الدافع الأساس من زيارة الرئيس بايدن القريبة إلى الشرق الأوسط هو ترميم العلاقات مع السعودية التي هبطت إلى ما دون الصفر، وبخاصة منذ دخل بايدن البيت الأبيض؛ وذلك لضمان توريد منتظم للنفط إلى الغرب وتخفيض سعره بهدف وقف الارتفاع في التضخم المالي. ولما كانت العلاقات مع السعودية ومع حاكمها الفعلي ولي العهد محمد بن سلمان لا تزال باردة في نظر أجزاء واسعة من الكونغرس، ديمقراطيين وجمهوريين على حد سواء، فقد عرض الرئيس رحلته المخطط لها أساساً كخطوة في صالح إسرائيل، وأعلن بأنها ستتضمن “لقاء كبيراً يرتبط بالأمن الإسرائيلي القومي”. وفي جواب على أسئلة، أضاف بأن لديه “خطة تتعلق بمواضيع أكبر بكثير من أسعار الطاقة”.
في المحطة الانتقالية في إسرائيل، سيلتقي بايدن رؤساء الحكومة الساقطة، وثمة افتراض بأنه، وبحكم الواقع، سيلتقي صديقه بنيامين نتنياهو. حتى لو لم نكن نعرف خطة بايدن، يمكن التخمين بأنها تتركز في خطوات لتعزيز العلاقات بين إسرائيل والعالم الإسلامي، السعودية بخاصة، وكذا في مواضيع أمنية معينة. إذا كانت المصلحة الأساس للولايات المتحدة في هذه اللحظة في مجال الطاقة، فإن أهداف السعوديين والإماراتيين أوسع وأكثر تعقيداً. فهم يتوقعون من واشنطن أن تضع حداً للميول السلبية من ناحيتهم، والتي ميزت سياسة الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة في مواضيع مثل النووي الإيراني، والحرب في اليمن، وإرهاب الحوثيين الذين ألغت الولايات المتحدة قبل وقت ما تعريفهم كمنظمة إرهاب. كما أنهم يتوقعون من الولايات المتحدة أن تستأنف توريد الصواريخ الدقيقة المضادة للصواريخ. ورفعاً للعتب تجاه الرأي العام في أمريكا، سيطرح الرئيس بايدن مع بن سلمان أيضاً موضوع حقوق الإنسان في المملكة، لكنه لن يحتل مكاناً مركزياً في المحادثات.
في السياق الأمني، تأمل الرياض والإمارات في أن تقوم أمريكا بمشاركتهما منظومة دفاع جوي إقليمي، بل وربما إطارا دائما لحماية الشرق الأوسط. في واشنطن انطلقت بالفعل تلميحات إيجابية، لكن من الواضح أن بايدن لا يمكنه التعهد بأي خطة مفصلة في هذه المرحلة دون فحص التفاصيل، سواء من ناحية عملية أم من ناحية الآثار السياسية والقانونية. لكن حتى لو تبين بأن التوقعات كانت مبالغاً فيها أو على الأقل سابقة لأوانها، فثمة إشارة من واشنطن بأنها لا تهجر الشرق الأوسط وتعترف بالهموم الأمنية لحلفائها، وهذا تطور إيجابي. ناهيك عن أنه وبمجرد قراره بالزيارة (التي يحتمل أن يكون لدنيس روس دور في تنظيمها) يعرب بايدن عن التحفظ على ميول في اليسار الأمريكي – الذي كان اثنان من ناطقيه البارزين، وهما الصحافي والكاتب بيتر باينرت، وبن رودس المستشار السابق لأوباما أعطياها تعبيراً مؤخراً – ضد سلوك أمريكا في الشرق الأوسط والتأييد لحلفائها هناك، بمن فيهم دولة إسرائيل.
وفي الموضوع الإيراني سيرغب السعوديون والإماراتيون في أن توضح الولايات المتحدة لطهران بأن السباق إلى القنبلة قد يصطدم بخطوة عسكرية أمريكية، لكنهم قد لا يتلقون جواباً ملزماً. فالريح التي تهب من الإدارة وإن كانت تشير إلى استعداد مبدئي لمساعدة دول المنطقة للدفاع عن نفسها ضد السياسة الإيرانية، لن تكون بالضرورة بالشكل والحجوم التي تريدها. ويمكن للمتهكمين الادعاء بأن الوعود الأمنية الأمريكية لدول المنطقة بالذات تستهدف تلطيف حدة معارضتها للاتفاق النووي الذي لا تزال الولايات المتحدة مصممة على دفعه قدماً.
معظم هذه المواضيع تستجيب أيضاً لمصالح إسرائيل السياسية والأمنية، وواضح للحاكم السعودي أيضاً بأن ليس التقرب لإسرائيل وحده يشكل عنصراً سياسياً مهماً بالنسبة لبايدن، بل إن لإسرائيل مساهمة مهمة في كل ما يتعلق بالاستعداد الأمني المخطط له في المنطقة. بشكل أكثر عموماً، يتطلع بن سلمان لترى فيه أمريكا الزعيم المتقدم الذي يسير في مملكته نحو العصر الحديث.
ثمة مفارقة تاريخية في حقيقة أن “اتفاقات إبراهيم” لنتنياهو وترامب والتي تعاطى رجال بايدن معها وهم في المعارضة ببعض التحفظ، أصبحت هي الأساس السياسي الملموس لكل الخطوات المخطط لها. كما أن بايدن يتبنى مبدئياً، وإن لم يكن رسمياً، نهج نتنياهو وترامب بأن تطبيع العلاقات مع العالم العربي سيسبق التسوية مع الفلسطينيين، وإن كان دون ترك حل الدولتين. لا مجال لأن نتوقع من السعودية والتي هي لبان العالم الإسلامي السُني، أن تنضم إلى اتفاقات إبراهيم، لكن انخراطها فيها بحكم الأمر الواقع أمر مهم تقريباً. وفي الاتصالات التي جرت حتى الآن وفي حديث بايدن مع بن سلمان، واضح أن مواضيع أخرى ستضاف بروح نية الرئيس “لتعزيز العلاقات بين إسرائيل والدول العربية”. سيلتقي بايدن في جدة بقادة السعودية، والإمارات، والبحرين، وعمان، والكويت، وقطر، ومصر، والأردن وربما أيضاً دول عربية أخرى. إسرائيل لم تدع، بينما العراق الذي أعلن مؤخراً بأنه سيحكم على كل من تكون له علاقات مع إسرائيل بالإعدام، دُعي أيضاً. بالتوازي مع اللقاء الكبير آنف الذكر، ستعقد قمة إلكترونية بين الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات والهند.
بقلم: زلمان شوفال
معاريف 28/6/2022