نيويورك تايمز: هل بات جونسون مثل القطة التي تعيش حياتها التاسعة والأخيرة؟

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن – “القدس العربي”:

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالا لكاتي بولز قالت فيه إن لحظة محاسبة رئيس الوزراء بوريس جونسون حانت أخيرا، فبعد أشهر من التكهنات والفضائح التي تسببت في اضطراب رئاسته للوزراء، اضطر جونسون يوم الاثنين لمواجهة تصويت بحجب الثقة نظمه حزبه المضطرب والمنزعج بشكل متزايد.

 وفي يوم عاصف بالبرلمان، نجا جونسون من التصويت حيث حصل على 211 صوتا مقابل 148. ورد على النتائج بتحد قائلا إنه كان نصرا يعني “أنه يمكننا التركيز على الأشياء المهمة حقا”.

وتعلق الكاتبة أن هذا رد متفائل، فمن الناحية الفنية،  يظل جونسون في مأمن من تحد آخر لقيادته لمدة عام. مع أن الواقع أكثر كآبة، ففي السياسة البريطانية، لا يوجد شيء اسمه فوز في تصويت الثقة.

وبدلا من ذلك، يميل التصويت لوضع بداية النهاية، بداية الموت البطيء للزعيم. فقد أعلنت تيريزا ماي استقالتها بعد أقل من ستة أشهر من فوزها (بهامش أكبر)، بينما لم تصمد مارغريت ثاتشر سوى 48 ساعة فقط. وتمكن جون ميجور من البقاء في منصبه بعد فوزه، وكانت النتيجة خسارة انتخابية كاسحة للمحافظين.

 وتعلق الكاتبة أن أنصار جونسون يصرون على أنه استثناء من القاعدة، وأنه ليس، كما وصف أحد الوزراء على شاشة التلفزيون، “رجل ميت يمشي”.

فقد مرت مرحلة صدق فيها غالبية المشرعين المحافظين هذا الادعاء، ولكن لم يعد الأمر كذلك.

وبعد أن رفضه الكثيرون في حزبه، وفي مواجهة رد فعل شعبي عنيف، أصبح جونسون الآن مصابا بجروح خطيرة، وربما قاتلة. وتراجعت احتمالية أن يقود الحزب في الانتخابات القادمة. وهو تراجع ملحوظ، في حزب المحافظين، الذي ظل فيه جونسون يتحدى قواعد الجاذبية السياسية.

ففي الفترة التي قضاها في المنصب العام، نجا من الفضائح الشخصية التي كان من شأنها أن تطيح بغيره في نفس المنصب وحقق انتصارات انتخابية لم يكن أحد من أسلافه قادرا عليها وفاز بمنصب العمدة – مرتين – في لندن العمالية، وقاد حملة الخروج في استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وفي عام 2019 حصل على أكبر أغلبية لحزب المحافظين منذ أيام تاتشر.

ومع  ذلك بدا جونسون في الآونة الأخيرة، قابلا للخسارة بشكل بات يثير قلق حزبه.  فقد انخفضت معدلات التأييد له بشكل مطرد: وفقا لاستطلاع حديث، فإن 59% من البالغين البريطانيين يريدون منه ترك منصبه.

وفي إشارة إلى الرفض الوطني، تم الترحيب بجونسون بصيحات استهجان وسخرية في قداس اليوبيل البلاتيني يوم الجمعة. ليس لأن تعرض سياسي محافظ لصيحات الاستهجان أمر نادر الحدوث. في الواقع، إنه شائع جدا. ولكن هذا الأمر كان يجب ألا يحدث له.

وهذه ليست مسألة صغيرة بالنسبة لرئيس وزراء كانت علاقته بحزبه على الدوام تجارية، أي تحقيق انتصارات.

ودعمه المحافظون ليس لأنهم يحبونه أو يدينون له بالولاء أو يعتقدون أنه يشاركهم رؤيتهم، بل لأنهم اعتقدوا أنه يستطيع الفوز.

ولم يعد هذا هو الحال الآن،  تراجع المحافظون، الذين يعانون من انخفاض شعبية جونسون سبع نقاط مئوية عن حزب العمال المعارض. ولهذا يقوم المشرعون بمراجعة مواقفهم.

وتعتقد الكاتبة أن العامل الأكبر في سقوط  جونسون من مكانته، بالطبع، هو “بارتيغيت”، الفضيحة التي هزت السياسة البريطانية واتهم هو وأعضاء فريقه بخرق قواعد الإغلاق بشكل متكرر.

وأدت الانتهاكات إلى تحقيق للشرطة، أصبح خلاله أول رئيس وزراء في منصبه تفرض عليه الشرطة غرامة، كما أجري تحقيق مستقل طويل، كشف عن تفاصيل مثيرة للحفلات في داونينغ ستريت. وأصبح جونسون عرضة لواحدة من أخطر التهم في السياسة البريطانية: النفاق. وتسبب بغضب الشعب.

