ناشونال إنترست: على الغرب عدم تكرار أخطائه مع الاتحاد السوفييتي والتحضير لتفكك روسيا مبكرا

إبراهيم درويش
حجم الخط
5

لندن ـ “القدس العربي”:

قال البروفيسور جوليان سبنسرـ تشرتشل بمقال بمجلة “ناشونال إنترست” إن على الغرب التحضير مبكرا لتفكك روسيا، إذ ستؤدي “الثورة الملونة”- التي تحدث عنها الرئيس فلاديمير بوتين نفسه-  إلى الإطاحة بالإطار السياسي شبه السلطوي الحالي، مشيراً إلى أن مسيرة هذه الثورة الحتمية قد بدأت فعلياً نحو موسكو.

واستنتج تشرشل أن برنامج بوتين الاجتماعي المحافظ قد منع من حدوث ذلك، كما لاحظ، ايضاً، أن مقامرته غير المحسوبة في أوكرانيا قد أدت إلى تسريع التعبئة ضد نزعته الانتقامية، وقال إن محاولة بوتين اليائسة من أجل تقوية الجغرافيا الروسية ستظل منطقية قبل ظهور نظام ليبرالي، فما هو مؤكد أن دستورا ليبراليا في موسكو سيقود إلى مزيد من انفصال مناطق الأقليات في روسيا.

محاولة بوتين اليائسة من أجل تقوية الجغرافيا الروسية منطقية للغاية، لأن وجود أي دستور ليبرالي في موسكو سيعني المزيد من انفصال مناطق الأقليات في البلاد

وأكد أنه من الأفضل أن يفكر الاستراتيجيون الغربيون بالطريقة التي سيعيدون من خلالها تشكيل “أوراسيا” قبل أن تبدأ روسيا بالتفكك السريع.

وقال إن تفكك الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا عام 1961 وتوحيد فيتنام عام1975 وألمانيا في 1871 و 1990 تركت تداعيات إستراتيجية إقليمية. وكان الاتحاد السوفييتي يشكل نسبة 15% من مساحة العالم قبل أن يتفكك ويقود إلى خلق 15 دولة وتغييرات عدة على مستويات قارية. وتحولت عملية استعادة الوحدة في القوقاز إلى ساحة معركة بين المصالح الروسية والتركية والإيرانية والغربية. وتداخل مجال وسط آسيا بين التأثير الروسي والصيني وتعرض لتهديد الجماعات التكفيرية.

وبحسبه لا تزال فكرة استعادة روسيا الوحدة في مناطق البلطيق وأوكرانيا ومولودفا قضية أوروبية إلى جانب قازخستان في وسط آسيا. وبالمقارنة تحتل روسيا نسبة 11% من سطح الأرض بما في ذلك معظم أوراسيا التي ستصبح منتجة مع تغيرات المناخ العالمي  وتشترك بحدود تعرضها للخطر من القوة الأوراسية الصاعدة وهي الصين الشيوعية.

وتعتبر روسيا متجانسة عرقيا ولغويا أكثر من الاتحاد السوفييتي السابق، ونسبة 75% من سكانها ينتمون إلى العرق الروسي، ولهذا فمن غير المحتمل تفككها بطريقة كارثية كما حدث مع الاتحاد السوفييتي السابق. وتمثل الشعوب التركية نسبة 9% من سكان روسيا إلى جانب 4% من البشكير وتشوفاش بنسبة 1% وتجمعات سكانية أقل. ونظرا للتنوع اللغوي والديني المتباين بينها فإن إمكانية انفصالها تظل ضعيفة.

وأكثر من هذا تتركز الشعوب التركية في منطقة جبال الأورال، في داخل روسيا الأوروبية، وليس في مناطق هامشية من السهل فصلها. وبالمقارنة، تحتوي منطقة القوقاز على تجمعات جغرافية متجانسة، 1.5 مليون من الشيشان ومليون من الأفارز وموردفينز وأربعة تجمعات أخرى يبلغ حجمها نصف مليون تقريبا. ولن تقاوم هذه النزاعات الاستقلالية في ظل نظام ليبرالي بموسكو.

