لا أُتابع، عادةً، ومنذ سنين، البث المباشر في الفضائيّات العربية والأجنبية، لكنّني تقصّدت متابعة لحظة وصول الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لمحطّة جدّة في المملكة العربية السعودية، بعد ظهر يوم الجمعة الماضي. ما رأيته، بوضوح، أعاد الى ذاكرتي طرفة رواها كبير الصحافيين والكتاب العرب في القرن العشرين، محمد حسنين هيكل، حول ما قاله رئيس الحكومة البريطانية الأسطوري، من حزب المحافظين، ونستون تشيرشل، يوم سلّم رئاسة الحكومة لكليمنت أتَلي، من حزب العمّال البريطاني.
إثر انتهاء الحرب العالمية الثانية، سنة 1945، والتي كان تشيرشل واحداً من الأكبر بين أبطالها، إيجاباً وسلباً، (جوزيف استالين، ونستون تشيرشل، فرانكلين روزفلت، وبعده هاري ترومان، أدولف هتلر، بينيتو موسوليني،، وهيروهيتو، إمبراطور اليابان، إضافة الى القادة العسكريين وأبرزهم: برنارد مونتيغمري، إيرفين رومِل، ودوايت آيزنهاور، الذي أصبح رئيساً لأمريكا سنة 1953) جرت الانتخابات في بريطانيا، وكان قرار الأغلبية أن تشيرشل، (وحزب المحافظين) يصلح للقيادة في سنين الأزَمات والحرب والتَّدمير، وأمّا في سنين الهدوء التّرميم والبناء فيكون أتَلي، (وحزب العمال) هو المؤهّل للقيادة.
امتعض تشيرشل كثيراً من نتيجة الانتخابات، وعندما حانت لحظة خروجه من «10 داوننغ سترِيت» في لندن، (مقر رئاسة الحكومة البريطانية) وتسليم رئاسة الحكومة لأتَلي، عبّر تشيرشل عن امتعاضه، (حسب رواية هيكل، نقلاً عن وسائل إعلام بريطانيّة) بمقولته المشهورة: «وصلت سيّارة فارغة الى 10 داونِغ ستريت، ونزل منها كليمنت أتَلي».
ما رأيته، بعد ظهر يوم الجمعة الماضي، من نقل حيّ ومباشر من مطار مدينة جدّة، هو هبوط طائرة «إير فورس 1» فارغة، ونزول جو بايدن منها!.
حقيقة الأمر أن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ليس المهزوم والفاشل الوحيد. هو الأخير، (حتى الآن) في سلسلة الخيبة والفشل. الفاشلون معه، وقبله، هم الولايات المتحدة التي يتولى رئاستها، والمعسكر الغربي كلّه، والسياسة غير الحكيمة التي انتهجتها وتنتهجها أمريكا منذ استفرادها على رأس هرم النظام العالمي سنة 1991. وأصبحت علامات الفشل والتدهور ظاهرة للعيان، بوضوح متزايد، منذ تولّى جورج بوش الإبن الرئاسة الأمريكية مطلع سنة 2001، وبلغت دَرَكاً سافلاً في النتيجة النهائية لحربها على العراق، ثم بلغت دَرَكاً أسفلَ عندما بثّت فضائيات العالم، على الهواء مباشرة، صور الخيبة/الإنسحاب/الهزيمة من مطار العاصمة الأفغانية، كابول، ليلة 31 أغسطس/آب 2021. وتلحق بهذا المسلسل الحلقة الجديدة لمحطة جدّة في جولة بايدن.
هذا الفشل في السياسة الخارجية لأمريكا، هو انعكاس مباشر للأوضاع الداخلية، وللسياسة الداخلية، في مجمل الولايات/الدول الأمريكية المتّحدة. فهذا المجتمع غير المنسجم، والذي يعاني من أمراض التمييز، وسيطرة عدد محدود جداً من أصحاب رؤوس الأموال على تشكيل الرأي العام، (وأبرز مثال على ذلك سيطرة «لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية ـ أيباك» وهي الأقوى بين «جمعيات الضغط على أعضاء الكونغرس الأمريكي» لتأمين الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي الأمريكي غير المحدود لإسرائيل).
