للوهلة الأولى وحتى بدون الحاجة للتفكير، عندما تسمع باسم صيدنايا عبر وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي، فسيذهب العقل مباشرة إلى تحليل معاني صيدنايا إلى مفردات يعرفها كل سوري وقد عانى منها الآلاف، وهي التعذيب، والسجن، ومعتقل، ومخابرات النظام، وغيرها من المصطلحات التي خلدها الحاكم في سوريا في عقول الناس طيلة عقود، وكان أشدها إيلاما ابتداء من ربيع عام 2011.
لكن صيدنايا، ليست أرض التعذيب كما أراد الترويج لها النظام، بل أن صيدنايا كنز ثمين عريق لقرون وقرون خلت وسيخلدها التاريخ الآتي أيضا، فهي تعتبر من مدن الشرق وصرحا من صروح العالم المسيحي، لما تمتلك من أديرة ومقدسات مسيحية بالغة الشهرة على الصعيدين العالمي والتاريخي وحتى المعاصر أيضا.
حتى أن بعض المصادر ربط ما بين دير سيدة صيدنايا الذي يأتي في المرتبة الثانية بعد كنيسة القيامة بالنسبة للمسيحيين حول العالم وبين السيدة مريم العذراء، وقال إن دير صيدنايا قد تم بناؤه بأمر من السيدة مريم العذراء.
لكن العقود الأخيرة في سوريا، حملت في جعبتها تغييرات كبرى بما يخص صيدنايا، إذ بات يرتبط اسمها بالسجن المتاخم لها، والذي عندما يأتي الحديث عنه، تُقال الجملة الشهيرة في سوريا «الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود» فغابت ملامح كنوز التاريخ لصيدنايا بين مخططات النظام السوري الأب والابن وبين عبق التاريخ والمقدسات الذي يفوح من صيدنايا ورمزيتها لدى المسيحيين حول العالم.
تسمية المدينة آرامية
تقع مدينة صيدنايا في ريف دمشق على ارتفاع 1450 مترا من على سطح البحر وتبعد مسافة تقدر بـ 30 كم شمال غرب العاصمة دمشق، ضمن سلسلة جبال القلمون.
فيما يجاورها من الجنوب معرة صيدنايا، ومن جهة الغرب تلفيتا ومنين، ورنكوس من الشمال الشرقي، وقرية بدّا من الجنوب الشرقي، وعكوبر من الشرق، وتمتد سهولها شمالاً حتى سلسلة جبال لبنان الشرقية، وتبعد عن الحدود اللبنانية السورية (البقاع- بلدتي حام ومعربون) حوالي 40 كم.
رغم تعدد الروايات حول مرجعية اسم صيدنايا، إلا أن الأرجح في تسمية المدينة ذات اللفظ الآرامي مرده حملها معنى صيد الغزالة وأصلها آرامي، هو ما تشير إليه لوحة فنية كبيرة مثبتة فوق مقام الشاغورة فيها، حتى حملت المدينة صورة الغزال شعارا ورمزا لها، والشاغورة هي الأيقونة المقدسة التي يعتقد بأنها جلبت من القدس.
في حين فسّر اسم صيدنايا بطرائق متعدّدة حسب تقرير نشرته بطريركية أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذوكس، وقد حمل أكثر من معنى. بحسب التراث المحلّيّ صيدنايا هو مكان استراحة الغزال. كما يُظنّ أنّه يعني السيّدة الجديدة بما أن كلمة نايا باليونانية هي جديد والجزء الآخر من الكلمة هو سيّدة بالعربيّة.
لكنّ لفظ صيد مرتبط بشكل عامّ بمعنى الاصطياد ونايا باللغة السريانيّة لاحقة شائعة خاصّة بالمكان. لذلك فعلى الأرجح أنّ اسم صيدنايا هو مكان الصيد.
في الواقع، كان ثمّة معبد للإله صيدون، إله الصيد الفينيقيّ، ينتصب في ذلك المكان الذي كان في الماضي السحيق غنيًّا بالغابات. ولكن بفعل التأثيرين المسيحيّ والعربيّ اللاحقين، ربّما شاع أنّ الاسم يعني مكان السيّدة.
فيما تشير الإحصائيات التقريبية إلى بلوغ تعداد سكان صيدنايا 15 ألف نسمة، جلهم يدين بالديانة المسيحية وينحدرون من طوائف متعددة «كاثوليك، وأرثوذوكس، والسريان والإنجيليين» كما يتواجد فيها 21 ديرا و40 كنيسة في الإجمالي.
