عمان- «القدس العربي»: الفارق يفترض أنه واضح وملموس وممسوك بين تأسيس منهجيات بيروقراطية وقانونية وتشريعية ورسمية لدعم قطاع الصناعة في المشهد الأردني، وبين العمل على أساس دعم مجموعة أو أقلية من الصناعيين فقط.
والمفارقة في هامش الفارق سياسياً مستمرة في عمان، حيث تتخذ المزيد من التوصيات والإجراءات لصالح «حفنة صناعيين»، فيما يتحدث الخطاب الملكي المرجعي دوماً عن «التكاملية بين دول الجوار والإقليم»، الأمر الذي يثير الاستغراب في معادلة السؤال: «كيف يتخذ القرار الصناعي أصلاً؟».
ليس سراً أن تلك المقاربات والتساؤلات قفزت بعد «إجراءين» اتخذتهما السلطات الرسمية مؤخراً وأثارا ضجيجاً، حيث تطبيق مفاجئ لقاعدة «المعاملة بالمثل مع مصر» وإجراء مباغت جداً ومثير للجدل اتخذته المؤسسة العامة للغذاء والدواء بـ»منع» الأردني من الحضور للبلاد ومعه ولو علبة دواء واحدة من الخارج. طبعاً مسألة «دعم الصناعات المحلية» هي الذريعة في الإجراءين.
في «السياسة الصناعية»، واضح لجميع الأطراف أن وزارة الصناعة والتجارة التي يديرها اليوم الوزير النشط والبيروقراطي العتيق يوسف الشمالي، تحاول المضي قدماً بين الألغام عندما يتعلق الأمر بأي محاولة لتأسيس مقاربة تدعم الصناعة بالمستوى الوطني، فيما يستفيد بالنتيجة دوماً بعض الصناعيين وليس قطاعهم. ثمة ملاحظة عابرة تشير إلى تكرار عملية تغليف الذرائع وتسويق الفراغ بيروقراطياً هنا. في كل حال، وبعيداً عن «جزئية المستوردات المصرية»، طرح السؤال الصناعي بقسوة وغلاظة على هامش اجتماعات ورشة العمل التي استضافها الديوان الملكي تحت عنوان رؤية اقتصادية وتمكين وتحرير إمكانات البلاد.
لكن هذا السؤال لن يجد جواباً حتى في رأي الخبير الاقتصادي الدكتور أنور الخفش، ما دامت المقاربات كما فهمت «القدس العربي»، لا تقول الحقائق والوقائع كما هي، خصوصاً لصانع القرار. وعليه، حماية القطاع الصناعي تتحول مع الوقت إلى ورقة في يد هذا القطاع يمكنه أن يستثمرها في إقلاق الراحة العامة، لا بل أحياناً في تأسس مسافة بين مصالح «محظيين ومحظوظين» من الصناعيين، وبين القطاع نفسه الذي ينبغي أن يرتبط ببقية القطاعات.
عملياً، قفز سؤال السياسات الصناعية الرسمية مجدداً من زاوية ضيقة ومثيرة للجدل هذه المرة بعد الجملة المعترضة الكبيرة التي دخلت فيها مؤسسة معنية بإدارة الغذاء والدواء على خط الاشتباك تحت عنوان حماية منتجي ومصنّعي الأدوية والتجار المحليين. وهي حماية قد تفهم وفقاً للإجراءات التي بدأت دائرة الجمارك العامة تدرسها الآن وتستعد لها على أنها محاولة لحماية مجموعة صغيرة من المصنعين أو المستوردين والمنتجين للأدوية على حساب القاعدة الأعم من الأردنيين.
في السياق، يرتفع مستوى الجدل في الأردن حول القرار الذي يبدو أنه اتخذ أو أوصت به حتى الآن إدارة مؤسسة الغذاء والدواء بمنع المواطن الأردني من إدخال ولو علبة دواء واحدة في حقيبته الشخصية.
ما لا يفهمه المواطنون هو التأسيس مجدداً لفارق بين حماية شريحة تعمل في مجال العلاجات والصيدليات ومستودعات الأدوية، والقطاع الأهم من المواطنين، حيث أسعار الدواء محلياً تزيد بأضعاف عن سعره في دول مجاورة مثل تركيا ومصر والإمارات والسعودية، وحيث -وهذا مهم جداً- لا تبذل الحكومة جهداً ملموساً في حماية المستهلك المحلي للعلاجات ولا في ضبط الأسعار أو تخفيضها.
