الأردن ومشكلات «الغاز السياسي»: من «مستشفى السلط» إلى «ميناء العقبة»: تحديات خطرة تواجه «المنظومة الإدارية»

بسام البدارين
حجم الخط
1

عمان – «القدس العربي» : واحدة من الإشكالات الأساسية في الحلقة السياسية حصرياً التي تنتج عن إسقاط مبدأ المسؤولية الأدبية والسياسية في حالة تسمم العقبة الأردنية، هي تلك التي تقول بأن مثل هذه الحوادث – في رأي بعض الخبراء – قابلة للتكرار رغم مرارتها وألمها، وبأن غياب أو تغييب المسؤولية السياسية والأدبية يعني قصور في نظام المراجعة والمحاسبة عندما يحصل التقصير الإداري والبيروقراطي، كما يشكل خطراً لا يمكن التعامل معه ببساطة عندما يتعلق الأمر بالأخطاء الإدارية التي بدأت تؤدي إلى مشكلات خارجة عن المألوف، وأحياناً تؤدي إلى حالات وفاة جماعية وإلى عشرات المصابين، كما حصل حصرياً بحادثة العقبة الأخيرة بعد سقوط صهريج غاز سام من الكلور وتسببه بمقتل ثلاثة عشر شخصاً وإصابة 250 آخرين، فيما كان حادث مستشفى السلط الشهير واحداً من أقسى الحوادث أيضاً قبل نحو عام وعدة أشهر بوقوع قتلى ومصابين جراء نقص الأكسجين.

«غاز سياسي»