تتميز صيدنايا بعدة مزايا ملفتة في صيفها والشتاء، كما أن مواقعها الدينية المسيحية الأثرية جعلتها قبلة للزائرين من حول العالم، فهي تشتهر كذلك بإنتاج العنب والتين والعديد من الأشجار المثمرة.
كما يوجد فيها العديد من الفنادق الفاخرة والمتنزهات التي يتوافد إليها الزوار من أرجاء الوطن العربي ودول العالم لزيارة المقدسات الدينية المسيحية.
وفي عام 2013 تم رفع أكبر تمثال للسيد المسيح في الشرق الأوسط على قمة جبل الشيروبيم في المدينة على ارتفاع 12.3 متر.
السجن العسكري
إلى الغرب من صيدنايا، لدى النظام سجن عسكري سيء السمعة إلى حد كبير، يضم بين جدرانه عشرات الآلاف من السوريين المعتقلين، ويقع على مشارف شمال دمشق على مسافة 30 كلم، ولكن النظام ربطه بصيدنايا، ما جعل كل من يسمع باسم المدينة سيشاهد الرعب والترهيب في أعنف معانيه.
ففي كل أسبوع، ووفق منظمة العفو الدولية يتم اقتياد 20 إلى 50 شخصٍا من زنزاناتهم في سجن صيدنايا من أجل شنقهم في منتصف الليل.
حوالي 13 ألف شخص قتلوا في سجن صيدنايا منذ عام 2011 بسرية تامة. وقتل آخرون فيه بعد أن تعرضوا للتعذيب بشكل مستمر ومنهجي، وحُرموا من الطعام والماء والأدوية والرعاية الطبية.
تحمّل جثث القتلى في صيدنايا في شاحنات نقل وتدفن في مقابر جماعية، ومن غير المعقول أن تطبّق هذه الممارسات على نطاق واسع وبشكل منهجي من دون الحصول على إذن من أعلى المستويات في الحكومة السورية، حتى أن المنظمة الدولية تصف السجن بالقول: «سجن صيدنايا هو المكان الذي تذبح الحكومة السورية شعبها فيه».
منارات عظيمة
في صيدنايا العديد من المواقع التاريخية والدينية التي تحظى باهتمام عالمي واسع، لعل أهمها: دير السيدة، ودير الشيروبيم، ودير القديس توما الرسول، ودير القديس جاورجيوس، بالإضافة إلى كنيسة آجيا صوفيا، وكنيسة القديس بطرس، وكنيسة القديس يوحنا، ودير التجلّي، ومقام القديسة تقلا، ومقام القديس خريستوفورس، وكنيسة التجلّي، وكنيسة القديسة وبربارة، ومقام القديس نيقولاوس، ومقام القديس أندراوس، وكنيسة القديس جاورجيوس، ومقام القديس موسى، ومقام القديس سمعان.
كما لا يمكن الحديث عن المدينة بمعزل عن دير سيدة صيدنايا، الذي يعود تاريخه وفق وزارة السياحة السورية إلى القرن السادس، بناه الإمبراطور يوستينانوس تنفيذاً لوصية السيدة العذراء ووفقاً لتصميمها الذي وضعته له على الأرض.
في الدير مقام الشاغورة المشهور وهو المكان الذي تولت فيه الغزالة إلى السيدة العذراء، وطلبت من مطاردها الإمبراطور أن يبني لها الدير، وفيه كنيسة جددت بعد فتنة 1860 وقام بهندستها مهندس المريمية بدمشق، بحسب ذات المصدر.
دير سيدة صيدنايا يحوز على مرتبة بالغة الأهمية في العالم المسيحي، ويعد واحدا من أعرق مؤسسات الرهبنة الأرثوذوكسية حيث تتواصل حياة الراهبات فيه من دون أي انقطاع منذ القرن الميلادي الخامس.
يقول التقليد وفق ويكيبيديا أن الدير شيده الإمبراطور البيزنطي جستينيان الأول عام 547 بعد رؤيتين لمريم، أشارت إحداهما إلى الموقع المقصود للكنيسة.
بينما حددت الأخرى تصميمها، كرس جستينيان المشروع النهائي في ميلاد مريم العذراء، ويُعاد ذلك سنويًا في 8 ايلول/سبتمبر، يصل الحجاج المسيحيون والمسلمون لاحقًا إلى الدير لتكريم سيدة صيدنايا.
