الخرطوم ـ «القدس العربي»: شارك آلاف المحتجين في عدد من المدن السودانية، الأحد، في تظاهرات جديدة، لـ«دعم التعايش السلمي» والمطالبة بإسقاط الانقلاب وتسليم الحكم للمدنيين.
وتوجهت التظاهرات في الخرطوم، نحو القصر الرئاسي، الواقع وسط العاصمة السودانية، بينما اختارت «لجان المقاومة» في المدن الأخرى، مباني الأمانات الولائية.
وعلى الرغم من الطوق الأمني الذي فرضته الأجهزة الأمنية في محيط القصر الرئاسي، وإغلاق عدد من الجسور الرابطة بين مدن العاصمة، الخرطوم، الخرطوم بحري، أمدرمان، استطاع المتظاهرون الوصول إلى شارع القصر القريب من المبنى الرئاسي.
مياه ملونة
وأطلقت الأجهزة الأمنية الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية بكثافة على المتظاهرين، فضلا عن رشهم بمياه ملونة، قالت لجنة اطباء السودان المركزية، إنها تحتوي على مواد مخالفة للمعايير الدولية وتسببت في أمراض جلدية، ومشكلات صحية أخرى للمتظاهرين.
وما بين كر وفر تواصلت التظاهرات حتى مساء الأمس، في محيط القصر الرئاسي ومناطق أخرى في الخرطوم.
وشهدت الأحياء القريبة من القصر والشوارع الرئيسية في البلاد انتشارا كثيفا لقوات الأمن، تزايدت أعدادها واتسعت رقعة انتشارها في الفترة المسائية.
وأطلق ناشطون تحذيرات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من كمائن أمنية في عدد من الطرق الداخلية، متخوفين من شروع الأجهزة الأمنية في حملات اعتقال تستهدف المتظاهرين، خلال عودتهم من التظاهرات، كما أعلنت مجموعة «محامو الطوارئ» الناشطة في تقديم العون القانوني لضحايا الانقلاب.
وشهدت تظاهرات الأمس، وقوع عدد من الإصابات خلال قمع الأجهزة الأمنية للمحتجين، في وقت لم تعلن لجنة أطباء السودان المركزية عن عدد الإصابات حتى لحظة كتابة التقرير.
وجاءت التظاهرات بدعوة من تنسيقيات «لجان المقاومة» في وقت أعلن فيه المجلس المركزي لـ«الحرية والتغيير» وتنظيمات مهنية ونقابية دعمها، منددين بالخطاب القبلي وخطاب الكراهية.
وتتهم المعارضة السودانية قادة الانقلاب العسكري، بتأجيج الصراع العشائري في البلاد.
وقبل نحو أسبوعين قتل عشرات السودانيين في نزاع قبلي في ولاية النيل الأزرق جنوب السودان، بينما نزح وأصيب الآلاف.
وحسب تنسيقية النازحين واللاجئين، قتل نحو 1000 شخص خلال الاضطرابات الأمنية والنزاعات القبلية في دارفور منذ انقلاب العسكر على الحكومة الانتقالية في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وتتهم التنسيقية قوات ومجموعات مسلحة تابعة للسلطات السودانية، بالتورط في النزاعات في دارفور، مؤكدة أن انتشار قوات المجموعات المسلحة عقب توقيع اتفاق السلام في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، فاقم الأوضاع الأمنية في الإقليم.
وقالت تنسيقيات لجان «مقاومة الخرطوم» في بيان مشترك، إن «طول أمد الانقلاب العسكري يعني استمرار سفك الدماء السودانية» مؤكدة استمرار التصعيد الشعبي حتى إسقاط الانقلاب، وتأسيس الحكم المدني الديمقراطي.
وأضافت: «إلى الرفاق في النيل الأزرق ودارفور ومناطق النزاعات لن نترككم للحرب وحدكم، سنحرك المواكب من كل حدب وصوب حتى يسقط المجلس الانقلابي مفتعل الحروب وقاتل الأرواح».
وتابعت: «لا سلام مع الانقلاب، ولا سلام في ظل حكومة تصنع الحروب وتمولها»
وعلى الرغم من العلاقات المتوترة بينها وبين «لجان المقاومة» أعلنت مركزية «الحرية والتغيير» الخروج في التظاهرات التي دعت لها اللجان، مؤكدة دعمها لكل فعل مقاوم للانقلاب.
وقالت في بيان: إن «لجان المقاومة لن تسير وحدها في التظاهرات» مؤكدة دعمها ومشاركتها في كل المواكب وتسخير كل منابرها وامكانياتها لإنجاحها وتحقيق أهداف استعادة الانتقال المدني الديمقراطي في البلاد.
