تحولت الصين إلى مصنع العالم، على أرضية توافر القوى العاملة منخفضة التكلفة، ووجود نظام سيطرة مركزي يمكنه فرض الأولويات على المنتجين، وبقيت النقطة الأخطر في العصر الصيني، الذي يرتبط مع بداية الألفية الجديدة، هي تغيير سلوك الاستهلاك في العالم، وعند الحديث عن نموذج الصين فإن ذلك يمكن أن ينطبق على أكثر من دولة آسيوية أخرى، أما الاستهلاك في العصر الصيني فأخذ يتصف بالوفرة غير المسبوقة والتكلفة المعقولة، فقبل خمسين عاماً، كانت خزانة الملابس التقليدية تضم بضع قطع من منتجين محليين، أو من محلات خياطة معينة، واليوم، يجد الكثير من أسر الطبقة المتوسطة صعوبة في إغلاق الخزانات المنزلية، المتخمة بقطع ملابس كثيرة ورخيصة أنتجت في بلدان بعيدة، وفقاً للنموذج الصيني، الذي يقدم نفسه عالمياً بوصفه الحل الوحيد المقبل.
ما الذي يحدث في العالم؟ تتمدد شبكات الطرق بين الشرق والغرب، ومن أهمها طريق الحرير الجديد الذي تبنيه الصين، وتنتشر مناطق التداول لنقل البضائع وتبادلها على أساس وجود الصين في الشرق، والقوة الاستهلاكية في الغرب، وبذلك تصبح الصين المركز الفعلي للمستقبل، الأمر الذي يشبه فخاً كبيراً للجميع.
مع بداية وباء كورونا أخذ العالم يتشكى من تكتل الصناعة العالمية في الصين، الأمر الذي أدى إلى مشاكل في التوريد ما زالت قائمة حتى اليوم، ودعت بعض الأصوات في الغرب إلى التوقف عن الإدمان على المنتجات الصينية، ومراجعة معادلة أن الصين مصنع للعالم، وتحدث الكثيرون عن خطط مختلفة لتحقيق هوامش من الاكتفاء في الاحتياجات الأساسية، ولم يتحقق شيء عملي، فمشاريع البنية التحتية العالمية وحروب الموانئ كلها تمضي على افتراض بقاء المعادلة الراهنة على وضعها.
الصين ما زالت محاطة بالغموض، والعالم يفتقد لمن يستطيعون قراءتها بصورة جيدة، فالعوائق الثقافية كثيرة وتعقيدات المشهد الصيني متشابكة
لا أحد يعرف ما الذي يجري في الصين؟ الجميع يفترض أن الصين ترغب في البقاء على وضعها الحالي، ويكادون لا يلمحون تغيرات أساسية وجوهرية داخل الصين نفسها، فمثلاً لم تعد افتراضية القوى العاملة الرخيصة قائمةً، الأمر الذي وضحه تيم كوك الرئيس التنفيذي لشركة آبل، عندما تحدث عن أن سبب التصنيع في الصين يعود إلى توفر العمالة الماهرة بكثافة تفوق أي بلد آخر، بما في ذلك الولايات المتحدة، ففي الصين يمكن الحصول على تقنيين متميزين أكثر من أي بلد آخر، بما يوحي بأن مستقبل التقنية سيكون صينياً، ومع قدرة الصين المرتقبة على السيطرة في فضاء التقنيات الحديثة فما الذي يمكن أن يتبقى للغرب؟ أصبحت الصين بسياستها المتحفظة رقماً صعباً أمام الأمريكيين، وإذا كانت بعض الشركات الأمريكية تستطيع أن تذهب للصين، ويمكن للصين أن تستقبلها في المقابل، فإن ذلك لا ينطبق على جميع الشركات الأمريكية، الأمر الذي سيخلق مشكلات واسعة يجب مواجهتها بصورة أو بأخرى، وبصورة عاجلة لأن التأخير يعني صعوبة المعالجة مع الوقت. لم تعد الولايات المتحدة تمتلك خيارات كثيرة، فمقولة إما أن تكون معنا أو ضدنا، يبدو أنها لا تعمل بصورة جيدة في الحالة الروسية، فكثير من دول العالم باتت تتخذ مواقف عائمة في وجه الأمريكيين، ما يولد المزيد من القلق على قدرة أمريكا على التأثير في العالم، أما الهيمنة فتوني بلير الذي كان أفضل حليف بريطاني لأمريكا، يعلن أن الهيمنة الغربية تقترب من نهايتها، مشيراً إلى الصين وليس روسيا لقيادة التغيرات الجيوسياسية في العالم.