وبحسب الكاتب فسيؤدي عدد السكان الأذريين في داغستان إلى  نزاع عرقي، ربما أفضى إلى غزوات من إيران وتركيا. وفي الشرق الأقصى، سيكون التجمع السكاني الروسي كافيا لمواجهة أي نزعة استقلالية. فمنطقة ساخا التي تشكل نسبة 2% من مساحة الأرض هي موزعة بالتساوي بين مليون روسي وشعب ياقوت، ونفس الأمر في بيريات. ولا تتعرض أي من هذه التجمعات لتحريض المجتمعات العرقية غير الروسية. إلا ان التحولات الثورية في الحكومة ستؤدي إلى آثار خطيرة إن لم ترفق بانتفاضات.

 يقول الكاتب إن الانقلاب الذي قامت به المخابرات السوفييتية (كي بي جي) في آب/أغسطس 1990ضد ميخائيل غورباتشوف أدى إلى سلسلة من الانهيارات غير المرئية والمتتابعة للاتحاد السوفييتي. ولو حدثت ثورة في موسكو ولم تكن حازمة سياسيا كما حدث أثناء انهيار حلف وراسو، فإن المناطق البعيدة من روسيا لن يتم الدفاع عنها. وبالتأكيد ستعلن الشيشان عن استقلالها  وتحت نفس الظروف في عام 1991.  وفي مناطق روسيا بالشرق الأقصى ذات الكثافة السكانية القليلة، 6 ملايين نسمة يعيشون في شرق إركوستك، بانخفاض نسبة 25% منذ عام 2000. ولدى الصين المحفزات التاريخية والمصادر لاستعادة المناطق الواقعة  شمال نهري أمور وأوسوري والتي تخلت عنها أثناء حكم سلالة مانشو عام 1860. وربما قاد ضعف روسيا في الشرق الأقصى إلى سلسلة متتابعة من التدخلات الصينية في منغوليا، وكذا مناطق بيريات وساخا.  وكانت هناك سابقة أوروبية بالتدخل في سيبيريا. ففي آب/أغسطس 1918  أنزلت أمريكا وبريطانيا والهند وكندا واستراليا قواتها في فلاديفوستك، وتقدم بعضها باتجاه إركوستك على طول سكة عابر سيبيريا لمواجهة التوسع الياباني هناك.

 وبحسب الباحث فسيكون التدخل في الوقت الحاضر صعبا من البحر نظرا لقربه من منطقة الحظر الجوي الصيني، ولكن هناك موانئ صغيرة يمكن الوصول إليه عبر جزيرة هوكايدو اليابانية. ولو سقطت منطقة أمور نتيجة للتوغل الصيني، فيمكن لروسيا مواصلة  المقاومة في ياكوستك عبر خط قطار إركوتسك. وتستطيع القوات الغربية تأمين جزر سخالين أو أرض في ماغدان ببحر أوخستك.

 ويمضي الكاتب قائلا: حدثت انهيارات الأنظمة الديكتاتورية في أوراسيا بشكل منتظم منذ انهيار جدار برلين في تشرين الثاني/نوفمبر 1989. وكل هذا بسبب الأثر التراكمي للانتفاضات المعادية للديكتاتورية في عدد من الدول بفترة الثمانينات من القرن الماضي. وكانت العناصر الضرورية فيها هي التغيرات الجيلية والوعي الواسع بأن الحكومات الفاسدة هي سبب الركود الاقتصادي.  ومن هنا فخوف بوتين من الجيل ما بين 19-30 عاما هو ما منعه من تجنيده في الحرب بأوكرانيا، لأنهم سيمثلون الجزء الأكبر من الجنود الذين سيشكلون القوة المضادة له. وتؤمن بيجين مثل موسكو أن الثورات الملونة هي أداة هيمنة أمريكية.