وأوضحت، في بيان، أن الانقلاب العسكري في البلاد، والتآمر على الانتقال المدني الديمقراطي بشتى الصور والأساليب منذ انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي عطّل عجلة الانتقال المدني في البلاد.
وأضافت: إننا في قوى الحريّة والتغيير ملتزمون بدعم أي فعل مقاوم ومناهض للانقلاب العسكري، داعية للتنسيق المشترك بين قوى الثورة السودانية ووحدة المعارضة.
نددت بالعنف القبلي… والأمن استخدم ضدها الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع
وتابعت: إن «رسالتنا للانقلابيين الموجودين في قصورهم ويرتجفون كل يوم أكثر من اليوم السابق، التحذير من مستقبلهم المحتوم» متوعدين بإسقاط الانقلاب وهزيمته.
وأكملت أن «السقوط هو المصير المحتوم للانقلاب» مؤكدة أن «قوى الثورة ماضية نحو الوحدة» وصولا لما أسمته «الطوفان الشعبي» لإغراق أعداء الانتقال المدني الديمقراطي في البلاد. والثلاثاء الماضي، نظمت قوى «الحرية والتغيير» تظاهرات «السودان الوطن الواحد» وسط حضور واسع لقياداتها، للتنديد بالعنف القبلي والتأكيد على نبذ خطاب الكراهية والعمل المشترك من أجل وحدة السودانيين وإسقاط الانقلاب.
حكومة مدنية
وتعتزم المعارضة السودانية، إعلان حكومة مدنية مناهضة للانقلاب العسكري، حسب تصريحات للقيادي في الحرية والتغيير، عضو المجلس السيادي السوداني السابق محمد الفكي، السبت، لـ«سودان تربيون».
وقال إن قوى الثورة السودانية، ستعلن عن ترتيبات دستورية جديدة ورئيس وزراء مدني، لوضع العسكر أمام الأمر الواقع.
وأشار إلى أن رئيس الوزراء سيمنح صلاحيات واسعة لتشكيل حكومته دون أن يُفرض عليه أي شخص، شريطة أن يجري الأمر بالتشاور مع «قوى الثورة».
وحسب قوله، القوى المعنية بهذا التعيين هي الحرية والتغيير والحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام ولجان المقاومة وكيانات مدنية أخرى تقاوم الانقلاب، وإنها تنظر الآن في عدة ترشيحات لاختيار أحدهم رئيسا للوزراء.
وأكد أن رئيس الوزراء سيكون مسؤولا أمام البرلمان الانتقالي عن أداء الجهاز التنفيذي، متوقعًا إلغاء مجلس السيادة في الإعلان الدستوري الجديد الذي تعتزم الحرية والتغيير تقديم مسودته إلى قوى الثورة للتشاور حوله.
وشدد على ضرورة وضع تعريف محدد لمجلس الأمن والدفاع، خاصة في مسألة من يكون رئيسه، مبينا أنه يجب أن يكون رئيس الوزراء أو رئيس مجلس السيادة المدني حال شُكل الأخير في الترتيبات الدستورية الجديدة.
وأوضح أن الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام يجب التوصل معها إلى اتفاق بغض النظر عن وضعها الحالي، مبدياً، تخوفه من عدم حدوث ذلك.
وأضاف: «الشد والجذب بيننا والحركات سيكون حول مطالبتهم بالمشاركة في السُّلطة كسياسيين فيما مطلب الشارع هو حكومة مستقلة».
وبشأن الحزب الشيوعي الذي يرفض التواصل السياسي مع «الحرية والتغيير» قال الفكي إن «الشيوعي جزء من قوى الثورة وعلينا أن نجلس معًا لاختيار رئيس الوزراء».
وتابع: «الحزب الشيوعي أسس تحالفا جديدا ويمضي في اتجاهات أخرى، وعلى الرغم من عدم وجود تواصل بيننا إلا إننا نحفظ له حقه في المشاركة لاختيار رئيس الوزراء».
وأشار الى أن «الإعلان الدستوري الذي تنوي الحرية والتغيير تقديمه إلى قوى الثورة للتشاور حوله والإضافة والحذف، يتضمن هياكل سُّلطة الانتقال».
وأضاف: «الخلاف الآن حول السُّلطة، فالجميع متفق على استقلال القضاء والمواطنة مثلا، ويجب أن يطوى هذا الخلاف بمشاركة الجميع في اختيار رئيس الوزراء».
وتوقع أن يخفف المشهد السياسي المقبل – أي تشكيل حكومة مستقلة تكون مساءلتها أمام البرلمان ــ من خطاب ضرب الأحزاب الذي بدأ من فترة طويلة.