مسألة الدواء وتسعيرته تحديداً في الأردن إشكالية، وهذا الملف في رأي الصيدلاني العريق عضو مجلس النواب حالياً الدكتور عبد الرحيم المعايعة الذي تحدثت معه «القدس العربي» مرتين على الأقل، فيه ظلم للقطاع، وكان ينبغي أن يفتح ويتحدث عنه الجميع بصراحة ضمن مقاربة عنوانها الأساسي توفير الدواء للمواطن الأردني وبأقل كلفة معقولة.
وفيما يوفر القطاع العام العلاجات والأدوية لمنتسبيه وعائلاتهم، يبدو أن القطاع الخاص وقطاع التأمين في المجال الصحي هو المتضرر الأكبر من الإجراءات التي تقترحها مؤسسة الغذاء والدواء اليوم، والتي استدعت اجتماعاً طارئاً للجنة الصحية المختصة في البرلمان، وفقا لما أبلغه لـ«القدس العربي» أيضاً عضو اللجنة الدكتور أحمد سراحنة.
فكرة الإجراء المبتكر هي منع السائح والزائر أو العائد أو المغترب الأردني من حمل مغلفات أو علب أدوية معه، والحديث هنا عن علاجات تقدم أحياناً إما للضرورة بسبب سعرها المنخفض في الخارج، أو على شكل هدايا بين الحين والآخر.
ولا توجد أرقام محددة أو إحصائية تعرض نسبة العلاج الذي يحضره الأردنيون من الخارج وتضطر السلطات لحجبه أو منعه قياساً لنسبة العلاج التي تشترى من الأسواق المحلية بأسعار مرتفعة جداً يشكو منها المواطن ويئن في كثير من الأحيان دون أن تنتبه مؤسسة الغذاء ومعها وزارة الصحة في بعض الأحيان إلى ضرورة التركيز أيضاً على تخفيض أسعار منتجات الأدوية ومستلزماتها أمام المستهلك الأردني في الداخل بشكل متوازن يحافظ على مصالح المستهلك ومصالح أيضاً شركات الأدوية والمستودعات الكبيرة التي يعتقد دوماً أنها تحقق مستويات متقدمة من الأرباح.
ليس سراً هنا أن الإجراء في طريقه للنفاذ ودون إبلاغ الرأي العام أو الإفصاح عن الخلفيات والدوافع.
وليس سراً أن هذا القرار سيثير الجدل بين النواب والمواطنين على الرغم من أن الحكومة لم تقل لكل الأطراف ما هي نسبة العلاجات والأدوية التي يحضرها مواطن أردني معه في حقيبة السفر لأغراض شخصية أو عائلية.
الإجراء في رأي خبير الدواء الأبرز في الأردن الدكتور هايل عبيدات، «من الصعب تنفيذه»، ولا يمكن تبريره، وستنتج عنه مستويات جديدة من الاحتقان الشعبي العام، لكن المسألة قد تدفع في اتجاه فتح ملف من الملفات المسكوت عنها، وهي تأمينات العلاج والأدوية والمستوردات والمستودعات، لا بل ما يسميه المواطنين البسطاء اليوم بـ»حيتان الدواء» في الأردن.
والأردني بموجب نصوص القانون له حق إحضار علاجاته معه، والحديث هنا عن إجراء كان يمكن الاستغناء عنه ومن النوع الذي لا يمكن الالتزام به أو تطبيقه، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول جدية هذا الطرح على الرغم من الضجيج الذي يثيره.
الحيتان تتوالد وتتزايد وتنمو وتزداد عوة ووحشية
الدواء غالي جدا قمت
بشراء دواء من مصر ومن تركيا
الفارق كبير جدا سبع أضعاف السعر عن مصر يعني مرض واستغلال
الشركات هي من يمسك بلجام الحكومة وتوجهها حيث تشاء
لماذا لا يذكر اسم هؤلاء الحيتان وشركاتهم المهيمنة على السوق علنا..ولماذا هذه الحملة على الأدوية التركية والمصرية…