بطريركية أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذوكس تقول في تقرير لها: منذ العصور الوسطى، ارتدت الراهبات ثوبًا من الصوف والقطن يُربط عند الخصر بحزام جلديّ عريض. ولكلّ راهبة صومعتها التي تقيم فيها طوال مدّة إقامتها في الدير وهي مسؤولة عن تأثيثها وصيانتها والاعتناء بها. وعادةً يلحق بها مطبخ صغير وحمام.
تؤدّي الراهبات صلاة الصباح والمساء عندما يُقرع جرس كنيسة السيّدة، وخلال فترات الصوم تؤدّى هذه الصلوات أربع مرّات في اليوم. في العادة، تتناول الراهبات طعامهنّ مجتمعات، ولكنّ بعضهنّ يفضّلن تناول طعامهنّ منفردات فيتمّ تقديمه لهنّ في صوامعهن. خلال النهار تؤدّي الراهبات واجباتهنّ الدينيّة ويقمن بالأعمال المختلفة؛ فلكلّ منهنّ وظيفتها كالحياكة والتطريز وصناعة الأدوات والتذكارات الصغيرة المخصّصة للبيع.
لكنّ عملهن يتركز خلال اليوم حول ترميم الأيقونات وهو حقل متنام باستمرار. بالإضافة إلى ذلك ثمّة خمس راهبات متخصّصات بخياطة الثياب الكهنوتيّة. أمّا الراهبات الأخريات فيتولّين الاهتمام بالحجّاج والزوّار الكثر، فيستقبل الدير في الصيف وأيام الأعياد ما يقارب ثلاثمئة وخمسين شخصاً، وفق ذات المرجع.
أيقونة عالمية
مصادر مطلعة وخاصة من المنطقة قالت لـ «القدس العربي»: يعتبر دير سيدة صيدنايا من أهم معالمها التاريخية والدينية، وهو يتبع تاريخيا وما يزال لبطركية الروم الأرثوذوكس، وزاره تقريبا كافة الرؤساء الأجانب الذين جاءوا إلى سوريا مع رؤساء سوريا من شكري القوتلي لأمين الحافظ للأسدين حافظ وبشار.
دير سيدة صيدنايا وهو الأشهر على الإطلاق كونه يحوي أيقونة مقدسة للسيدة العذراء مريم رسمها القديس لوقا أحد كتبة الأنجيل، يعتبر ثاني أقدس مكان بالعالم بعد كنيسة القيامة بفلسطين وكثيرين يحجون إليه خاصة بعد 1948.
وكل طوائف صيدنايا متعايشة وتشارك بالأفراح والأتراح وليس هناك تمييز يذكر بينها ومع جوارها من المسلمين السنة كقرى رنكوس وبدا وحفير الفوقا وتلفيتا وعين منين والتل.
أهم إنجازات آل الأسد
قال المصدر الذي فضل حجب اسمه: إن النظام السوري عاث في صيدنايا بمخططات مدمرة على المستويين المتوسط والبعيد، ففي عهد حافظ الأسد، أقدم رفعت الأسد شقيق حافظ على تعفيش سرقة دير الشيروبيم على مرحلتين عام 1980 ومن تلك السرقات، سرقة جرس أثري عام 1981.
كما تمت سرقة ستة خيالة لأله الحرب بالحجم الطبيعي من الذهب الخالص أحدها يمتطيها إله الحرب عند الرومان ويحمل خوذته ولا يقدر هذا الكنز بثمن.
ووفق ذات المصدر، ففي عام 1983 أمر حافظ الأسد ببناء سجن بالقرب من صيدنايا بأرض منين وسماه الأسد الأب سجن صيدنايا علما ان 95 في المئة من أراضيه تتبع إداريا لقرية عين منين وتم تسميته بسجن صيدنايا لغاية وأهداف خبيثة لعل أهمها تلويث رمز القداسة بمسلخ بشري فيه جرائم تندى لها جبين الإنسانية.
بيع أخصب وديان صيدنايا
قال مصدر خاص لـ «القدس العربي»: لقد تمت عملية بيع إحدى أغلى وأخصب وديان صيدنايا والمعروف بوادي الصيادنة إلى الإمارات العربية المتحدة.