يتداول الإعلام أخباراً غير مؤكدة حول زيارة مرتقبة لرئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي لتايوان، قوبلت بلهجة صينية تصعيدية، في وقت يحاول فيه البيت الأبيض الضغط على بيلوسي لعدم إتمام زيارتها، فالأمريكيون يبحثون عن طريقة لترويض التنين الصيني من غير التعجل في المواجهة، في مرحلة من الارتباك العالمي الراهن والظروف الاقتصادية غير المواتية داخل أمريكا، والواضح أن قطاعاً واسعاً من أصحاب النفوذ في واشنطن يضغطون في الملف الصيني في هذه الظروف تحديداً، لتجنب خروج الصين أقوى وأكثر قدرة على التأثير والمبادرة بعد الأزمة، ولشعورهم بأن النتائج الاقتصادية لسياسة التوسع في تقديم الدعم أثناء الأزمة الوبائية يمكن أن تؤدي إلى كارثة واسعة على المستوى الاقتصادي والمعيشي للمواطنين الأمريكيين، الذين يعيشون فعلياً على الاستدانة من خلال أدوات الدين التي تشكل مزاج الاقتصاد العالمي وتوجهاته حتى الآن، وعلى الثقة غير القائمة على أسباب حقيقية في الدولار الأمريكي، خاصة بعد تعرض ثنائية البترودولار لتساؤلات جدية بعد زيارة الرئيس الأمريكي بايدن للرياض. الصين ما زالت محاطة بالغموض، والعالم يفتقد لمن يستطيعون قراءة الصين بصورة جيدة، فالعوائق الثقافية كثيرة وتعقيدات المشهد الصيني متشابكة، وداخل ذلك كله، يتوجب السؤال حول رغبة الصين في الأساس للتقدم إلى قيادة العالم، وما مفهومها لقيادة العالم، وما الذي تحتاجه من ذلك؟ وكلها أسئلة ما زالت برسم الإجابة والدراسة داخل الصين التي لا تنفتح مراكزها الفكرية والبحثية على هذه النوعية من الأسئلة، ولا يتحدث السياسيون الصينيون خارج تقاليد الحكمة الكنفوشية السائدة لديهم، التي تمثل مرجعية ما هو جيد أو سيئ بالنسبة للشخص والمجتمع في الصين.
يبدو الحديث عن ترويض التنين الصيني أمراً تجاوزه الوقت، كما هو أمر متعذر لأن التنين أسطوري ومجازي يمثل ما تطمح الصين لتحقيقه في الوجود في العالم بأسره من غير أن يستطيع أحد أن يمسكها أو يتلمسها، أو هكذا تتصور، لأن خزانات الملابس المتخمة وألعاب الأطفال الكثيرة، تؤكد وجود الصين في عقيدة العالم الاستهلاكية الجديدة، وقريباً مع السيارات والهواتف المحمولة المتقدمة عن غيرها، سيصبح التنين واقعاً لا يمكن دحضه أو تجاهله، وربما نحن لا نتحدث عن عالم متعدد القطبية في المستقبل بقدر ما نتجنب الحديث عن العالم الصيني المقبل.
*كاتب أردني
صحيح جدا فالتنين الأصفر الصيني يجب أن يحسب له ألف حساب وحساب
صحيح الصين دخلت صناعاتها في كل بيت من بيوت بلدان العالم لرخصها مقارنة بنظيراتها الغربية ، ويعود إلى رخص اليد العاملة بالصين، عمال يشتغلون أشبه بالسخرة ، خاصة الايغور المسلمين ، يعيشون في معتقلات للعمل في مصانع شركات غربية حطت رحالها في الصين سعيا وراء الربح. لكنك أغفلت مايربو عن مليار و200 مليون صيني يعيشون كالعبيد ، وما تبقى نحو 10% ينعمون بثروات طائلة من حكام الحزب الشيوعي بالمقاطعات، هذا التفاوت الطبقي أليس قنبلة موقوتة في الصين ؟ ماذا لو شجع الغرب حركات انفصالية بالصين في ظل الاحتقان الشعبي من قمع الحريات هل تبقى الصين كما وصفتها ” مصنع العالم؟ نعم أمريكا بمرحلة الانحدار منذ 2020 بانتخابات بايدن، لكنها ليست عاجزة وحلفاؤها عن زعزعة الصين ، وإن عاد ربيع بكين في ظل الظرف الراهن كيف تكون النتيجة؟
كلام في الصميم والصين ستظل لغزا محيرا لكل العالم لانهم كانوا وما يزالون وسيبقون ذوي خصوصية غامضة مع رغبة في التفرد بصناعة كل ما يحتاجه المستهلك اينما كان على هذا الكوكب وليتك يا اخينا سامح تطرقت الى حقيقة اين نحن كعرب نقف من هذا اللغز المعقد وكم لدينا من الوقت أن نبقى مستهلكين لما ينتجه الآخرون وهل يمكننا ان لثبت وجودنا على الساحة الاقتصادية الدولية ونتحكم في توجيه واستثمار مواردنا الطبيعية كالبترول والفوسفات وماالى ذلك من ثروات طبيعية نملكها ولا نستطيع السيطرة عليها وهذا سؤال برسم الاجابة يا استاذ محاريق