قبل أكثر من عام بقليل، ظهر اسم تسفي لفنة فجأة في موقع (يزكور – يتذكر) التابع للجيش الإسرائيلي. وهذا ما هو مكتوب في الملخص على موقع التخليد لشهداء معارك إسرائيل: “توفي بعد الخدمة في 25 حشفان 5861 (أي 11/11/2001). كان عمره 51 عاماً عند وفاته. مكان دفنه هو المقبرة المدنية في “رمات هشارون” – “موراشا”. خلافاً للإجراءات، ليس هنالك ذكر لرتبته وحياته وانتمائه العسكري.
النقيب تسفي لفنة كان جندياً في دورية هيئة الأركان. ومنذ موته بالأركان، وطوال حوالي 20 عام، رفضت وزيرة الدفاع طلب عائلة وأصدقاء لفني الاعتراف بعزيزهم كشهيد للجيش الإسرائيلي، وقد فعلت ذلك فقط في 2020 بعد أن فرضت المحكمة ذلك. قصته تتطابق مع قصة وحدة الأسطول البحرية 13 الذين غطسوا في المياه الملوثة لوادي كيشون، ثم اضطروا إلى النضال طوال عشرات السنين ضد رفض الجهاز الاعتراف بالعلاقة ما بين الغطس والسرطان.
تسفي افيعاد لفني – تسفيكا، كما سماه الجميع، ولد في 1950، ودرس في مدرسة “اوهل شم” في “رمات غان”، وفي شبابه كان رئيس لفرقة في الكشافة. وقد تميز في دراسته وقبل الاحتياطي الأكاديمي، ودرس الرياضيات والفيزياء في الجامعة العبرية. كانت أيام حرب الاستنزاف، ولفني، هذا ما كتب في الكتاب الذي أصدرته عائلته لذكراه، “شعر بالإحباط لأنه ليس في الجيش، وأوقف دراسته بعد سنتين وتطوع لدورية هيئة الأركان”. داني يتوم هو من أوصى به، والذي كان حينها في إجازة تعليمية من الجيش ودرس معه في الجامعة.
تجند لفني في آب 1970 مع الإعلان عن وقف إطلاق النار الذي أنهي حرب الاستنزاف. قائده كان كوكي كنعاني. لقد اجتاز مسار التدريب العادي والمضي للوحدة، واندمج في النشاطات العملية. بعد ذلك ذهب إلى دورة ضباط، وأنهاها بامتياز، وعاد إلى وظيفة قائد قائم. بقيادة دوف كتمري، وعوزي يئير، ومناحيم دجلي وإيهود براك، وسعت الدورية نطاق نشاطها إلى ما خلف خطوط العدو – في مصر، وسوريا، ولبنان، والأردن.
منذ يوم إقامتها في 1957 كوحدة تخدم شعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي وهيئة الأركان العامة (ومن هنا جاء اسمها)، ركزت وتخصصت الدورية في مهام جمع المعلومات، وضمن ذلك إخفاء أجهزة تنصت، والتي سميت بـ “الوسائل الخاصة”. وهذه استهدفت إعطاء المخابرات الإسرائيلية تحذيراً مسبقاً قبل الحرب. لاحقاً، تبين أن رئيس الاستخبارات العسكرية ايلي زعيرا، لم يشغلها كما هو مطلوب في الجبهة المصرية قبل يومين من اندلاع حرب يوم الغفران، بل فحص صلاحيتها فقط. فيما بعد كشف المصريون أن هذه الوسائل والمعدات المرافقة لها اكتشفت، وهي معروضة في المتحف الحربي في القاهرة.
بعد الحرب، نشرت “يديعوت أحرونوت” وثيقة سرية لقيادة قوات الدفاع الجوي – قيادة الفرقة 8 فرع دورية مراقبة للجيش المصري، كتب فيها: “في الساعة 18.22 يوم 1973.2.16 نفذ العدو اختراقاً لمجالنا الجوي في منطقة شمالي الزعفرانة بسبع طائرات مروحية. حوالي الساعة 20 فتحت سيارة جيب النار على شخصين من قواتنا من رجال حرس الحدود. في منطقة الكيلومتر 88 في شارع السويس القاهرة، أحدهما جرح والآخر هرب. تم العثور على آثار طائرة مروحية وإنزال جيبين من الطائرة… العملية نفذت في إحدى الليالي المقمرة، والتي كالمعتاد ينفذ فيها العدو عملياته الخاصة … يمكن التقدير بأن العدو سيركب أجهزة التقاط لخطوط الهاتف مثلما حدث في الساحة الجنوبية من الجبهة السورية”.