ولم يساعد جونسون أنه لم يظهر سوى القليل من الندم. فهو معروف جيدا بكرهه للاعتذار، وحتى في الساعات التي سبقت التصويت، وبينما كان فريقه يحاول يائسا حشد الدعم، لم يكد ينطق بنبرة تعكس ندما. في رسالة موقعة إلى زملائه، اعترف على مضض أن “بعض هذا النقد ربما كان مبررا”، قبل أن يضيف بسرعة، “وبعضه أقل من ذلك”.

وأخفق أسلوبه المنمق، الذي غالبا يترك أثره في النهاية.

فقد اتحد المشرعون من مختلف أجنحة الحزب ضده: انضمت الشخصيات التي لم تحبه أبدا إلى صفوف مؤيدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي غير الراضين عن موقفه المتعجرف والمسيحيين المتدينين المستاءين مما يعتبرونه لا أخلاقيا.

ويعني عمق واتساع نطاق المعارضة الداخلية أنه لا يمكن رفضها على أنها من عمل أولئك الذين يكرهون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أو يحملون ضغائن شخصية.

ومع ذلك، فإن توتر علاقة  جونسون مع حزبه سابقة ومنذ أشهر طويلة، حيث شعر المشرعون المحافظون أنه لم يتم الاستماع لأصواتهم، ومنذ توليه السلطة بشكل شامل في عام 2019.

وقد سارت الأمور بالفعل إلى الأسوأ في نهاية عام 2021، عندما طلب من حزبه دعم مشرع معلق بسبب خرقه لقواعد الضغط السياسي، ثم قام فجأة بعكس المسار. بالنسبة للعديد من المشرعين الأصغر سنا، أثبت ذلك أن  جونسون لا يعرف ما الذي كان يفعله وأنه لا يمكن الوثوق به.

ومع ذلك، يأمل موظفو  جونسون أن يتمكن من إعادة بناء سلطته. ومن هنا تم إحضار فريق جديد من المساعدين هذا العام للحد من التمرد.

وإلى جانب الحرب في أوكرانيا، التي سمحت له بلعب دور رجل الدولة، أدت عملية إعادة التنظيم هذه إلى توفير الوقت لرئيس الوزراء. ولكن في الوقت الذي أصبحت فيه جهود تجديد الثقة أقل نشاطا، فقد تسربت حقيقة انتخابية قاتمة إلى الأفق.

ومشكلة  جونسون هي أنه لا يوجد الكثير من الأخبار الجيدة في الأفق. بعد فشل الحكومة حتى الآن في تجسيد تعهدها بـ “تعديل المستوى”، أي تضييق الهوة بين المناطق الفقيرة والغنية في البلد وقرارها برفع الضرائب فإن قلة من الناس يتحمسون لأجندته المحلية. ويتفاقم هذا القلق بسبب أزمة تكلفة المعيشة، حيث يستمر التضخم في الارتفاع.

وعلاوة على ذلك، فإن هناك انتخابات ستجرى هذا الشهر في مقعدين متناقضين – ويكفيلد، الدائرة الانتخابية الشمالية العمالية تقليديا والتي فاز بها مرشح حزب المحافظين في انتخابات 2019، وتيفرتون أند هونيتون، وهي دائرة انتخابية في الجنوب الغربي المحافظة تقليديا – قد تكون نتائجها ضارة. فإذا عارضت الدائرتان المحافظين، كما يبدو ممكنا، فسيكون ذلك بمثابة ضربة كبيرة للحزب. ومن المفيد الإشارة إلى أن الانتخابات ستتم في الدائرتين بسبب استقالة نائبيهما بتهم أخلاقية.

ثم هناك مسألة صغيرة تتعلق بتحقيق في مجلس العموم حول ما إذا كان  جونسون قد ضلل البرلمان، وعادة ما تكون هذه جريمة استقالة.

في حين أن  جونسون قد يكون آمنا، من الناحية النظرية، لمدة 12 شهرا أخرى، لا أحد يعتقد حقا أن هذا هو الحال. القواعد التي تحكم حزب المحافظين غامضة ويمكن تغييرها في يوم واحد. الشعور السائد بين كبار المحافظين هو أنه إذا انقلبت الأغلبية ضد  جونسون، فسيختفي قبل نهاية العام.

وفي النهاية فقد تحدى رئيس الوزراء، بالطبع الصعاب عدة مرات. ولكن بينما يحاول  جونسون الانتقال من تصويت مؤلم يستنزف السلطة، من الصعب الهروب من الشعور بأن هذه القطة تعيش حياتها التاسعة والأخيرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية