مسيرة الأعلام.. بين “رغبة الأقلية” وإنزال العلم عن الكنيست

حجم الخط
0

ثمة أوضاع نادرة يكون فيها الطرفان محقين ومخطئين في الوقت ذاته: قصة مسيرة الأعلام. ولا، الخلاف ليس بين اليسار واليمين. موقف اليسار معروف. بل خلاف بين اليمين واليمين. من جهة يقف بنيامين نتنياهو؛ الذي كان هو رئيس الوزراء في مثل هذا اليوم، قبل سنة بالضبط، حين انطلقت المسيرة على الدرب، وقرر تغيير المسار ومنع العبور من باب العامود. ومن جهة أخرى كان أمير أوحنا، الذي شغل وزير الأمن الداخلي، وحل محله الآن الوزير عومر بار-ليف، وكان (أوحنا) أيد العبور من باب العامود. اتخذ نتنياهو القرار حتى بخلاف الرأي المهني للمفتش العام في حينه، وهو الآن الذي يقر بعبور المسيرة في باب العامود.

من المحق؟ نتنياهو الحذر أم رئيس الوزراء نفتالي بينيت الذي يؤيد على الأقل حتى كتابة هذه السطور، السير من باب العامود. فهل سيغير رأيه في الساعات القريبة القادمة، مثل سلفه في المنصب؟ إذا حصل هذا، فرجاء امتنعوا عن التهجمات. لأنه مسموح لأصحاب القرار التردد. وهذا ليس عيباً، بل يعني أنهم يأخذون كل الحجج بالحسبان. وأحياناً، تتغير الظروف مثلما سبق للأمور أن حصلت.

من جهة أخرى، شيء ما يحصل في السنة الأخيرة. أقلية عنيفة في شرقي القدس وأقلية عنيفة في أوساط عرب إسرائيل، بتعاون مكشوف مع حماس، تحاول أن تفرض على إسرائيل نوعاً من الاستسلام. هم يريدون إملاء واقع جديد، يصرخون في ساحات المدينة في وسط البلاد أيضاً، اللد، بدعوات تماثل مع محمد ضيف. يمسون باليهود، لأنهم يهود، أكثر بكثير من الماضي. وهم دوماً يهددون. هذا ليس رفع رأس قوميا، بل رفع رأس عنيف، إسلاموي وخطير. وهم يجتازون خطوطاً حمراء، ويسمحون لأنفسهم لأن حماس تهدد في الخلفية. قبل سنة بالضبط رأينا أنها لم تكن تهديدات عابثة. رغم أن نتنياهو غير مسار المسيرة، فقد أطلق صاروخ إلى القدس. ومحق اليمين حين يدعي بأن تغيير المسار “استسلام لتهديدات حماس”. هل هناك مخاطرة في حدوث اشتعال كبير؟ بالتأكيد. هل سيتعرض الجنوب للصواريخ؟ يحتمل. هل ستفتح مواجهة أخرى؟ يحتمل. الحل الوسط ليس عاراً. العكس هو الصحيح. استيضاح الحالات أمر مرغوب فيه. هل من المجدي تغيير المسار لتحقيق الهدوء؟ اسمحوا لي الاعتراف بأني كتبت أن الجواب إيجابي، لكن شيئاً ما يتغير؛ والتنازل سيزيد شهية ائتلاف العنف من الخارج والداخل. سيؤدي الاستسلام إلى مزيد من الاستسلام. اتخذ نتنياهو قراراً صحيحاً قبل سنة؛ حاول منع المواجهة، لكن يتبين أن كل محاولة مبررة لتحقيق الهدوء لم تؤد إلى الهدوء، بل تزيد الشهية. هذا ليس بسيطاً، لأنه يجب الاعتراف بأن أولئك الذين يسيرون اليوم لا يمثلون الإسرائيليين. يدور الحديث عن حريديين قوميين. بعضهم، ودوماً هذه أقلية، قد يصرخون هناك، في داخل الحي الإسلامي “الموت للعرب” و “محمد مات”، و”فلتحرق قريتكم”. فقد سبق لهذا أن حصل في مسيرات سابقة. فما العمل إذن؟ هل نعطيهم المفاتيح لمواجهة لا أحد يريدها؟

أمام هذا اليمين مسيرات أعلام في الجامعات، مسيرات هي جزء من التطرف المتصاعد للأقلية، أقلية فقط، من بين غير إسرائيل. ينبغي التعاون مع الأغلبية. ينبغي الكفاح من أجل المساواة والاندماج. ولهذا السبب بالذات يبدو أنه حان الوقت للخروج بخطوات أكثر تصميماً بقليل ضد هذه الأقلية. حين تكتب هذه الأقوال تنطلق تهديدات بأنه ستكون اضطرابات في المدن المختلطة أيضاً. مرة أخرى، هذه هي ذات التهديدات والتخويفات. قبل أسبوعين فقط، سار عشرات الشبان مع أعلام فلسطين وهتافات العداء: “بالروح بالدم نفديك يا فلسطين”. وماذا الآن؟ هل سيملي هؤلاء الشبان على إسرائيل الامتناع عن مسيرة في اللد مع أعلام إسرائيل؟ وهناك اليسار الإسرائيلي؛ فقد قالت الوزيرة تمار زندبرغ إن “علم فلسطين هو علم السلام”. يقرأ المرء ويفرك عينيه. هذا يثبت بأن الوضعية تفقد الناس عقولها. هل بات من يهتف هتافات تضامن مع محمد ضيف ناشط سلام؟

ما العمل إذن؟ كل من بقي في رأسه عقل يفترض أن يفهم بأن هذه معضلة غير بسيطة. ينبغي التنازل، ينبغي الوصول إلى حل وسط، ينبغي الامتناع عن الاستفزازات، حين تكون النتيجة منع العنف. كان يخيل هنا وهناك أن هذا هو الوضع. لكنه لم يعد كذلك. لأنه بعد القدس واللد، هناك من سيحاول أن يفرض علينا إنزال العلم حتى عن الكنيست. ستزداد الشهية. وثمة حجج ممتازة ضد المسيرة وضد بعض السائرين الذين يريدون الاشتعال. وهتافات على نمط “الموت للعرب” إذا ما انطلقت اليوم، لا سمح الله، هي عار لكل يهودي وصهيوني. لكن الحجج التي كانت صحيحة أمس ليست بالضرورة أن تكون كذلك اليوم؛ الظروف تغيرت. مطالبة حماس ومؤيديها ليست حلاً وسطاً، هذه مطالبة للاستسلام. إذن نعم، قد تؤدي المسيرة إلى اشتعال كبير، لكنه سيأتي في كل حال، لا حاجة لأن يأتي أيضاً مع استسلام كله عار.

بقلمبن – درور يميني

يديعوت أحرونوت 29/5/2022

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية