نواكشوط – القدس العربي: لا شيء يشغل الموريتانيين هذه الأيام سوى متابعة تسريبات للخلاصات التي توصل لها قطب التحقيق المختص في الجرائم الاقتصادية خلال جرده لممتلكات الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وأفراد أسرته، والذي استعرض أثناءه التهم الموجهة للرئيس السابق وأكد ضلوعه فيها.
وتتجه الأنظار حالياً لتحديد تاريخ لمحاكمة الرئيس السباق ومجموعته والتي أطلق عليها البعض «محاكمة القرن» لكثرة ما ستنظر فيه من ملفات بالغة التعقيد.
وأحدثت التسريبات التي نشرتها مواقع إخبارية محلية هزة في الساحة الموريتانية، حيث لم يصدق الكثيرون ما تضمنته خلاصات قطب التحقيق من ضخامة الأموال والعقارات المنهوبة.
وشمل الجرد المالي الذي تضمنته خلاصات قطب التحقيق والذي أرفق بأمر الإحالة إلى المحكمة المختصة في الفساد، ممتلكات الرئيس السابق الشخصية، إضافة لممتلكات زوجته تكيبر بنت أحمد، وممتلكات أبنائه وبناته بدر، وأحمد، وأسماء، وليلى، وممتلكات حفيده عبد الله أحمدُ محمد عبد العزيز».
وبلغت ممتلكات ولد عبد العزيز التي تم كشفها خلال البحث الابتدائي قرابة 30 مليار أوقية قديمة (حوالي 87 مليون دولار)، فيما أكدت الخلاصات أن التحقيق القضائي اللاحق على البحث الابتدائي كشف المزيد من الأموال».
وأضاف قطب التحقيق أنه عدد المنازل المملوكة للرئيس وأفراد أسرته المباشرة المكتشفة في إطار التحقيق القضائي بلغ 17 منزلاً، فيما بلغ عدد القطع الأرضية 468 قطعة أرضية، و9 شاحنات، وثلاث سيارات، وجرار، إضافة لأكثر من خمسة مليارات أوقية قديمة، لتنضاف للمبلغ الذي تم كشفه خلال مرحلة البحث الابتدائي».
وأكد قطب التحقيق في خلاصاته أن التحقيقات وما تضمنته وثائق الملف ومستنداته كشفت «عن توفر جملة وافرة من الأدلة القطعية، والقرائن القضائية التي تثبت قيام المتهم بكافة الوقائع المنسوبة إليه في لائحة الاتهام».
وبدأ قطب التحقيق مع التهمة الأولى، وهي: «تهمة تبديد ممتلكات الدولة العقارية والنقدية»، وعلق عليها بقوله: «أثبتت الشهادات والتصريحات التي أدلى بها بعض المسؤولين السابقين، وبعض المتهمين أن قرار بيع القطع الأرضية التي كانت تشغلها مؤسسات عمومية ومصالح حكومية قد اتخذه المتهم الأول محمد ولد عبد العزيز، بشكل شخصي، دون الاستناد إلى تقارير، أو معطيات مقدمة من الجهات الفنية المختصة في القطاعات المعنية».
كما أكد قطب التحقيق أن «المتهم محمد عبد العزيز استغل مركزه الوظيفي كرئيس للجمهورية من أجل خرق مقتضيات قانون الصفقات العمومية، بإعطائه الأوامر لعدد من مرؤوسيه بمنح امتيازات غير مبررة في مجال الصفقات العمومية لشركات وأطراف، يكون في الغالب على صلة بها هو والدائرة المقربة منه، وهو ما يثبت ارتكابه للفعل المنصوص عليه في المادة: 6 من قانون مكافحة الفساد».
كما تناول قطب التحقيق تهمة «استغلال النفوذ وإساءة استغلال الوظيفة»، مستعرضاً ما وصفها بـ»وقائع تثبت استغلاله لنفوذه، وإساءة استغلال الوظيفة»، مردفاً أن هذه الوقائع أخذت عدة أوجه، شكل التدخل في مسطرة إبرام الصفقات العمومية لمحاباة شركات لها علاقة ما بالدائرة المقربة منه، وجهاً من أوجهها».
وأكد قطب التحقيق في خلاصاته أن الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز «كان يمارس أعمالاً تجارية، أثناء توليه منصبه كرئيس للجمهورية»، كما ثبت «تلقيه فوائد من عقود ومزايدات.. وأخل بمقتضيات مبدأ تعارض المصالح، ومارس أعمالاً تجارية تتعارض مع صفته المهنية وهو ما تجرمه وتعاقبه المادة 169 من قانون العقوبات».
كما تناول قطب التحقيق تهمة «الإثراء غير المشروع»، معتبراً أن امتلاك المتهم محمد ولد عبد العزيز، وأفراد أسرته – الذين لم تكن لهم وظائف، ولا نشاطات تجارية – لثروة هائلة، لا تجد تبريرها في مصادر دخلهم المشروعة».
وأضاف أن هذه الثروة تمثلت في أعداد كبيرة من العقارات (بنايات وقطع أرضية)، وشركات ومصانع، وحظائر تحوي عشرات السيارات من مختلف الأنواع والأحجام، أرصدة بنكية، وودائع بالمليارات، وقطعان متنوعة من الماشية.
كما توقف القطب مع مقارنة ما تم الكشف عنه من ثروات هائلة لدى المتهم وأفراد أسرته المباشرة، بما صرح به سنة 2010 في محضر التصريح بالممتلكات أمام لجنة الشفافية في الحياة العمومية عند توليه منصبه كرئيس للجمهورية، وبما صرح به في التصريح المماثل عند مغادرته للمنصب سنة 2019، أمام نفس الهيئة، مؤكداً «أن ذلك يكشف بجلاء ووضوح أن المتهم أثرى ثراء غير مشروع خلال توليه السلطة».
وتناول قطب التحقيق بقية التهم كإخفاء العائدات الجرمية، وإعاقة سير العدالة، وغسيل الأموال، مستعرضاً وقائع وحيثيات في كل محور من المحاور، وكذا ما يعتبره أدلة على الاتهامات الموجهة للرئيس السابق.
وفي مقابل هذه الأدلة التي تضمنتها خلاصات التحقيق، يواصل دفاع الرئيس السابق حملة مضادة لها ومفندة لمضامينها.
وفي هذا الإطار، قال عضو هيئة الدفاع عن الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، المحامي محمد المامي ولد مولاي: «على النيابة أن تثبت أولاً امتلاك الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز لهذه الأموال، قبل أن تطالبه بإثبات شرعيتها من عدمها».
وتسبب نشر خلاصات قطب التحقيق حرجاً كبيراً للنيابة العامة وللحكومة، حيث حققت الشرطة القضائية مع الهيبة سيداتي مدير تحرير وكالة «الأخبار» الموريتانية المستقلة التي كانت أول من نشر خلاصات التحقيق.
وأعلن الوزير الناطق باسم الحكومة الموريتانية، محمد ماء العينين ولد أييه، «أن النيابة العامة فتحت تحقيقاً لمعرفة الجهة المسؤولة عن تسريب ملخصات قطب التحقيق في ملف العشرية الذي وقع بعد توزيع تقارير التحقيق على أطراف الملف».
وقال «إن نشر تلك المعلومات لا يتماشى مع قوانين الحريات العامة ولا القوانين التي تنظم الصحافة، لأنه يمثل اعتداء على حقوق الأطراف، وهو ما لا تسمح به القوانين».