وأضاف المصدر الذي فضل حجب اسمه لضرورات خاصة: وادي الصيادنة الذي تم بيعه يعد بآلاف الدونمات، حيث أقدمت الإمارات على تحويله إلى محمية طيور لتربية الصقور، وبعض الشخصيات أقدمت على سرقة ملايين الدولارات من العملية مقابل سرقة أراضي الدولة وبيعها للخارج. وفي بداية الثورة السورية تم تشكيل مجموعة من متعاطي المخدرات والمجرمين باسم عصابة الحوت مهمتها تهديد أي شخص يفكر بدعم الثورة مقابل إطلاق يدهم بالتعفيش وحرق السيارات للمهجرين خاصة أهالي دوما ريف دمشق الذين لجأوا إلى صيدنايا بداية الثورة وحرقوا سياراتهم وعفشوا بيوتهم وتعدوا على أعراضهم وعلى كل جوار صيدنايا وحتى بعض أهالي صيدنايا، بدعم من المخابرات الجوية التابعة للنظام السوري، كما نوه المصدر إلى عدم حدوث أي عملية عسكرية في صيدنايا.
طمس الهوية
الباحث رشيد حوراني يقول لـ «القدس العربي»: لصيدنايا تاريخ موغل في القدم وآثار الحضارات فيها، وأحد الحواضن العديدة التي تضم أماكن وأديرة مقدسة لدى المسيحيين، والنظام السوري عمل بشكل عام على طمس الهوية الوطنية وأبرز الحضارات والديانات التي تعاقبت على مدن وبلدات سورية، وذلك بهدف الدعاية والترويج لهوية النظام التي تتلخص ما قبل الثورة بسوريا الأسد، وما بعد الثورة بـ «الأسد أو نحرق البلد».
وصيدنايا لم تكن استثناء ليسمح النظام لأهلها أو مرجعياتها الدينية والحضارية بالعمل على إبرازها وتعريف العالم بكنوزها.
بل عمل على توظيف موقعها الجغرافي الوعر لإخفاء ما يمارسه من جرائم في واحد من أبشع المعتقلات على المستوى العالمي، التي أسسها نظام الأسد خلال فترة حكمه.
وارتبط العقل الجمعي السوري نتيجة مرور الأيام والسنين بما يتم تناقله على قلته من صور وأساليب للتعذيب فيها، من دون التعريج على تاريخها الذي ينضح بالتسامح والتعايش، وربما ساعده في ذلك خوف المرجعيات الدينية المسيحية وعدم تحركهم لإبراز هويتها، والقبضة الأمنية التي منعت كل أشكال العمل الثقافي والتنويري بحجة إثارة النعرات الطائفية.
وما زاد الطين بلة وفق المتحدت، أن النظام خلال الثورة عمل على نشر الأسلحة الثقيلة في بعض الأديرة والكنائس فيها، وراح يرمي منها المناطق الثائرة المختلفة دينيا مع القرى المحيطة بها، ليشعل أوار الحرب الطائفية، أو يعمل على تخويف المسيحيين فيها، بالايهام بأن الثوار هم إسلاميون متطرفون يريدون قتلكم، وبذلك يكون النظام قد ظلم المدينة وشوه صورتها مرتين.
اقتباسات
تسمية المدينة آرامية تحمل معنى صيد الغزالة
الشاغورة هي الأيقونة المقدسة التي يعتقد بأنها جلبت من القدس
دير سيدة صيدنايا يعد واحدا من أعرق مؤسسات الرهبنة الأرثوذوكسية
حافظ الأسد جعل من جنة المسيحيين في صيدنايا مسلخا للسوريين ورفعت سرق آثارها
صيدنايا السورية منارة دينية وتاريخية تمتد إلى السيدة العذراء
حسام محمد
للوهلة الأولى وحتى بدون الحاجة للتفكير، عندما تسمع باسم صيدنايا عبر وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي، فسيذهب العقل مباشرة إلى تحليل معاني صيدنايا إلى مفردات يعرفها كل سوري وقد عانى منها الآلاف، وهي التعذيب، والسجن، ومعتقل، ومخابرات النظام، وغيرها من المصطلحات التي خلدها الحاكم في سوريا في عقول الناس طيلة عقود، وكان أشدها إيلاما ابتداء من ربيع عام 2011.
