رغم أنني على قناعة تامة بأن لا علاقة لأي تنظيم يدعي الوطنية أو الإسلام في هذه الجريمة النكراء، التي طالت أحد رموز الحركة الوطنية الفلسطينية، الذي يحظى بالإجماع الوطني، ناصر الدين الشاعر في قرية كفر قليل جنوب نابلس، بعد مشاركته في جاهة خطبة الأسير المحرر ضرار أبو جاموس، الذي أمضى في الأسر 19 عاما، إلا أنني على قناعة، أيضا، بأنها محاولة “تأديب”، لأن الغرض منها لم يكن القتل، وكان تنفيذه سهلا بعدما وصل مرتكب الجريمة إلى ضحيته، وجها لوجه، وكان بإمكانه الإجهاز عليه، لذا لم تكن الجريمة التي تعرض لها الدكتور ناصر، غايتها التصفية، بل إيصال رسالة واضحة ومهمة إلى من يهمه الأمر وهم كثر.
ومن خلال قراءة تفاصيل العملية، يبدو أن المجرم لم يكن على عجلة من أمره، وكان قد تتبع حركة الدكتور ناصر، القامة الوطنية، وأكد ذلك في تصريحاته بعد محاولة الاغتيال، فقد لاحق المجرم سيارة الضحية، وواصل إطلاق النار فأصابه في القدمين والساقين والركبتين بحوالي عشرين رصاصة.
نعم لم تكن التصفية هي الغرض، ولو كان كذلك أو الأخذ بالثأر، إذن لوجه الفاعل الرصاصات إلى الجزء العلوي من جسم الشاعر، وتحديدا الرأس والصدر حيث القلب. في كل الأحوال نهنئ أنفسنا والدكتور ناصر الموجود الآن على سرير العلاج، على سلامته، متمنين له سرعة الشفاء والعودة إلى أسرته وأهله ومحبيه ورواده وهم كثر، في أسرع وقت ممكن. لم يتبن هذه الجريمة التأديبية النكراء التي أثارت سيلا من ردود الأفعال والإدانات من جميع الأطراف السياسية والعسكرية والمسلحة، أي طرف، ولم يشر فصيل بأصبع الاتهام إلى أي طرف بالوقوف وراءها، وهذ دليل على أن المجرم كان ينفذ الجريمة خدمة مجانية للعدو المتربص بنا. إذن فالغرض من الجريمة واضح وهو محاولة إثارة النعرات والمساس بوحدة شعبنا، والخروج عن التقاليد والقيم التي جسدها هذا الشعب على مدى عقود من النضال، ولم يلجأ يوما إلا في حالات نادرة جدا، لمثل هذه الوسائل الحقيرة، التي لا تخدم سوى الاحتلال، وعملائه المنتشرين في أرض الوطن وهم كثر. وربما الغرض من هذه الجريمة هو خلط الأوراق وخلق البلبلة وسط حالة الفوضى التي تعم المناطق الفلسطينية، والإضرابات التي تشارك فيها عشر نقابات من أهم النقابات في الوطن، وفي مقدمتها نقابتا المحامين والصحافيين ووسط مخاوف من انهيار المؤسسة برمتها. لن ينكشف أمر هذه الجريمة إلا عندما تصل أجهزة أمن السلطة إلى الفاعل/ الفاعلين ومن يقف وراءهم، ويجب أن يتم ذلك في أسرع وقت ممكن حتى لا نفتح المجال لمزيد من الانفلات الأمني، خاصة أن ما تعرض له الدكتور ناصر جاء بعد أيام على جريمة آل حجاب في مدينة نابلس، التي تتعرض إلى اقتحامات احتلالية متواصلة، وآخرها تصفية اثنين من المقاومين في حي الياسمينة، وتمكن ثالث وهو المطلوب الرئيسي من الإفلات. وقبل ذلك بأسابيع نجح الاحتلال في تصفية مقاومين في نابلس. وما كان هذا ليحصل لولا العملاء والانفلات الأمني الذي سيزداد في ظل غياب القانون وسيادة سلطة الغاب. وأيا كانت الدوافع والأسباب، فإنها تحتم على السلطة العمل الدؤوب لقطع دابرها. وعليها أن تستغل محاولة اغتيال هذه القامة الوطنية، للوصول إلى المجرمين، إلى هؤلاء الذين يحاولون مسح الخطوط الحمر التي وضعها شعبنا وفصائلنا على مدى عقود من النضال حتى لا نريق الدم الفلسطيني ونوجه كل قوانا وطاقاتنا وقدراتنا نحو محاربة العدو المتربص. وهذا طبعا يحتاج إلى تنظيف حديقتنا الخلفية من العملاء وتصفيتهم دون رحمة أو تردد، فلا يهزم شعب إلا من داخله والطابور الخامس الذي يعمل في الخفاء والظلام كخفافيش الليل التي بدأت تنشط حتى في وضح النهار، لغياب عمليات الردع والتنسيق بين قوى المقاومة. علينا أن نفرغ طاقاتنا نحو العدو الذي يعيث بالأرض فسادا ويخرب ويقتل ويسرق ويستولي ويدنس الأقصى، ونحو مستوطنيه الذين ينهبون الأرض تحت سمع وبصر جنوده ويقطعون الأشجار ويهدمون المنازل.
