عمان – «القدس العربي» : لا أحد يذكر هذه الأيام في الأردن خيراً أو شراً، سياسياً أو بيروقراطياً، مشروع تحديث المنظومة السياسية في البلاد بعدما استقرت المسارات العملياتية والتشريعية في هذا المشروع الطموح، ثم اخفتت الأضواء عنه ولم يعد الرأي العام مشغولاً به وتجاهلته النخب السياسية والصالونات في الوقت الذي يترقب فيه الجميع الإفراز الأهم للحلقة المرتبطة بالتعديلات الدستورية ضمن هذا المشروع، وهو تشكيل مجلس الأمن القومي.
لأسباب غير مفهومة بعد، يتأخر الإعلان عن تشكيل مجلس الأمن القومي الجديد، وهو ذراع دستورية قيل عندما أقره مجلس الأمة وسلطة التشريع بأنه المنتج الرئيسي عملياً في التحول الإصلاحي المتعلق بتحديث المنظومة السياسية.
وهو مجلس يعلم الجميع أنه يضم كبار المسؤولين، وتعقد اجتماعاته برئاسة الملك شخصياً، أو من يوكله برئاسة الاجتماعات، إضافة إلى أن قرارته تصبح بمجرد المصادقة الملكية عليها نافذة على الفور ودون اعتراض للسلطة التشريعية ولا السلطة التنفيذية.
المجلس المشار إليه أيضاً يسيطر على نحو 60% من ميزانية الدولة ويتولى عملية الفلترة الأمنية والدستورية والسياسية في الملفات المهمة، وخصوصاً تلك المتعلقة بالأمن الداخلي والخارجي والمؤسسة العسكرية. ورغم كل تلك المزايا ورغم انتظار المناخ الوطني العام لعدة أسابيع، لم يعلن بعد عن تشكيل ذلك المجلس، مع أن جميع الأطراف داخلياً توقعت أن يبرز هذا الإعلان بمجرد عودة الملك عبد الله الثاني من رحلته الأخيرة المهمة، والتي اعتبرت بمثابة اختراق سياسي عميق للولايات المتحدة الأمريكية.
وأغلب التقدير أن التأخر في إعلان تشكيل مجلس الأمن القومي قد تكون له أسبابه، لكن تلك الأسباب على مستوى الرأي العام ليست الشفافة بعد، وإن كان الجميع يعتبر الإعلان بمثابة المحطة الأخيرة للمضي قدماً بمشروع تحديث المنظومة السياسية، حيث إن الإطار وبمجرد تشكيله سيجلس في عمق مؤسسات القرار ليكون أضخمها وأهمها على الإطلاق، مما يعني الكثير من التبديلات والمناولات والتغييرات ليس في المناصب والوظائف فقط، ولكن في أدوار بعض المؤسسات أيضاً.
بعيداً عن الأمن القومي ومجلسه، تناقص الجدل حول منطوق ومضمون ومحتوى مشروع تحديث المنظومة السياسية في البلاد، وتقلص ظهور رئيس اللجنة الملكية التي صاغت المنظومة رئيس الوزراء الأسبق أيضاً سمير الرفاعي على مسرح الحدث، وانتقل الميكروفون في البعد التنفيذي على جبهة النشاط الملحوظ والمرصود من رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات الوزير السابق موسى المعايطة، الذي كان قد أبلغ عدة مرات خلال اجتماعات تحديث المنظومة «القدس العربي» بأنه مهتم جداً بالتفرغ لترويج تلك المنظومة، والتثقيف بنصوصها، والمضي قدماً إلى الأمام، وترك متعلقات الماضي، وعلى أساس أن المنظومة هي المشروع المنتج الآن لجميع أطراف العملية السياسية في البلاد.
المعايطة بقي متفائلاً طوال الوقت، لكنه ظهر في نشاطات تنسيقية مرتين على الأقل الأسبوع الماضي، مما يظهر شغفه بأن يستقر مشروع تحديث المنظومة السياسية دستورياً وقانونياً على أرض الواقع، خصوصاً أن إدارة ستكون معنية بالأحزاب السياسية الجديدة أصبحت الآن ملحقة بالهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات، بمعنى أن التنميط الحزبي في المرحلة اللاحقة من حيث المتابعة والترخيص ومراقبة الالتزام بالقانون يتبع المعايطة وطاقمه مرة أخرى.
في كل حال، خطفت الرؤية الاقتصادية، وهي وثيقة عابرة للحكومات، الأضواء قليلاً من منسوب التحديث للمنظومة السياسية، لكن على جبهة تشكيل الأحزاب السياسية الجديدة وباتجاه الدرب الطويل نحو تخصيص مقاعد أكثر مستقبلاً في البرلمان لأحزاب سياسية برامجية لم يعد الشارع الأردني يهتم أيضاً بالأحزاب التي أفرزتها المنظومة أو التي قالت إنها ستكون جزءاً من العملية السياسية لاحقاً، بما في ذلك الأحزاب الوسطية. ومن المرجح في التحليل النهائي أن أضواء تحديث المنظومة خفتت قليلاً لعدة أسباب، من بينها أن مؤسسات القرار لم تقرر بعد ما الذي ينبغي فعله بالعقيدة البيروقراطية المتعلقة بالاعتقالات الاحترازية، ولاحقاً بملف الحريات، خصوصاً مع بروز أزمة مضادة للحريات جراء قرار مجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان بكف يد المفوض العام للمركز.
وهو قرار اعتبر في الاتجاه السالب للحريات ولضمانات الحريات عملياً، ومن الأسباب التي تحول دون الرهان على إكمال حلقات مشروع تحديث المنظومة السياسية. بعيداً عن ملف الحريات، عدم اتخاذ قرار بعد فيما يخص نقابة المعلمين حيث حصة كبيرة من التثقيف الحزبي، هو رهن بقطاع التعليم والمدارس. والأهم أيضاً أن الأزمة الاقتصادية والاحتقانات المعيشية والظروف الإقليمية والدولية الملتبسة في المنطقة من الأسباب التي خففت الحماسة لمشروع تحديث المنظومة، فيما سطع لمدة أسبوع فقط نجم النقاشات المتعلقة بالرؤية الاقتصادية الموازية.
وعلى الأرجح، الانطباع السياسي يقول بأن مسألة اتخاذ قرار بتشكيل مجلس الأمن القومي الجديد وإعلان ولادته قد يكون النقطة التي تؤذن ببداية فعلية لمرحلة المنظومة والتعديلات الدستورية.
لكن هذه الخطوة تتأخر ولأسباب غامضة، وقد يكون إعلان تشكيل المجلس جزءاً من خطة أشمل في التغييرات العامة على مستوى بعض مؤسسات الدولة الأساسية، حيث لم يتقرر بعد مصير التركيبة الوزارية الحالية.
والاحتمالات مفتوحة على تغييرات في الأطقم الاستشارية، إضافة إلى أن القرار لم يتخذ بعد فيما يتعلق بدورة استثنائية قادمة للبرلمان ولا بهوية رئيس مجلس النواب في الولاية الدستورية أو الدورة التالية للمجلس التي ستمهد عملياً لأول انتخابات لها علاقة بمشروع المنظومة السياسية، الذي ينساه الجميع أو نسوه الآن نسبياً بدرجة أو أخرى.
ثورة ثورة ثورة
قريبا ستأتي ثورة تقتلع كل شي ء