تم بلورة اتفاق بين البنك المركزي الإيراني والبنك المركزي الروسي للتخلص من الآثار الاقتصادية المدمرة للعقوبات الأمريكية، ولم يبق إلا مصادقة القيادة العليا للبدء بتنفيذ هذا الاتفاق.
المواجهة المكشوفة بين واشنطن وطهران كانت في جوهر مباحثات الرئيس الأمريكي جو بايدن مع المسؤولين الإسرائيليين وسط إلتزام أمريكي معلن «بأمن إسرائيل وبناء هيكل إقليمي تشارك فيه تل أبيب بقوة إلى جانب عدد من الدول العربية لمواجهة إيران».
أولا: مواجهة من دون قناع
القيادة الإيرانية اتهمت الإدارة الأمريكية «أنها ترتكب خطأ بإنشاء ما يمكن تسميته بحلف ناتو إقليمي ضدها في الشرق الأوسط على غرار الخطأ الذي ارتكبته بتوسيع الناتو باتجاه روسيا وما أدى إليه من حرب في أوكرانيا».
الرد الإيراني جاء مزيجا بين الدبلوماسية السياسية والتحذيرات العسكرية. فالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي اعتبر أن عمليات التطبيع مع إسرائيل «لن يحقق لها الأمن» لكن أبرز الخطوات العملية فتتمثل في استقبالها للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في طهران يوم 19 من الشهر الجاري والدفع نحو تعاون أكبر عسكري واقتصادي.
الاتفاقيات الثنائية الروسية الإيرانية ستكون تحت المجهر، فروسيا تعتبر أنها مستهدفة من ناتو الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، بينما تعتبر إيران نفسها مستهدفة من «الهيكل الأمني الإقليمي» الذي تسعى واشنطن لتشكيله في الشرق الأوسط بمشاركة قوية لإسرائيل.
كما أن كلا من إيران وروسيا تخوضان معركة فك الحظر الاقتصادي واحتواء العقوبات الأمريكية والغربية عليهما.
ثانيا: لقاء القمة بين خامنئي بوتين
لقاء القمة بين المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو الفيصل في ما سيخرج به التعاون الإيراني الروسي، فخامنئي هو صاحب القرار الأول والقائد الأعلى للقوات المسلحة الإيرانية، وتكونت بينه وبين الرئيس بوتين ثقة مباشرة عبر لقاءاتهما السابقة، كما أن خامنئي لا يثق مطلقا بالولايات المتحدة الأمريكية ونوايا الغرب تجاه بلاده، وكان يوصي المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي بالبناء على «سوء النية الغربية» في هذا الملف حتى يثبت لهم العكس بالفعل عبر خطوات عملية لرفع الحظر والعقوبات الاقتصادية وليس الاكتفاء بالقول عبر تصريحات خالية من الضمانات.
ثالثا: واشنطن والمسيّرات الإيرانية
تفاجأ كثيرون بما أعلنه مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض الأمريكي جيك سوليفان بأن إيران «تخطط لتزويد روسيا بمئات الطائرات المُسيَرة بدون طيار تتمتع بقدرات قتالية لاستخدامها في أوكرانيا، وأن إيران تستعد لتدريب القوات الروسية على استخدامها».
صحيح أن الخارجية الإيرانية نفت صحة تلك الأنباء استنادا إلى موقفها الداعي إلى وقف الحرب في أوكرانيا، لكنها أكدت في الوقت ذاته وجود تعاون إيراني روسي «في مجال التكنولوجية العسكرية الحديثة يعود إلى ما قبل الحرب في أوكرانيا».
لكن السؤال يبقى مبررا عن سبب القلق الذي عبر عنه سوليفان من وصول المسيرات الإيرانية إلى روسيا وتأثيرها في حرب أوكرانيا وما إذا كانت تستخدم تكنولوجيا نوعية مستنسخة من مُسيرات أمريكية «شبحية» قادرة على التخفي والمناورة وتنفيذ مهمات قتالية بينها القصف والتجسس والرصد؟
إن إنعاش الذاكرة قد يكون كفيلا بالإجابة على ذلك من خلال حادثتين عسكريتين لطائرات أمريكية:
الحادثة الأولى عنوانها الاستيلاء والإنزال الإلكتروني: وقعت في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما عندما أعلن الجيش الإيراني الاستيلاء إلكترونيا على طائرة آر كيو -170 الأمريكية وإنزالها بسلام داخل الأراضي الإيرانية، وسارع الرئيس أوباما إلى الطلب من طهران إعادة الطائرة التي تستخدمها القوات الأمريكية في مهمات قتالية بينها القصف الجوي والاستطلاع والرصد والتجسس في باكستان وأفغانستان.
لم تكتف إيران برفض إعادة الطائرة بل أعلنت في شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 2016 قيام الحرس الثوري بتصنيع نسخة كاملة من الطائرة الأمريكية المتطورة آر كيو 170 اطلق عليها اسم «الصاعقة» من طراز سيمرغ، وهذا يعني أنها امتلكت كل أسرار هذا الطائر الثمين.
الحادثة الثانية عنوانها الكشف والإسقاط الصاروخي: وقعت في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في شهر حزيران/يونيو 2019 حيث أعلن المتحدث بإسم القيادة المركزية الأمريكية حينها الكابتن بيل أوربان «أن إيران أسقطت بصاروخ أرض – جو طائرة استطلاع أمريكية في الأجواء الدولية» بينما قالت إيران إنها استطاعت كشفها رغم قدراتها العالية في التخفي عن عدسات الرادار ثم «أسقطتها بعد اختراقها الأجواء الإيرانية».
وتلك الطائرة حديثة جدا وهي من طراز تريتون أم كيو -4 سي وتستطيع الطيران لمدة 24 ساعة متواصلة على ارتفاع أكثر من 10 أميال والعمل على مساحة 8200 ميل بحري.
رابعا: الالتفاف على الحظر والعقوبات الأمريكية
تم بلورة اتفاق بين البنك المركزي الإيراني والبنك المركزي الروسي للتخلص من الآثار الاقتصادية المدمرة للعقوبات الأمريكية، ولم يبق إلا مصادقة القيادة العليا للبدء بتنفيذ هذا الاتفاق الذي من شأنه رفع قيمة المبادلات التجارية السنوية من 4 مليارات دولار حاليا إلى 10 مليارات ثم إلى 20 مليار دولار. ويتركز الاتفاق حول الخطوات التالية:
-اعتماد الروبل الروسي والريال الإيراني بديلا عن اليورو الأوروبي والدولار الأمريكي.
– فتح الاعتمادات وإتمام المبادلات المصرفية من خلال ربط شبكة التبادل إلإيرانية الوطنية بنظيرتها الشبكة الوطنية الروسية للاستغناء عن نظام السويفت الأمريكي.
خامسا: التحرك الإيراني
لتعزيز العلاقة مع دول الجوار
هذا التحرك يشمل دولا عربية وأخرى في آسيا الوسطى، فأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني يزور الدولتين المتخاصمتين أرمينيا وأذربيجان بينما سيكون الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في طهران للاجتماع بنظيريه الإيراني والروسي ضمن إطار اجتماعات أستانة لمتابعة التنسيق بشأن الأزمة السورية.
وهناك أيضا مباحثات مباشرة بين إيران ومصر «تغنيهما عن اعتماد وسيط بينهما» كما تقول الخارجية الإيرانية.
أما العلاقة مع السعودية فيتم التحضير لجولة مباحثات جديدة بعد اتخاذ خطوات عملية أكثر إيجابية في ظل الهدنة الحاصلة في اليمن.