الرباط ـ «القدس العربي»: يوم بعد العاشر من محرم في المغرب لا يعني نهاية الاحتفال بعاشوراء، بل بداية أخرى لآخر ملامح هذا الطقس المجتمعي الذي يختلط فيه الديني الروحي باليومي المعيش.
الحادي عشر من محرم، هو موعد خروج الأطفال مصحوبين بـ«بابا عيشور»، وهو الند المغربي لـ«بابا نويل» إن صح التعبير.
التركيز على الأطفال ليس من باب الصدفة أو من باب أبوة «عيشور» المعنوية، بل يدخل في سياق أن احتفالات عاشوراء هي محض متعة للبراءة، كما أنها محض تحرر للنساء من المعتاد من قيود المجتمع.
عاشوراء في المغرب، ارتبطت بشكل مجتمعي بألعاب الأطفال المختلفة، والتي صارت عادة لازمة لكل أسرة يوجد فيها أطفال في سن اللعب، لكن أيضا عاشوراء هي بعض «الطعاريج» وتسمى أيضا «الدربوكة» إلى جانب «البنادر»، أي الدفوف المغربية، وما إلى ذلك من أنواع الآلات الموسيقية النقرية. طقس عاشوراء المغربي هو فرح متواصل يبدأ من فاتح محرم ويستمر إلى غاية الحادي عشر من الشهر نفسه موعد «بابا عيشور» الذي يختم الاحتفالات بجولة في الأزقة والأحياء ويمنح الأطفال متعة الفرح البريء الصبياني الذي يحن إليه الكبار.
تلك المسافة المتواصلة والتي تبلغ أحد عشر يوما، هي مسافة حبور مغربي بكل تأكيد، وأولى ملامحها تتجلى في تلك الأسواق الطارئة التي تنتشر في مختلف مدن المملكة، حيث تخصص أماكن عابرة، لكنها مؤثثة بشكل بهي لمحلات عبارة عن خيام ضخمة تضع بضاعتها التي هي عبارة عن فواكه جافة متنوعة، إضافة إلى الحلوى الملونة وكل ما له علاقة بالفرح الطفولي الذي يشترك فيه حتى الكبار وهم يقبلون عليها ويشترون ما يكفي حاجتهم وحاجة الضيوف أيضا، إذ لا يمكن أن تدخل بيتا مغربيا في فترة عاشوراء دون أن تزين المائدة بأنواع الفواكه الجافة، إنها كرم مغربي عادي، لكنها فرح مضاعف في هذه المناسبة.
تلك الفواكه الجافة المغاربة يسمونها «الفاكية»، ولا حاجة بنا لتبيان أنواعها واختلاف مذاقها وتوحدها فيما يقال من فوائد صحية تعود بالنفع على آكلها.
بين محلات الفواكه الجافة وتلك التي تخصص سلعها لألعاب الأطفال، تنتصب أخرى تبيع الآلات الموسيقية النقرية.
وللنساء في ذلك شؤون وغرضهن صناعة لحظة فرحة على مدار يوميات الاحتفال، وكل مساء تتجمع فتيات صغيرات وحتى مراهقات وبعضهن شابات في مقتبل العمر أمام أبواب منازلهن ويتبادلن العزف النقري بكلمات متوارثة بعضها يقول «عيشوري عيشوري عليك دليت شعوري» أي عليك أرخيت شعري، أو «هذا عيشور يا لالة ما علينا الحكام يا لالة». تلك أغان برنة ونغمة واحدة، لكنها تحمل الأجواء إلى مراتع الفرح المغربي. لن ننسى الحضور القوي للبخور والعطور وما جاورهما من روائح زكية وبعضها يخنق، خاصة تلك التي تقحمها بعض النسوة وهن قلائل في باب أعمال الشعوذة والسحر، كما هو حال بعض البلدان الأخرى، وليس المغرب في ذلك وحيدا في مثل هذه العادات المجتمعية السلبية.
من مستجدات احتفالات عاشوراء تلك الشهب النارية الاصطناعية التي تحاربها السلطات الأمنية المغربية، لما تسببه من حوادث ولضررها الكبير وعدم قانونيتها بالأساس. المستجد يظل عابرا، لكن الأصيل يبقى صامدا مثل «شعالة»، وهي نار يوقدها شبان في مقتبل العمر وسط الحي أو الدرب أو «الحومة» ويقفز بعضهم فوقها، هي لحظة طفولية ممزوجة بالخطر وذلك ما تعكف على محاربته مصالح الأمن المغربية.
«شعالة» ليست من وحي اللحظة بل هي متوارثة حسب المنقول من الشفوي، حين كانت المنافسة تحتد بين شبان الأحياء بهدف الفوز قفزا فوق تلك النار المشتعلة، وحديثا كانت هناك مآس تمثلت في الإصابة بالحروق وربما حتى الوفاة. كل هذه المسافة الاحتفالية تصل رأسا إلى يوم عاشوراء، وهو ما يصطلح عليه المغاربة بـ «يوم زمزم»، والاحالة هنا على الماء المقدس. ورغم أن الموروث يفيد بأن رش الماء هو عادة يهودية للأسر المغربية التي تعتنق هذه الديانة، فإن الكل خاصة الشبان ينخرطون فيه لعبا ولهوا، ويتراشقون فيما بينهم بل حتى العابرون والعابرات ينالهم نصيب من ماء «يوم زمزم».
لا أحد يعرف مصدر التراشق بالماء أو الرش به، المهم أنه أصبح طقسا مغربيا يرتبط بالاحتفال والفرح والخروج عن المعتاد في أيام غير عادية.
لم تفلح طيلة سنوات بعض الخرجات الدعوية لدعاة ينبهون إلى ما لبعض طقوس عاشوراء بالمغرب من «شِرك بالله» كما أوضح الداعية ياسين العمري في مقطع فيديو حديث، حيث أكد أن «شعالة» من احتفالات المجوس، وأن رش الماء من عادات اليهود، بل ذكر حتى بعض الممارسات التي تحادي النصرانية أيضا، وبالنسبة إليه فذلك «شرك بالله».
أما المغاربة فينهون احتفالاتهم كل يوم ويقصدون المساجد لأداء فرائضهم من الصلوات، ولا يؤثر في إيمانهم كل تلك التأويلات المتكررة كل سنة.