لكن صيدنايا، ليست أرض التعذيب كما أراد الترويج لها النظام، بل أن صيدنايا كنز ثمين عريق لقرون وقرون خلت وسيخلدها التاريخ الآتي أيضا، فهي تعتبر من مدن الشرق وصرحا من صروح العالم المسيحي، لما تمتلك من أديرة ومقدسات مسيحية بالغة الشهرة على الصعيدين العالمي والتاريخي وحتى المعاصر أيضا.
حتى أن بعض المصادر ربط ما بين دير سيدة صيدنايا الذي يأتي في المرتبة الثانية بعد كنيسة القيامة بالنسبة للمسيحيين حول العالم وبين السيدة مريم العذراء، وقال إن دير صيدنايا قد تم بناؤه بأمر من السيدة مريم العذراء.
لكن العقود الأخيرة في سوريا، حملت في جعبتها تغييرات كبرى بما يخص صيدنايا، إذ بات يرتبط اسمها بالسجن المتاخم لها، والذي عندما يأتي الحديث عنه، تُقال الجملة الشهيرة في سوريا «الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود» فغابت ملامح كنوز التاريخ لصيدنايا بين مخططات النظام السوري الأب والابن وبين عبق التاريخ والمقدسات الذي يفوح من صيدنايا ورمزيتها لدى المسيحيين حول العالم.
تسمية المدينة آرامية
تقع مدينة صيدنايا في ريف دمشق على ارتفاع 1450 مترا من على سطح البحر وتبعد مسافة تقدر بـ 30 كم شمال غرب العاصمة دمشق، ضمن سلسلة جبال القلمون.
فيما يجاورها من الجنوب معرة صيدنايا، ومن جهة الغرب تلفيتا ومنين، ورنكوس من الشمال الشرقي، وقرية بدّا من الجنوب الشرقي، وعكوبر من الشرق، وتمتد سهولها شمالاً حتى سلسلة جبال لبنان الشرقية، وتبعد عن الحدود اللبنانية السورية (البقاع- بلدتي حام ومعربون) حوالي 40 كم.
رغم تعدد الروايات حول مرجعية اسم صيدنايا، إلا أن الأرجح في تسمية المدينة ذات اللفظ الآرامي مرده حملها معنى صيد الغزالة وأصلها آرامي، هو ما تشير إليه لوحة فنية كبيرة مثبتة فوق مقام الشاغورة فيها، حتى حملت المدينة صورة الغزال شعارا ورمزا لها، والشاغورة هي الأيقونة المقدسة التي يعتقد بأنها جلبت من القدس.
في حين فسّر اسم صيدنايا بطرائق متعدّدة حسب تقرير نشرته بطريركية أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذوكس، وقد حمل أكثر من معنى. بحسب التراث المحلّيّ صيدنايا هو مكان استراحة الغزال. كما يُظنّ أنّه يعني السيّدة الجديدة بما أن كلمة نايا باليونانية هي جديد والجزء الآخر من الكلمة هو سيّدة بالعربيّة.
لكنّ لفظ صيد مرتبط بشكل عامّ بمعنى الاصطياد ونايا باللغة السريانيّة لاحقة شائعة خاصّة بالمكان. لذلك فعلى الأرجح أنّ اسم صيدنايا هو مكان الصيد.
في الواقع، كان ثمّة معبد للإله صيدون، إله الصيد الفينيقيّ، ينتصب في ذلك المكان الذي كان في الماضي السحيق غنيًّا بالغابات. ولكن بفعل التأثيرين المسيحيّ والعربيّ اللاحقين، ربّما شاع أنّ الاسم يعني مكان السيّدة.
فيما تشير الإحصائيات التقريبية إلى بلوغ تعداد سكان صيدنايا 15 ألف نسمة، جلهم يدين بالديانة المسيحية وينحدرون من طوائف متعددة «كاثوليك، وأرثوذوكس، والسريان والإنجيليين» كما يتواجد فيها 21 ديرا و40 كنيسة في الإجمالي.
تتميز صيدنايا بعدة مزايا ملفتة في صيفها والشتاء، كما أن مواقعها الدينية المسيحية الأثرية جعلتها قبلة للزائرين من حول العالم، فهي تشتهر كذلك بإنتاج العنب والتين والعديد من الأشجار المثمرة.
كما يوجد فيها العديد من الفنادق الفاخرة والمتنزهات التي يتوافد إليها الزوار من أرجاء الوطن العربي ودول العالم لزيارة المقدسات الدينية المسيحية.
