد الأساسية وتفعيل ما ينص عليه القانون 104.12 في مادته الرابعة، واتخاذ التدابير اللازمة ضد الارتفاع الفاحش في الأسعار الذي أضر بالقدرة الشرائية لفئات واسعة من المواطنين.
بالنسبة لعلي لطفي، كاتب عام “المنظمة الديمقراطية للشغل”، التابعة لحزب “الأصالة والمعاصرة” المشارك في الحكومة، ففي الوقت الذي كان ينتظر فيه العمال والموظفون أن تُقرَّ الحكومة بزيادة عامة في الأجور في القطاع العام والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية والقطاع الخاص لمواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة والغلاء والارتفاع المستمر لأسعار المحروقات والمواد الغذائية الأساسية والوفاء بالتزاماتها في تحسين أوضاع المواطنين المغاربة، والرفع من قدرتها الشرائية، تواصل الحكومة تجميد أهم الملفات المزمنة كملف “الأساتذة المفروض عليهم نظام التعاقد” وملفات “ضحايا النظامين” و”الزنزانة 9″ و”الترقي خارج السلم لأساتذة التعليم الابتدائي والإعدادي ولهيئة التقنيين المغاربة”، وإهمالها لمشاريع مراجعة الأنظمة الأساسية لرجال ونساء التعليم والتعليم العالي، واستمرارها في فرض نظام ضريبي مرتفع وغير عادل.
من جانبه، وصف عبد الحميد فاتحي، الكاتب العام لـ “الفيدرالية الديمقراطية للشغل” التابعة لحزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” المعارض، أن الحكومة غير مبالية ومتجاهلة للآثار المدمِّرة لسياستها على القدرة الشرائية للطبقة العاملة المغربية وعموم المواطنين وخاصة الفئات الشعبية وذات الدخل المحدود، جراء الارتفاعات الصاروخية لأسعار المواد الاستهلاكية الأساسية وأسعار المحروقات التي وصلت إلى مستويات قياسية.
ويرى النقابي المغربي أن الحكومة المغربية لم تقم بتحريك ساكن، ولم تقُم بإجراءات سريعة لدعم القدرة الشرائية للمواطنين، والتي أضحَت في الحضيض، وفق تعبيره، ودون الاكتراث إلى انعكاسات ذلك على الأمن والاستقرار الاجتماعي، دون الاقتداء بما يجري في دول مماثلة والتي أقدمت على التخفيف من آثار ارتفاع أسعار المحروقات بتسقيف الأثمنة أو بالتخفيض من الرسوم.
وأبرز أن هذا الوضع المقلق والذي يزيده الوضع الاقتصادي قلقا بفعل نسبة التضخم غير المسبوقة والتي ستصل إلى 4.7 بالمئة، ونسبة النمو التي ستتراجع إلى 1.1 بالمئة، وارتفاع عجز الخزينة، والاستمرار في إغراق البلاد في المديونية، كلها عوامل “ستزيد من حدة الوضع الاجتماعي، وتضيق الخناق على الحلقات الضعيفة في المجتمع من أجراء وفئات هشة، في حين يستمر الرأسمال في جني ومراكمة الأرباح، كما هو الشأن بالنسبة للوبي المحروقات، دون وازع وطني ودون خوف على مستقبل البلاد، وكل ذلك أمام أنظار حكومة اختارت منذ البداية أن تنحاز إلى الباطرونا (أرباب العمل) وتبني سياستها على حرية الأسعار وقانون السوق” بحسب تعبير المتحدث.
ودعا الكاتب العام لـ “الفيدرالية الديمقراطية للشغل”، إلى وقف مسلسل الزيادة في أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية وأسعار المحروقات ووقف تدمير القدرة الشرائية للعمال وعموم المواطنين، وعدم الزجِّ بالبلاد في سياقات تمس الأمن والاستقرار الاجتماعيين، ما يتطلب “الضغط على الحكومة من أجل إقرار زيادة حقيقية في الأجور، والرفع من الحد الأدنى منها في القطاعين العام والخاص، ومراجعة نسب التضريب المفروضة على المأجورين وفي مقدمتها الضريبة على الدخل التي تؤدي منها الشغيلة المغربية 73%، وإعفاء التكاليف الاجتماعية من التضريب”.