وصل هذا الخلل في الأوضاع الأمريكية الداخلية حد انتخاب جورج بوش الإبن لرئاسة هذه الدول الخمسين الأمريكية المتحدة. وبالغ في الانحدار الى درجة ايصال دونالد ترامب الى الرئاسة، في عهد كانت خاتمته بهجوم من الرعاع، وبتحريض من ترامب، على «قدس الأقداس» الكابيتول، مقر الكونغرس الأمريكي، ليلة 6.1.2021.
جاء في مقال مشترك لثلاثة جنرالات (متقاعدين) في الجيش الأمريكي، هم: أنطونيو تيغوفا، بول آيطون وستيفان أندرسون، نشروه في جريدة الواشنطن بوست، وحذّروا فيه بـ«ضرورة استعداد أمريكا لاحتمال نشوب أعمال شغب عند إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية سنة 2024، حيث تبدأ تلك الأعمال كتتمّة لما حصل في الكابيتول هيل يوم 6.1.2021»
لم تصل، بعد، الأوضاع في أمريكا الى القعر، فلكل قعرٍ هناك قعر، في مسلسل تدهور وانحدار متواصل. ولعل أوضح ما يشير الى هذا التدهور، هو ما جاء في مقال مشترك لثلاثة جنرالات (متقاعدين) في الجيش الأمريكي، هم: أنطونيو تيغوفا، بول آيطون وستيفان أندرسون، نشروه في جريدة الواشنطن بوست، في ديسمبر/كانون أوّل الماضي، وحذّروا فيه بـ«ضرورة استعداد أمريكا لاحتمال نشوب أعمال شغب عند إعلان نتائج الإنتخابات الرئاسية سنة 2024، حيث تبدأ تلك الأعمال كتتمّة لما حصل في الكابيتول هيل يوم 6.1.2021». ولاحظ الجنرالات الثلاثة: «احتمال أن يرى نصف المجتمع الأمريكي في المنتصر في تلك الانتخابات، كفاقد للشرعية، وكذلك في نظر نصف العسكريين العاملين في الجيش الأمريكي، الذين يقسِمون بالولاء للدستور».
في هذا السّياق جاءت جولة الرئيس بايدن لإسرائيل، (يومين كاملين) وقمّتين، واحدة عملية، والثانية عبر وسائل الإتصال؛ ولأراضي الدولة الفلسطينية، القدس الشرقية وبيت لحم، وقمّة واحدة؛ ولمدينة جدّة في المملكة العربية السعودية، (يوم وبضع ساعات) وقمتين: أمريكية سعودية، وأمريكية خليجية زائد مصر والأردن والعراق.
أكثر من كاتب أمريكي شبّه زيارة بايدن للسعودية بـ«المسيرة الى كانوسا». ولهذه «المسيرة» في تاريخ أوروبا قصّة لا يضيرنا شرحها والتذكير بدلالاتها باختصار في بضعة أسطر:
تمرّد «الإمبراطور الروماني المقدّس» هنري الرابع، سنة 1077 ميلادية، على سُلطة البابا غريغور السابع، وحاول فرض وتعيين رجال كهنوت، دون الرجوع الى البابا. عندها ألقى عليه غريغور السابع «الحرمان الكَنَسي» فأخذت قوّة وهيبة الإمبراطور هنري الرابع في التلاشي، الأمر الذي اضطره الى التراجع، وارتدى ثوباً من الشَّعر، وغادر قصره في المانيا، مصطحباً زوجته وابنه، وقطع جبال الألب في فصل الشتاء، في «المسيرة الى كانوسا» في شمال إيطاليا، حيث «قلعة ماتيلدي» مقر إقامة البابا غريغور السابع، ومكث عند باب القلعة ثلاثة أيام بلياليها، الى أن سمح له البابا بالدخول، فدخل جاثماً وركع واعتذر وأعلن توبته، وصفح عنه البابا.
أصبحت هذه «المسيرة الى كانوسا» مضرب مثل في الأدب السياسي الأوروبي. وعندما بدأ رجل الدولة والسياسي البروسي الألماني، أوتو فون بِسمارك، حملته ضد الكاثوليكية السياسية في مقاطعة بَفاريا الألمانية، وعاصمتها ميونخ، قال، بفخر، في خطابه في الرايخستاغ، (البرلمان الألماني): «لا تقلقوا، لن نسير الى كانوسا، لا جسدياًّ ولا روحيّاً». كذلك قال الزعيم النازي، أدولف هتلر، أن زيارة رئيس الوزراء البريطاني، نيفيل تشامبرلين، الى ألمانيا، عشية الحرب العالمية الثانية، وتوقيعه «معاهدة ميونخ» نهاية سبتمبر/أيلول 1938، هي عبارة عن» المسيرة الى كانوسا».
زيارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الى السعودية، واجتماعه مع الأمير محمد بن سلمان، بعد أن اتهمه بالمسؤولية عن قتل جمال خاشقجي، ووصف المملكة العربية السعودية بـ«الدولة المنبوذة» هي في الواقع «مسيرة بايدن الى كانوسا» وهي اعتراف أمريكي، رسمي، معلن ومثبت، بالصوت والصورة، أن في العالم العربي زعيما جديدا، اسمه: محمد بن سلمان.
تفاخر الرئيس بايدن بأنه ابلغ الأمير محمد بن سلمان بقناعته حول مسؤوليته عن مقتل خاشقجي. وذكرت وسائل الإعلام أن بن سلمان رد على بايدن بالحديث عن الجرائم الأمريكية في العراق، (وخاصة سجن أبو غريب) وأفغانستان وغيرها، ولا يمكن الجزم بأنه لم يدُر في ذهن الأمير محمد بن سلمان، قول الشاعر السوري الأرمني،أديب اسحق:
قتل امرءٍ في غابةٍ (أو قنصليّةٍ) جريمة لا تُغتفر
وقتل شعبٍ كاملٍ، مسألة فيها نظر!!.
لا تكتمل الصورة إلّا بالتذكير أن الإمبراطور هنري الرابع، عاد وتمرّد على البابا غريغور السابع. وها هي وكالات أنباء هذه الأيام، تذكر يوم الثلاثاء، أمس الأول، أن البيت الأبيض في واشنطن، طلب من المحكمة الأمريكية تأجيل البتّ في طلب الإدارة الأمريكية منح الأمير محمد بن سلمان الحصانة من المساءلة القانونية لمدة ستين يوماً، وهي إشارة واضحة على سوء نيّة مبيّتة.
أيضاً وأيضاً: لا تكتمل الصورة إلّا بتسجيل ملاحظة مواصلة الرئيس بايدن حثّ القيادات الإسرائيلية على السلوك في الطريق الذي اختاره الرئيس الأوكراني، فلوديمير زيلنسكي، بتشجيع أمريكي، وهو طريق مواصلة العناد والقتال حتى آخر جندي أوكراني/إسرائيلي.
كاتب فلسطيني
الخطوة القادمة هي سرقة أموال السعودية كما فعلوا مع روسيا ، و لكن موقف الرجولة يقتضي الوقوف ضد العنجهية و الغطرسة الامريكية مثلما فعلت روسيا ، و بامكان السعودية البدء من الصفر و نسيان أموالهم في امريكا و البدء ببيع نفطها بالريال السعودي أو الروبل الروسي او اليوان الصيني و عندها ستكون الضربة الأخيرة في تابوت دول الشذوذ الجنسي و يعود الحق للبشرية جمعاء
فكرة السقوط الحر عمودياً لرأس النظام العالمي القديم أصبحت أقرب من الصبح .. لثلاثة أسباب : الأول الإنهيار الأخلاقي للمجتمع ، فأصبحت كل أنواع البدع الغير طبيعية و المعاكسة للفطرة الإنسانية متاحة تحت ذريعة إحترام الحريات الفردية ، و هينة في سبيل الحصول على أصوات الناخبين . السبب الثاني يتمثل في أزمة ديمغرافية حيث تسير المجتمعات الغربية نحو الإنقراض أو التغيير في النسيج الإجتماعي العرقي . و السبب الثالث و هو الأهم دخول أمبراطوريات المال و الإعلام الأمريكية ،، التي تُدار بواسطة شخصيات و مجموعات إسرائيلية ضد سياسة أمريكا الخارجية ،بما يوحي أن إسرائيل تحاول التنصل من دعمها و ولائها لأمريكا ، ربما بعد التأكد من قرب تغيّر الأحوال .
في الحقيقة لا اشارككم الرأي فيما جاء في مقالكم أستاذ عماد نحن لا زلنا في بداية طريق القوة والهيمنة الأمريكية والغطرسة بكل أشكالها
اما قصة المسيرة إلى كانوسا فهذه تنطبق علينا العرب وليس عليهم لانهم يرسمون ويأخذون ما يريدون ونحن علينا السمع والطاعة وانظر حولك