الوثيقة المصرية تؤكد أحداث تلك الليلة، كما قال أحد المشاركين في العملية والتي كان اسمها “قنصلية”: “قائد الوحدة كان إيهود براك، وقد دربنا كقوتين موازيتين، في تدريب على نموذج في سيناء. قمنا في التدريب بمحاكاة اصطدام مع العدو، بحيث كل قوة يمكنها مساعدة الأخرى. وهذا ما حدث. لقد اصطدمنا. وفي أعقاب الاصطدام كان علينا تغيير المكان والسفر، ولكن واصلنا المهمة”.
كانت المهمة واحدة في سلسلة عمليات تم فيها نقل طواقم دورية هيئة الأركان مع جيباتهم على الطائرات المروحية إلى خلف قناة السويس وخليج السويس. كانت أجهزة التنصت في الجيبات، وفيها بطاريات كبيرة وقوية استهدفت إطالة عمرها. وللحفاظ على الأمان، كان في كل جيب جنديان. لقد جلس في الأمام، وكانت هنالك ألواح تفصل بينهما وبين البطاريات التي وضعت في المقعد الخلفي. عمليات من هذا النوع تمت بتنسيق مع قسم الجمع ووحدة التكنولوجيا لشعبة المخابرات (81) ومع شعبة العمليات الخاصة التي أسسها يوسي لينجوتسكي بناءً على طلب أبراهام ارنان، مؤسس الدورية.
“أذكر أنه من حين إلى آخر وصل خبراء إلى 81، وإلى وحدة العمليات الخاصة، وإلى دورية هيئة الأركان، ففحصونا وفحصوا الجيبات بأجهزة خاصة”، قال لـ”هآرتس” أحد المشاركين في تلك العمليات، والذي طلب عدم الكشف عن اسمه. في العملية التي جرت في شباط 1973 كان تسفيكا لفني في أحد الجيبات والذي حملت فيه البطاريات بدون حاجز لوحي بسبب ضيق المكان. رغم الخلل واستمرار العملية لفترة أطول من الزمن الذي حدد، فقد تكللت بالنجاح وعاد كل المقاتلين بسلام. حصل المشاركون على جائزة أمن إسرائيل عن الشجاعة التي أظهروها والجرأة والتنفيذ الناجح.
في 1972 وفي الوقت الذي كان ما يزال فيه جندياً، تزوج لفني من روتي وأنجبت منه لاحقاً ولداً وبنتاً. في 1975 تسرح، وبدأ بالدراسة في قسم إدارة الأعمال في مسار مباشر للدكتوراه في المعهد التكنولوجي لمساسوستش (ام أي تي). هناك التقى ضابطاً آخر من الوحدة، وهو بنيامين نتنياهو، وتصادقا. عندما قتل يوني نتنياهو في 1976 في عنتيبة، رافق لفني نتنياهو في سفره إلى جامعة كورنيل ليبلغ الخبر المرير للوالد، البروفيسور بن تسيون نتنياهو. في 1981 انضم لفني إلى كادر كلية إدارة الأعمال في جامعة تل أبيب، وفيها درس وبحث لمدة حوالي 7 سنوات. في 1987 استقال من الحياة الأكاديمية، وتوجه إلى مجال الأعمال الخاصة وأسس شركة البنى التحتية “لينوم للهندسة”.
رأي واضح
مرض السرطان أصاب لفني في آب 1999. بعد حوالي عام، قدم طلباً لضابط المكافآت في وزارة الدفاع للاعتراف به كمعاق في الجيش الإسرائيلي. في تشرين الثاني 2001 مات لفني. بعد سنتين من ذلك، رفضت وزارة الدفاع الطلب، وبدأت رحلة أرملته روتي بمطالب لاستخراج وثائق ومماطلة متعمدة لآلاف المعاقين الذين تعرضوا لصدمة المعركة. مثّل روتي لفني المحاميان ايلي وايتي زوهر. في مرحلة معينة، توجه أصدقاء تسفيكا إلى وزير الدفاع في حينه إيهود باراك، ولرئيس الحكومة في حينه بنيامين نتنياهو، الذي حضر عرس ابنة لفني وطلبت مساعدته. الانطباع الذي تلقياه كان أن الاثنين ليسا متشجعين للمساعدة.