ورفض الكلام عن انحسار الدعم الشعبي للحرية والتغيير في الشارع، وقال إن الائتلاف ظل يرفع رصيده السياسي كل فترة، مستدلاً بالدعوات التي يتلقاها قادته للتحدث في منابر القوى المدنية الأخرى.
وأضاف: «نحن نرى أن العمل التحالفي أفضل، الحرية والتغيير لديها قدرة على العمل وتملك خطابا وقبولا دوليا مقبولين، وإذا كان الجميع يتجه إلى عمل تحالفات من الأسهل أن تتحالف مع ائتلاف موجود».
وزاد: «من يرفض العمل المشترك مع الحرية والتغيير يمكننا التنسيق ومن يمانع في هذا فلتعمل كل جهة بأدواتها، فإملاءات الحل غير مقبولة، وعلى الجميع تقديم تنازلات».
وأشار إلى أن «الائتلاف مستعد لتقديم تنازلات، كما قدم أخرى مثل اعترافه بحق مشاركة الجميع في تشكيل المشهد السياسي المقبل، إضافة إلى التنازل عن رؤيته بتشكيل حكومة من كوادر حزبية».
«تنظيم مخيف»
وعن العنف الذي قُوبلت به «الحرية والتغيير» في التظاهرات الذي نظمت الثلاثاء الفائت، قال: «الحرية والتغيير تنظيم مخيف لجهات كثيرة، لذلك تعمل على محاصرته وجعله في حالة دفاع عن مواقفه، لمنع عودته لقيادة الشارع لأنه يمتلك تقنيات في العمل السياسي والميداني».
يأتي ذلك في وقت قالت فيه تقارير محلية إن العسكر يجرون مشاورات مع حاضنتهم السياسية، للشروع في تكوين حكومة، لتغطية الفراغ الدستوري والحكومي في البلاد، والمستمر منذ انقلاب القائد العام للجيش السوداني على الحكومة الانتقالية، وإطاحته برئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك.
وفي 4 يوليو/ حزيران الماضي، أعلن القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان خروج العسكر من العملية السياسية التي تيسرها الآلية الثلاثية المشتركة المكونة من بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان(يونيتامس) والاتحاد الأفريقي وإيغاد، مطالبا المدنيين بالتوافق على حكومة مدنية تدير البلاد وصولا للانتخابات.
وقرر حل المجلس السيادي وتكوين مجلس للأمن والدفاع عقب تكوين الحكومة قال إنه سيكون معنيا بمهام الأمن والدفاع ومهام أخرى يتوافق حولها مع الحكومة المدنية.
وبعدها بيومين، أعفى البرهان الأعضاء المدنيين الخمسة في المجلس السيادي، بينما أبقى على القادة العسكريين الخمسة وثلاثة ممثلين للحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام.
ولاحقا، بعد ثلاثة أسابيع من خطاب البرهان، وبعد انتشار أنباء حول خلافات بينه وبين البرهان، قال نائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو «حميدتي» في بيان، إن قرارات البرهان الأخيرة جاءت بتنسيق معه.
وقال إنهما عملا سويا على صياغتها، وعبر تشاور مستمر، وبروح الفريق الواحد، وبنية صادقة لتوفير حلول للأزمة في البلاد مهما كلفهم ذلك من تنازلات.
وأكد أن العسكر لن يتمسكوا بالسلطة وسيتركونها للمدنيين، وأنهم سيتفرغون لأداء مهامهم للقوات النظامية التي نص عليها الدستور السوداني.
وأضاف في بيان أن السلطة العسكرية لن تتمسك بسلطة تؤدي إلى إراقة دماء المدنيين، مؤكدا صدق نواياهم في ترك السلطة للمدنيين.
وطالب من وصفهم بالوطنيين والشرفاء بالتكاتف والانتباه للمواطن التي تواجه البلاد والوصول لحلول سياسية عاجلة والتوافق على حكومة مدنية تدير شؤون البلاد.
وأضاف: لقد حان وقت تحكيم صوت العقل، ونبذ كل أشكال الصراع غير المجدي، والذي لن يربح فيه أحد غير أعداء الوطن ومن يتربصون به شرا.
ومنذ انقلاب العسكر على الحكومة الانتقالية في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قتل خلال قمع الأجهزة الأمنية للتظاهرات نحو 116 سودانيا، كان آخرهم في تظاهرات الثلاثاء الماضي، معظمهم قتلوا بالرصاص حسب لجنة اطباء المركزية، بينما اصيب ما يزيد عن 6000 حسب إحصاءات منظمة «حاضرين» الناشطة في علاج مصابي الثورة السودانية.