وفي عام 2013 تم رفع أكبر تمثال للسيد المسيح في الشرق الأوسط على قمة جبل الشيروبيم في المدينة على ارتفاع 12.3 متر.
السجن العسكري
إلى الغرب من صيدنايا، لدى النظام سجن عسكري سيء السمعة إلى حد كبير، يضم بين جدرانه عشرات الآلاف من السوريين المعتقلين، ويقع على مشارف شمال دمشق على مسافة 30 كلم، ولكن النظام ربطه بصيدنايا، ما جعل كل من يسمع باسم المدينة سيشاهد الرعب والترهيب في أعنف معانيه.
ففي كل أسبوع، ووفق منظمة العفو الدولية يتم اقتياد 20 إلى 50 شخصٍا من زنزاناتهم في سجن صيدنايا من أجل شنقهم في منتصف الليل.
حوالي 13 ألف شخص قتلوا في سجن صيدنايا منذ عام 2011 بسرية تامة. وقتل آخرون فيه بعد أن تعرضوا للتعذيب بشكل مستمر ومنهجي، وحُرموا من الطعام والماء والأدوية والرعاية الطبية.
تحمّل جثث القتلى في صيدنايا في شاحنات نقل وتدفن في مقابر جماعية، ومن غير المعقول أن تطبّق هذه الممارسات على نطاق واسع وبشكل منهجي من دون الحصول على إذن من أعلى المستويات في الحكومة السورية، حتى أن المنظمة الدولية تصف السجن بالقول: «سجن صيدنايا هو المكان الذي تذبح الحكومة السورية شعبها فيه».
منارات عظيمة
في صيدنايا العديد من المواقع التاريخية والدينية التي تحظى باهتمام عالمي واسع، لعل أهمها: دير السيدة، ودير الشيروبيم، ودير القديس توما الرسول، ودير القديس جاورجيوس، بالإضافة إلى كنيسة آجيا صوفيا، وكنيسة القديس بطرس، وكنيسة القديس يوحنا، ودير التجلّي، ومقام القديسة تقلا، ومقام القديس خريستوفورس، وكنيسة التجلّي، وكنيسة القديسة وبربارة، ومقام القديس نيقولاوس، ومقام القديس أندراوس، وكنيسة القديس جاورجيوس، ومقام القديس موسى، ومقام القديس سمعان.
كما لا يمكن الحديث عن المدينة بمعزل عن دير سيدة صيدنايا، الذي يعود تاريخه وفق وزارة السياحة السورية إلى القرن السادس، بناه الإمبراطور يوستينانوس تنفيذاً لوصية السيدة العذراء ووفقاً لتصميمها الذي وضعته له على الأرض.
في الدير مقام الشاغورة المشهور وهو المكان الذي تولت فيه الغزالة إلى السيدة العذراء، وطلبت من مطاردها الإمبراطور أن يبني لها الدير، وفيه كنيسة جددت بعد فتنة 1860 وقام بهندستها مهندس المريمية بدمشق، بحسب ذات المصدر.
دير سيدة صيدنايا يحوز على مرتبة بالغة الأهمية في العالم المسيحي، ويعد واحدا من أعرق مؤسسات الرهبنة الأرثوذوكسية حيث تتواصل حياة الراهبات فيه من دون أي انقطاع منذ القرن الميلادي الخامس.
يقول التقليد وفق ويكيبيديا أن الدير شيده الإمبراطور البيزنطي جستينيان الأول عام 547 بعد رؤيتين لمريم، أشارت إحداهما إلى الموقع المقصود للكنيسة.
بينما حددت الأخرى تصميمها، كرس جستينيان المشروع النهائي في ميلاد مريم العذراء، ويُعاد ذلك سنويًا في 8 ايلول/سبتمبر، يصل الحجاج المسيحيون والمسلمون لاحقًا إلى الدير لتكريم سيدة صيدنايا.
بطريركية أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذوكس تقول في تقرير لها: منذ العصور الوسطى، ارتدت الراهبات ثوبًا من الصوف والقطن يُربط عند الخصر بحزام جلديّ عريض. ولكلّ راهبة صومعتها التي تقيم فيها طوال مدّة إقامتها في الدير وهي مسؤولة عن تأثيثها وصيانتها والاعتناء بها. وعادةً يلحق بها مطبخ صغير وحمام.