ويرى أنه لو كان الغرب واعياً للانهيار المحتوم للاتحاد السوفييتي السابق لعمل على تفككه بطريقة يمكن التحكم بها. فقد تخلى الغرب عن قمع السوفييت لحركات استقلال دول البلطيق عام 1990، مقابل دعمه في الحرب ضد صدام. لكنه دعم الحركات الاستقلالية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. وكان من الممكن عقد استفتاءات في شبه جزيرة القرم وأجزاء من أوكرانيا لمنع النزاع الروسي- الأوكراني الحالي. وكان من الأفضل الحفاظ على أرمينيا ضمن فدرالية روسية، نظرا للتحديات الأمنية الخطيرة، كما هو الحال في حكم عدد من دول وسط آسيا.

رغم ما يمثله التوسع الصيني على النظام الدولي الذي تحكمه القوانين، فمن مصلحة الغرب أن يعمل على وقف التفكك الروسي.

 ويختم الكاتب بالقول إنه رغم ما يمثله التوسع الصيني على النظام الدولي الذي تحكمه القوانين، فمن مصلحة الغرب أن يعمل على وقف التفكك الروسي. ويمكن تشجيع دول القوقاز، بناء على مبدأ  حق تقرير المصير والتضامن الديني التعاون على تشكيل كونفدرالية على شاكلة يوغسلافيا القديمة، بدلا من الدخول في نزعات عرقية، ومن مصلحة الدول الديمقراطية التأكد من عدم وقوع الشرق الأقصى الروسي  تحت سيطرة الصين، إلا في حالة أصبحت الصين نفسها ليبرالية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد المسناوي:

    الصراحة راحة. الوجه القبيح للغرب الجشع عاري من كل مواد التجميل للإديولوجية

  2. يقول ميساء:

    الغرب المنافق العنصري البغيض المتغطرس أثبت افلاسه وفشله في الضحك على العالم والشعوب المستضعفة هذي سنين وسنين ، والكرة الآن في ملعب روسيا والصين وأظن ان الانتصار سيكون حليفهما على حساب أمريكا اللعينة الخبيثة وأوروبا العنصرية المنافقة ?

  3. يقول ميساء:

    تفكك روسيا صار من الماضي السحيق و أساليب أروبا العنصرية المنافقة الخبيثة لم تعد مجدية في هذا القرن، بل أوروبا العنصرية المنافقة هي من ستتمزق على يد اليمين المتطرف الذي نمى كما تنمو الفطريات والأيام القادمة تحمل المفاجآت تلوى المفاجآت ?

  4. يقول تيسير خرما:

    سقوط روسيا بمستنقع أوكرانيا مفيد للصين فلديها فائض 3 تريليون وتستورد كل منتج روسي يحظره العالم الحر بسعر بخس وبالمقابل لدى روسيا فائض أراضي ( 17 مليون كيلومتر مربع بعدد سكان 144 مليون) وتعاني الصين من نقص أراضي (10 مليون كيلومتر مربع أي نصف مساحة روسيا بعدد سكان 1.4 مليار أي 10 أضعاف سكان روسيا) فبإمكان الصين استغلال التموضع الاستراتيجي لتوسع مساحتها بتنازل روسيا عن 7 مليون كيلومتر مربع بشرقها للصين لتكسب حليف أبدي وبغير ذلك تطبق عقوبات العالم الحر على روسيا وتستمر بمراكمة فوائض تجارية تريليونية

  5. يقول عبد الله وهراني:

    نتمنى أن تكون ساعة الفرج والانعتاق قد حانت بالنسبة للشعوب الاسلامية القابعة تحت حكم ظالم وقاهر وفاشل من طرف بوتين ودمياته هنالك.

إشترك في قائمتنا البريدية