مشكلات الغاز يبدو أنها تؤسس لمشكلات في الغاز السياسي وليس في الغازات المتعلقة بالأوكسجين أو الكلور فقط، مما يسلط الضوء على الوقائع التي تقول بأن المنظومة الإدارية في طريقها لتراجع حاد وحالة قريبة من الانهيار، وهو رأي كان قد حذر منه تقرير شهير قبل أكثر من عامين لنخبة من الباحثين والخبراء صدر باسم المجلس الاجتماعي الاقتصادي الأردني برعاية عضو مجلس الأعيان والأكاديمي البارز الدكتور مصطفى حمارنة. وهو تقرير عن حالة البلاد حذر مبكراً وضرب جرس الإنذار فيما يتعلق بتراجع الإدارة خلال الثلاثين عاماً الماضية.
من هنا من الصعب بالنسبة لمحللين معروفين، وعلى رأسهم الدكتور عامر السبايلة، القول بأن حادثة العقبة حادثة عادية جداً وينبغي أن تعبر باعتبارها خطأ يمكن أن يحصل في أي بلد، أو خطأ دائماً. فعلى المستوى الوطني، برأي السبايلة كما أبلغ «القدس العربي» مباشرة، لا بد من التوقف والتأمل وبعمق عند تكرار مثل هذه الحوادث؛ لأن عبور حادثة السلط دون تحديد المسؤوليات بشكل جدي وعميق، ولاحقاً حادثة العقبة، وثمة حادثة لها علاقة بالصوامع معروفة، كل ذلك يعني بأن المنظومة الإدارية تهترئ أكثر، وهذا اشتباك مع قضية وطنية وسياسية وليس مع مجرد حادث فقط.
وهنا بطبيعة الحال يحجم أردنيون مسيسون عن الحديث بصراحة بخصوص تلك التداعيات التي تظهر بين الحين والآخر، حيث الانطباع بالنسبة للسياسي مروان الفاعوري مثلاً، يشير إلى أن مثل هذه الحوادث طبعاً كانت تحصل في الماضي، لكن بصخب أقل، لكنها تطلق أجراس الإنذار، ولا بد من الاستدراك على المستوى السياسي الوطني فيها.
الترحيب بالاستجابة السريعة للمؤسسات السيادية والأمنية والعسكرية بعد الحادث مسألة، والاعتماد فقط على تلك الاستجابة في تحليل وتشخيص وقائع مثل هذه الحوادث التي تحصل بسبب أخطاء في الإدارة البيروقراطية لبعض مؤسسات الدولة مسألة أخرى تماماً.
وهنا تبرز المفارقة الأهم، فالإصرار على الإشادة بالاستجابة السريعة لما بعد الحادث ينبغي ألا تعمي العينين لأي مراقب أو خبير عن الحادث نفسه، أو عما حدث قبل الحادث وأدى إلى وقوعه، خصوصاً أن بعض تلك الحوادث بدأت تخطف حياة الأردنيين الأبرياء والبسطاء من عمال لقمة العيش أو من الذين لا صلة لهم بالأخطاء البيروقراطية.
في كل حال، غياب المسؤولية السياسية والأدبية عن وجبة التحقيقات الأولى التي أشرفت عليها الحكومة، علامة فارقة وينبغي -كما صرح الناشط النقابي ميسرة ملص- ألا يقبل بها الجميع، وعلى أساس أنها غير موجودة؛ فثمة مسؤولية سيادية يعتقد في حالة حادثة العقبة الأخيرة أن لها علاقة برئاسة سلطة مدينة إقليم العقبة الخاصة.
وثمة حالة ميدانية بيروقراطية خضعت للتحقيق والمتابعة، خصوصاً أن قرارات الحكومة تضمنت إحالة مديرين للموانئ والهيئة البحرية إلى إنهاء عقديهما، فيما لم يظهر أي مؤشر على تطبيق مبدأ المسؤولية السياسية والسيادية على كبار المسؤولين. وهو ما أشار له عملياً وبطريقة لافتة جداً للنظر نائب رئيس الوزراء الأسبق وعضو مجلس الأعيان ورئيس اللجنة المختصة في المجلس جمال الصرايرة، عندما أعلن أن لجنة التحقيق التي تشكلت في حادث التسمم بالغاز بالعقبة كان ينبغي ألا تضم ممثلي مجلس هيئة سلطة العقبة الخاصة باعتبارهم الطرف المسؤول عن الجهات التي تخضع لذلك التحقيق.
الصرايرة، وهو وزير لعدة مرات ومخضرم وله علاقة بالقطاعات الإنتاجية، سجل وجهة نظر غريبة إلى حد ما عن السياق البيروقراطي والرسمي العام عندما تحدث عن ضرورة تشكيل لجنة تحقيق مستقلة، بمعنى عدم جواز وجود ممثلين للسلطة التي تشرف على مؤسسة الموانئ في لجان التحقيق. وتلك ملاحظة ينبغي الحذر منها والانتباه لها جيداً، خصوصاً عندما تصدر عن عضو بارز في مجلس الأعيان. وعليه، ثمة حديث عن مؤسسات دستورية ورسمية بالبلاد لا تعجبها الآلية التي استعملت في تشكيل وتركيب لجنة التحقيق، مما أدى ضمنياً وعملياً إلى إسقاط خيار المسؤولية الأدبية والسياسية.
وهي ملاحظة تنبه لها الجميع، مع أن وزير الداخلية الذي ترأس لجنة التحقيق، مازن الفراية، اعتبر بصورة علنية بأن سلطة مدينة العقبة الخاصة لا علاقة لها بمؤسسة الموانئ، وهو أمر يحتاج إلى النقاش في الواقع، فالعلاقة إدارية وقانونية وسياسية وسيادية بحكم الوقائع.
وثمة من قال على منصات التواصل الاجتماعي بأن رئيس مجلس إدارة الشركة التي تدير الموانئ هو نفسه رئيس سلطة العقبة. ومن ثم، فإن حدود المسؤولية القانونية والجنائية والبيروقراطية من المفهوم أن تنتهي عند نقاط تماس والتماس محددة، لكن من غير المفهوم بعد الأضرار التي يمكن أن تنتج عن إسقاط مبدأ المسؤولية الأدبية.

تحذير السبايلة

وهنا مجدداً يحذر السبايلة من أن مثل هذه الحوادث قابلة للتكرار في غياب الروح الوطنية وغياب مبدأ المسؤولية والمتابعة، ويخشى الجميع من أن تبدأ المعاناة الإدارية بهذا المعنى على أساس أن الإدارة في حالة انهيار أو تقترب من الانهيار.
وقد تكون تلك مبالغة في التشخيص والتحليل، لكنها على الأقل تمثل وجهة نظر عميقة موجودة بقوة على الطاولة اليوم، بعدما لم تقدم الحكومة شرحاً للجزئية الأهم بعد تحقيقاتها الأولية وقبل إحالة ملف حادثة التسمم إلى النيابة، وهو الجزء المتعلق بلماذا غياب المسؤولية السياسية والأدبية، ولماذا لم يتم التعامل بجدية أكثر مع وقوع مثل هذا الحادث الدرامي الذي أدى إلى خسائر معنوية ومالية كبيرة إلى حد ما، وفي ظرف حساس جداً؟

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ابو يونس:

    دكتور بسام ، كل التقدير والاحترام ماذا تنتظر من بلدٍ أسس نظامه على العشيرة والقبيلة و المحسوبية؟

إشترك في قائمتنا البريدية