القضاء ألغى كل الإجراءات السابقة التي اتخذت ضد نقابة المعلمين بمعنى الحفاظ على كيانها وتمثيلها القانوني وأيضا بمعنى فتح أبواب مقراتها المغلقة وفورا.
عمان ـ «القدس العربي»: القرار الذي اتخذته المحكمة الأردنية الأسبوع الماضي بخصوص نقابة المعلمين وبعيدا عن الحيثيات القانونية وفي جوانبه السياسية والوطنية يحسب بكل حال لصالح الجهاز القضائي وسلطته. ويحسب ثانيا لمجموعة مشروع تحديث المنظومة السياسية في البلاد، والتي بذلت بصورة مرجحة جهدا كبيرا خارج الكواليس اطلعت «القدس العربي» مباشرة ومبكرا على بعض حيثياته.
القرار على نحو أو آخر ينهي أزمة بمعالجة وطنية بامتياز ما لم تعقبه قرارات إدارية وأخرى بيروقرطية تنصف معلمين تعرضوا للتعسف الإداري وهو ما يدعو إليه عضو مجلس النواب والمعلم سابقا ينال فريحات. وما لم تظهر قيادة النقابة قدرا من المرونة في الترحيب بالقرار والامتثال له وإظهار أولوية وقيمة مهمة للجميع قوامها احترام ما يقرره القضاء.
بكل حال أهم ما في جزئيتي قرار المحكمة الأردنية المختصة بالتمييز هو انه يعالج قانونيا أزمة ملتبسة وتعقدت خلافا لانه يسمح الآن للحكومة والسلطة السياسية باظهار حسن النوايا وتوفير مناخ وطني يسمح ولأول مرة منذ خمس سنوات بمعالجة أزمة مفتعلة واستنسخت وتراكمت برسم الاستعصاء السياسي.
طبعا توفير هذا المناخ ليس مهمة القضاء، ولا مهمة النقابة التي كانت ضحية لسياسات التعثر والهندسة، بل هي مهمة الحكومة الآن بعد ما سمح لها وهذا ما يعلمه كبار المسؤولين السياسيين باختراق ومبادرة من جهة مجموعة تحديث المنظومة بتوفير المناخ المطلوب، حيث كان عضو لجنة التحديث الدكتور عامر سبايلة قد تحدث مبكرا أمام «القدس العربي» عن أزمة المعلمين التي تراكمت وأنتجت حزمة تعقيدات وأزمات على التوالي.
ليس سرا في السياق ان نضج القرارات القضائية هنا قد نتج عن تفاهمات مفترضة خلف الستارة حصلت أو برزت في مربع نقاط التماس بين الحكومة والمنظومة.
وليس سرا ان كلا من رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة ورئيس لجنة المنظومة الملكية كانا في موقع الحماس لتوفير ملاذ يسمح باحتواء أزمة نقابة المعلمين.
سمعت «القدس العربي» الخصاونة في لهجة متابينة عن أسلافه في ملف النقابة والمعلمين وبعبارات ومفردات توحي بان الحكومة تتجاوب مع أي مشروع احتواء في سياق عام وعلى أساس ان شريحة المعلمين محترمة ومقدرة من جهة الحكومة وحتى احتياجاتها ينبغي التعامل معها بالتزام.
عمليا ورثت حكومة الخصاونة أزمة النقابة لكنها لا ترغب بالاحتفاظ بها وقرار القضاء الجديد يساهم باستقلالية في ذلك خصوصا وان محكمة التمييز قررت «شرعية النقابة» قانونيا والحفاظ عليها وألغت الإجراءات ضدها، كما قررت إزالة الصفة الشرعية عن مجلسها مما يعني انتخابات وصفحة جديدة.
على الجبهة الموازية كان الرفاعي يسأل علنا وبحضور نخبة من كبار المثقفين وأكاديميين عن المقاربة العملية التي تدفع باتجاه قيام المعلمين بواجباتهم في دعم معالجات تخدم تحديث المنظومة مستقبلا فيما نقابتهم مغلقة الأبواب.
وأغلب التقدير في الخلاصة ان حماس الخصاونة واستفسار الرفاعي قدما مساهمة إيجابية وفعالة في إدارة نقاش على مستوى مجلس السياسات في الدولة لها صلة بمحاولة النزول عن شجرة أزمة نقابة المعلمين حيث الالتزام القضائي بالعدالة والقانون وبالمصالح الوطنية العليا يوفر الآن وبقرار ثلاثي الحبل أو السلم المناسب لكي تنزل عن شجرة الأزمة كل الأطراف المشتبكة.
والقضاء هنا ألغى كل الإجراءات السابقة التي اتخذت ضد نقابة المعلمين بمعنى الحفاظ على كيانها وتمثيلها القانوني وأيضا بمعنى فتح أبواب مقراتها المغلقة وفورا.
وحافظ الجزء الثاني على الكيان الموضوعي للنقابة.
وفي الجزء الثالث حل مجلس النقابة القائم والموافقة على قرار سابق بحل المجلس ثم تخفيض عقوبة السجن من عام إلى ثلاثة أشهر الأمر الذي يعني ببساطة إقصاء المجموعة التي كانت ضمن قيادة النقابة في صناعة الأزمة وبنفس الوقت تجميد احتمالات السجن لاحقا بحساب مدة التوقيف ضمن العقوبة.
تلك باختصار مقاربة تسوية بحكم القانون تبدو عادلة وتقصي طرف الأزمة في النقابة كما تلغي قرارات تعسفية للسلطات ضد النقابة صدرت في الماضي، وهي تسوية تسمح بنزول الجميع عن الشجرة إذا رغبت الأطراف المعنية، لأن الرفاعي والخصاونة ومعهما كل الأردنيين يرغبون بشدة الآن بمشاهدة معلم الصفوف الابتدائية يدخل إلى الصف المدرسي بارتياح ويساهم في تغذية ثقافة التعددية الحزبية لصالح تحديث المنظومة.
إنجاز ذلك تطلب بوضوح قرارات قضائية حاسمة ونقابة مفتوحة الأبواب، بالقدر ذاته قد يتطلب لاحقا عدم مشاهدة معلمين في الشارع في مواجهة هراوات الدرك.