من بين باقي الوثائق التي قدمتها روتي لفني، رأي خبير للدكتور إسحق اورون من قسم الهندسة في جامعة بن غوريون في النقب، وفيه يؤكد أنه بسبب استمرار العملية مدة سبع ساعات، فقد تعرض الجنود لمواد خطيرة. خبير آخر، وهو الدكتور هرئيل هيلبرن، كتب ما يشير فيه إلى “أن مكوث تسفيكا لفني في القسم الخلفي من الجيب كان نتيجة لضرورة عملياتية أدت إلى خرق شديد لإجراءات الأمان”. كذلك، قال نمرود حيفتس، صديق لفني في الوحدة، في إفادته، إنه كان أثناء العملية قائداً للجيب وإلى جانبه جلس السائق اوري راز. “تسفيكا لفني وجندي آخر جلسا في القسم الخلفي وبالقرب من المعدات التي تحدثنا عنها، حيث لم يكن هنالك أي حاجز بينهم وبين المعدات.
حنان لفني، شقيق الشاب تسفيكا لفني، الذي خدم هو أيضاً في دورية هيئة الأركان، مات من السرطان في 2005. في السنوات الأخيرة من حياته، أجري بحثاً توصل فيه إلى استنتاج أنه من المحتمل أن جنوداً آخرين من الوحدة الذين ماتوا بالسرطان أو من أمراض أخرى بصورة مفاجئة وغير مفهومة، قد تعرضوا لمواد خطيرة. “في حينه، لم نكن ندرك المخاطر”، قال لـ”هآرتس” ضابط في هيئة الأركان، والذي كان فيما بعد أحد رؤساء جهاز الأمن. “لقد قدسنا المهام من أجل الدولة، ولكن مثلما في قصة الأسطول من الوحدة البحرية، تسببت الدولة بالموت للمقاتلين الذين ضحوا بحياتهم ولعائلاتهم”، وزارة الدفاع رفضت الطلب بالاعتراف بروتي لفني كأرملة في الجيش الإسرائيلي. اضطر الجيش في سنة 2020 لقبول الدعوى بعد نقد شديد ولاذع من المحكمة.
من وزارة الدفاع ورد: “قسم العائلات، التخليد والذكرى، يشارك العائلة حزنها. أرملة الشهيد النقيب تسفي لفني توجهت سنة 2002 بطلب للاعتراف بحقوقها بقوة قانون عائلات الجنود الذين سقطوا في المعركة. عقب ذلك جرت مشاورات طبية وقانونية، وفي سنة 2003 تقرر رفض طلبها نظراً لأنه لم يتم العثور على علاقة بين ظروف خدمته وظروف وفاته. على هذا القرار قدمت لفني التماساً للمحكمة وتم مناقشته في 2019 وفيه اتخذ قرار بالاعتراف بالأرملة، وزارة الدفاع تحترم قرار المحكمة”.
من مكتب إيهود باراك، ورد: “كان براك قائد للوحدة أثناء العملية المذكورة، وعرف شخصياً وقدر تسفيكا لفني ومساهمته العملية للأمن. كوزير دفاع، عمل براك قدر إمكانه من أجل الاعتراف بحقوقه. براك يرحب بأن مساهمته من جانب والظروف التي قادت إلى موته من جانب آخر، قد اعترف بها في نهاية الأمر.
بنيامين نتنياهو رفض الرد. وروتي لفني رفضت إجراء مقابلة تفيد هذه المقالة.
بقلم: يوسي ميلمان
هآرتس 23/6/2022
الى جهنم يا ليت جميع جنودكم يموتون بنفس الطريقة
عقاب رباني على جرائمهم . جهنم وبئس المصير لقتله الاطفال عديمين الضمير والاخلاق