تؤدّي الراهبات صلاة الصباح والمساء عندما يُقرع جرس كنيسة السيّدة، وخلال فترات الصوم تؤدّى هذه الصلوات أربع مرّات في اليوم. في العادة، تتناول الراهبات طعامهنّ مجتمعات، ولكنّ بعضهنّ يفضّلن تناول طعامهنّ منفردات فيتمّ تقديمه لهنّ في صوامعهن. خلال النهار تؤدّي الراهبات واجباتهنّ الدينيّة ويقمن بالأعمال المختلفة؛ فلكلّ منهنّ وظيفتها كالحياكة والتطريز وصناعة الأدوات والتذكارات الصغيرة المخصّصة للبيع.
لكنّ عملهن يتركز خلال اليوم حول ترميم الأيقونات وهو حقل متنام باستمرار. بالإضافة إلى ذلك ثمّة خمس راهبات متخصّصات بخياطة الثياب الكهنوتيّة. أمّا الراهبات الأخريات فيتولّين الاهتمام بالحجّاج والزوّار الكثر، فيستقبل الدير في الصيف وأيام الأعياد ما يقارب ثلاثمئة وخمسين شخصاً، وفق ذات المرجع.
أيقونة عالمية
مصادر مطلعة وخاصة من المنطقة قالت لـ «القدس العربي»: يعتبر دير سيدة صيدنايا من أهم معالمها التاريخية والدينية، وهو يتبع تاريخيا وما يزال لبطركية الروم الأرثوذوكس، وزاره تقريبا كافة الرؤساء الأجانب الذين جاءوا إلى سوريا مع رؤساء سوريا من شكري القوتلي لأمين الحافظ للأسدين حافظ وبشار.
دير سيدة صيدنايا وهو الأشهر على الإطلاق كونه يحوي أيقونة مقدسة للسيدة العذراء مريم رسمها القديس لوقا أحد كتبة الأنجيل، يعتبر ثاني أقدس مكان بالعالم بعد كنيسة القيامة بفلسطين وكثيرين يحجون إليه خاصة بعد 1948.
وكل طوائف صيدنايا متعايشة وتشارك بالأفراح والأتراح وليس هناك تمييز يذكر بينها ومع جوارها من المسلمين السنة كقرى رنكوس وبدا وحفير الفوقا وتلفيتا وعين منين والتل.
أهم إنجازات آل الأسد
قال المصدر الذي فضل حجب اسمه: إن النظام السوري عاث في صيدنايا بمخططات مدمرة على المستويين المتوسط والبعيد، ففي عهد حافظ الأسد، أقدم رفعت الأسد شقيق حافظ على تعفيش سرقة دير الشيروبيم على مرحلتين عام 1980 ومن تلك السرقات، سرقة جرس أثري عام 1981.
كما تمت سرقة ستة خيالة لأله الحرب بالحجم الطبيعي من الذهب الخالص أحدها يمتطيها إله الحرب عند الرومان ويحمل خوذته ولا يقدر هذا الكنز بثمن.
ووفق ذات المصدر، ففي عام 1983 أمر حافظ الأسد ببناء سجن بالقرب من صيدنايا بأرض منين وسماه الأسد الأب سجن صيدنايا علما ان 95 في المئة من أراضيه تتبع إداريا لقرية عين منين وتم تسميته بسجن صيدنايا لغاية وأهداف خبيثة لعل أهمها تلويث رمز القداسة بمسلخ بشري فيه جرائم تندى لها جبين الإنسانية.
بيع أخصب وديان صيدنايا
قال مصدر خاص لـ «القدس العربي»: لقد تمت عملية بيع إحدى أغلى وأخصب وديان صيدنايا والمعروف بوادي الصيادنة إلى الإمارات العربية المتحدة.
وأضاف المصدر الذي فضل حجب اسمه لضرورات خاصة: وادي الصيادنة الذي تم بيعه يعد بآلاف الدونمات، حيث أقدمت الإمارات على تحويله إلى محمية طيور لتربية الصقور، وبعض الشخصيات أقدمت على سرقة ملايين الدولارات من العملية مقابل سرقة أراضي الدولة وبيعها للخارج. وفي بداية الثورة السورية تم تشكيل مجموعة من متعاطي المخدرات والمجرمين باسم عصابة الحوت مهمتها تهديد أي شخص يفكر بدعم الثورة مقابل إطلاق يدهم بالتعفيش وحرق السيارات للمهجرين خاصة أهالي دوما ريف دمشق الذين لجأوا إلى صيدنايا بداية الثورة وحرقوا سياراتهم وعفشوا بيوتهم وتعدوا على أعراضهم وعلى كل جوار صيدنايا وحتى بعض أهالي صيدنايا، بدعم من المخابرات الجوية التابعة للنظام السوري، كما نوه المصدر إلى عدم حدوث أي عملية عسكرية في صيدنايا.