يذكر أن الجماعات الاستيطانية وبعدما ضمنت تقسيم الأقصى زمانيا ومكانيا، كشفت قبل أيام، عن مخططات جديدة لتوسيع باب المغاربة، الذي تجري منه عادة اقتحامات الأقصى، ضمن رؤيتها للعامين المقبلين. وقالت جماعات “الهيكل” المزعوم، إن هذه المخططات جرى نقاشها مع مسؤولين في حكومة الاحتلال وبلدية القدس، ونحن غافلون أو متغافلون، لأنه ليس باليد حيلة سوى الدعاء، وذكرت أنها طالبت بزيادة ساعات اقتحام المسجد الأقصى من 4 ساعات إلى10 ساعات تمتد إلى ساعات العصر، وخلال الأعياد اليهودية إلى الليل. وحول مخططات توسيع باب المغاربة، أوضحت الجماعات الاستيطانية، أنها بحثت مع المسؤولين إزالة التلة الترابية والجسر الخشبي الذي يصل من ساحة البراق إلى باب المغاربة، وبناء جسر ثابت يحمل عبارات توراتية تهويدية، ويكون واسعاً لتحقيق طموحاتها في زيادة أعداد المقتحمين للأقصى.
لا يهزم شعب إلا من داخله والطابور الخامس الذي يعمل في الظلام كخفافيش الليل التي بدأت تنشط حتى في وضح النهار، لغياب عمليات الردع والتنسيق بين قوى المقاومة
وأختتم بتوجيه التحية من أعماق القلب إلى وزيرة الثقافة البحرينية مي بنت محمد آل خليفة، التي ضحت بمنصبها الرفيع، وما يلحقه من امتيازات لتسجيل موقف وطني شجاع، برفض مصافحة السفير الصهيوني في بلدها، تعبيرا عن رفضها لخطوات التطبيع بين نظامها والاحتلال. والقصة كما التالي حسب مصادر صحافية فإنه “وفي 16 يونيو/حزيران الماضي أقام السفير الأمريكي ستيفن بوندي مجلس عزاء خاص في منزله بمناسبة وفاة والده، ودعا إليه بعض السفراء والمسؤولين، وربما بتخطيط مسبق ونصب فخ للشيخة، من بينهم السفير الإسرائيلي في البحرين إيتان نائيه، والشيخة مي بنت محمد”. وأضافت المصادر أنه “وأثناء التصوير، قام أحدهم بتعريف الذين يتصافحون، وعندما وصلت الشيخة مي للسفير الإسرائيلي في المنامة، وقالوا لها إنه السفير الإسرائيلي، سحبت يدها ورفضت مصافحته وخرجت من منزل السفير الأمريكي وطلبت من السفارة عدم نشر أي صورة لها في مجلس العزاء”. إنها الأميرة والشيخة كما يفضلون وصفها مي بنت محمد آل خليفة، وهي من قلب الأسرة الحاكمة ومن عقر دارها، رفضت هذه المهزلة التي تمارسها حكومتها ممثلة بالملك ونائبه رئيس الوزراء، الذي أصدر مرسوما ملكياً بإقالتها على الفور، ومن دون الانتظار حتى تنهي مهمة عمل في دول البلقان، وبتعيين الشيخ خليفة بن أحمد بن عبدالله آل خليفة رئيسا لهيئة البحرين للثقافة والآثار. وقد اتخذ الملك حمد بن عيسى آل خليفة وهو من المروجين الأوائل للتطبيع مع إسرائيل قبل فترة طويلة من توقيع اتفاق ما يسمى اتفاق “إبراهام” عام2020 الذي فصّله على حجمه وحجم محمد بن زايد وملك المغرب، رونالد ترامب وجيرارد كوشنر ومن يقف وراءهما من عتاولة الصهيونية في الولايات المتحدة. ووجدت الشيخة التضامن مع موقفها في الوداع الحار الذي أعده العاملون معها وهو بحد ذاته تحد صارخ لمن اتخذ قرار إقالتها.. ألف تحية للوزيرة مي آل خليفة، وألف تحية أخرى لشعب البحرين الشقيق، فقد كان هذا الموقف مشرفا ويعكس مدى المعارضة للخطوات التي اتخذتها الحكومة ورئيس وزرائها، وكذلك الملك حمد وهو الذي فتح أبوابه على مصراعيها أمام قادة الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة، تحت شعار التسامح الديني، الذي خصص لهم مكانة مميزة في مجالسه وأخذهم مستشارين إلى جانبه.
يذكر أن رفض المصافحة ليس الموقف الوحيد الذي اتخذته الشيخة مي، فقبل ذلك رفضت تهويد الأحياء القديمة للعاصمة المنامة، ويشمل ذلك التهويد الابتداء من باب البحرين وشارع المتنبي وصولا إلى الكنيس اليهودي الواقع في شارع صعصعة بن صوحان بالمنامة القديمة، ورفضت السماح لمستثمرين يهود أمريكيين بتشييد حي يهودي مع كتابات إرشادية ونجمة داوود، تستقبل السياح من باب البحرين حتى الكنيس اليهودي. إن شعب البحرين شعب يثبت المرة تلو الأخرى إنه شعب حي وحر ورافض لكل الإجراءات التطبيعية المذلة التي يقوم بها نظامه، كما يثبت رفضه للتطبيع والمساومة على حقوق الشعب الفلسطيني، فألف تحية للوزيرة ولشعب البحرين الذي لم يخذل شقيقه الشعب الفلسطيني قط.. وإن غدا لناظره قريب.
*كاتب فلسطيني من أسرة “القدس العربي”
*الله يشفي الشاعر وكل مريض.
حسبنا الله ونعم الوكيل في كل فاسد وظالم وقاتل.