طمس الهوية
الباحث رشيد حوراني يقول لـ «القدس العربي»: لصيدنايا تاريخ موغل في القدم وآثار الحضارات فيها، وأحد الحواضن العديدة التي تضم أماكن وأديرة مقدسة لدى المسيحيين، والنظام السوري عمل بشكل عام على طمس الهوية الوطنية وأبرز الحضارات والديانات التي تعاقبت على مدن وبلدات سورية، وذلك بهدف الدعاية والترويج لهوية النظام التي تتلخص ما قبل الثورة بسوريا الأسد، وما بعد الثورة بـ «الأسد أو نحرق البلد».
وصيدنايا لم تكن استثناء ليسمح النظام لأهلها أو مرجعياتها الدينية والحضارية بالعمل على إبرازها وتعريف العالم بكنوزها.
بل عمل على توظيف موقعها الجغرافي الوعر لإخفاء ما يمارسه من جرائم في واحد من أبشع المعتقلات على المستوى العالمي، التي أسسها نظام الأسد خلال فترة حكمه.
وارتبط العقل الجمعي السوري نتيجة مرور الأيام والسنين بما يتم تناقله على قلته من صور وأساليب للتعذيب فيها، من دون التعريج على تاريخها الذي ينضح بالتسامح والتعايش، وربما ساعده في ذلك خوف المرجعيات الدينية المسيحية وعدم تحركهم لإبراز هويتها، والقبضة الأمنية التي منعت كل أشكال العمل الثقافي والتنويري بحجة إثارة النعرات الطائفية.
وما زاد الطين بلة وفق المتحدت، أن النظام خلال الثورة عمل على نشر الأسلحة الثقيلة في بعض الأديرة والكنائس فيها، وراح يرمي منها المناطق الثائرة المختلفة دينيا مع القرى المحيطة بها، ليشعل أوار الحرب الطائفية، أو يعمل على تخويف المسيحيين فيها، بالايهام بأن الثوار هم إسلاميون متطرفون يريدون قتلكم، وبذلك يكون النظام قد ظلم المدينة وشوه صورتها مرتين.
اقتباسات
تسمية المدينة آرامية تحمل معنى صيد الغزالة
الشاغورة هي الأيقونة المقدسة التي يعتقد بأنها جلبت من القدس
دير سيدة صيدنايا يعد واحدا من أعرق مؤسسات الرهبنة الأرثوذوكسية
حافظ الأسد جعل من جنة المسيحيين في صيدنايا مسلخا للسوريين ورفعت سرق آثارها
باسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا
أنظر يا من يطلق الكلام على عواهنه، أريني أي نظام عربي مؤمن بالديموقراطية حتى تقول انت أن نظام الأسد دكتاتوري، وأن تتشدق بالكلام عن الحرية المشدودة أعنتها في ظلام النظام السوري، وحتى إن سلمنا بذلك، فلم الخوف من هذا النظام إلى هذه الدرجة؟ لماذا لا نحارب أنظمة أخرى في الوطن العربي ربما كانت أكثر دكتاتورية من النظام السوري كما تزعمون، إن القلعة الأخيرة التي تقف في وجه الكيان الصهيوني، وتقف حجر عثرة في طريق التطبيع العربي وتعبيدها إليه؛هي سوريا في هذه المرحلة الحرجة بالذات، فهي تثقل كاهل الأنظمة الرجعية التي أصبحت تتهافت تهافت الفلاسفة (على حد تعبير الغزالي في رده على ابن رشد)والتسابق على غزل حبل الود مع الكيان الصهيوني، ولهذا تتعرض سوريا وجميع قوى الحرية من فينيزويلا والسالفادور إلى الإنتفاضة الفلسطينية في الأراضي العربية المحتلة إلى المنظمات والقوى المعادية للإستعمار في العالم الحر إلى التضييق والممارسات الهادفة إلى طمس معالم نضالهم في مكافحة الإمبريالية والصهيوزية العالمية في أوطانهم والعالم.