السودان: ذكرى توقيع الوثيقة الدستورية وسط صراع بين قطبي الانقلاب

ميعاد مبارك
حجم الخط
0

الخرطوم – «القدس العربي»: تمر، اليوم الأربعاء، الذكرى الثالثة للتوقيع على الوثيقة الدستورية، التي كان من المنتظر أن تصنع الطريق نحو التحول الديمقراطي في السودان، قبل أن يقطعه انقلاب الجيش على الحكومة الانتقالية في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وتتزامن الذكرى مع صراع خفي بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وقائد “الدعم السريع”، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ففيما يدعم الأخير، مجموعة “التوافق الوطني” التي أكدت ضرورة تكوين علاقة متزنة بين المدنيين والعسكريين وتنفيذ اتفاق السلام وإكمال هياكل الفترة الانتقالية، يدعم الأول،
مبادرة رجل الدين الصوفي الطيب ود بدر، والتي أوصت بدعم القوات المسلحة والعودة إلى دستور العام 2005.
وبعد شهور من التفاوض، بين الشق المدني الذي كان يمثله في ذلك الوقت المجلس المركزي لقوى”الحرية والتغيير” والشق العسكري (اللجنة الأمنية التي تولت السلطة عقب سقوط نظام الانقاذ)، وقع الجانبان اتفاق الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية في 17 أغسطس/ آب 2019.
وشهد الاحتفال، بتوقيع الوثيقة، حضور واسع للمجتمع الدولي والوسطاء الإقليميين لاسيما الاتحاد الافريقي ودولة إثيوبيا، بينما اكتظت الشوارع في مدن السودان المختلفة بمسيرات التأييد، للاتفاق الذي وصف وقتها بـ”التاريخي”.
ووفق الوثيقة، يتشارك المدنيين والعسكريين الحكم في الفترة الانتقالية، المحددة بـ39 شهرا، ضمن مجلس سيادي، على أن تكون رئاسته، للعسكر في النصف الأول من الفتلرة، وللمدنيين في النصف الثاني. ومن ضمن أبرز بنود الوثيقة، أن تتكون مستويات السلطة من مجلس سيادي  من 11 عضو(6 مدنيين و5 عسكريين) وأن يكون بصلاحيات تشريفية وسلطات تنفيذية محدودة ومجلس وزراء لا يتجاوز عدد أعضائه الـ(20)، ومجلس تشريعي يتم تكوينه في فترة أقصاها 90 يوماً من توقيع الاتفاق، على أن تخصص نسبة 67% من مقاعده لتحالف قوى “الحرية والتغيير”، وبقية المقاعد للقوى الأخرى ما عدا حزب المؤتمر الوطني المحلول.

لم يتم تكوينه

وتشمل مهام المجلس التشريعي الذي لم يتم تكوينه حتى انقلاب العسكر على السلطة، سن القوانين والتشريعات، ومراقبة أداء مجلس الوزراء ومساءلته وسحب الثقة منه أو من أحد أعضائه عند الاقتضاء، فضلا عن إجازة الموازنة العامة للدولة، بالإضافة إلى المصادقة على الاتفاقيات والمعاهدات الثنائية والإقليمية والدولية، وسن التشريعات واللوائح التي تنظم أعماله واختيار رئيس المجلس ونائبه ولجانه المتخصصة.
وأبرز مهام الفترة الانتقالية، وفق الوثيقة، تحقيق السلام في فترة لا تتجاوز الـ6 أشهر، بناء سياسة خارجية متوازنة، العمل على إصلاح القطاع الاقتصادي والقانوني وإنشاء آليات لوضع الدستور، بالإضافة إلى إصلاح الجيش ومحاسبة رموز النظام السابق.
كذلك كفلت الوثيقة، الحقوق والحريات العامة والمواطنة المتساوية لجميع السودانيين دون تمييز، والمساءلة في كل القضايا المتعلقة بانتهاك حقوق المواطن. ولاحقا، في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، أثارت التعديلات التي أعلنتها السلطات السودانية في الوثيقة الدستورية جدلا واسعا، خاصة وأنها جاءت في ظل غياب المجلس التشريعي. وجاءت التعديلات، بناء على مخرجات اتفاق السلام الموقع بين الحكومة الانتقالية ومجموعة من الحركات المسلحة والتنظيمات السياسية المعارضة، في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2020.
ومن أبرزها، تشكيل مجلس شركاء الفترة الانتقالية الذي تشمل مهامه تسوية الخلافات بين أطراف السلطة، وبدء حساب الفترة الانتقالية من تاريخ توقيع اتفاق السلام.
ونصت كذلك، على إدماج اتفاق السلام في الوثيقة الدستورية، وإنه في حال وجود تعارض بين حكم في الوثيقة وحكم في اتفاق السلام يسود الحكم الوارد في الاتفاق، بالإضافة إلى تعديل عدد أعضاء المجلس السيادي، ليصبحوا 14 بعد إضافة 3 من ممثلي المجموعات الموقعة على اتفاق السلام.
وبخصوص مجلس الوزراء، نصت التعديلات على منح مجموعة السلام 25% من المقاعد الوزارية، الأمر الذي قاد لاحقا إلى تكوين حكومة جديدة بديلة لحكومة التكنوقراط التي عينها عبر الله حمدوك في 9 فبراير/ شباط 2021، وتشكلت من قوى “الحرية والتغيير” ومجموعة السلام، فضلا عن وزيري الدفاع والداخلية من الجانب العسكري.
وقبل أيام من الموعد المحدد لتسليم العسكر رئاسة المجلس السيادي للمدنيين، نفذ البرهان انقلاباً عسكرياً أطاح بالشراكة الانتقالية في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وأعلن حالة الطوارئ في البلاد وتعليق العمل  بالمواد 11 و12 و15 و16 و24-3 و71 و72 من الوثيقة الدستورية.
ووفق المادة 11، يعتبر مجلس السيادة الانتقالي، رأس الدولة ورمز سيادتها ووحدتها وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة وقوات الدعم السريع والقوات النظامية الأخرى، ويتكون بالتوافق بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير. ونصت على أن يترأس العسكر الفترة الأولى من المرحلة الانتقالية المحددة بـ21 شهرا والمدنيين المرحلة الثانية المكونة 18 شهرا. وبتعليق هذه المادة، استحوذ البرهان على القيادة العليا للجيش بعد أن كان المجلس السيادي المكون من 14 عضو يقوم مجتمعا بهذا التكليف. أما المادة 12 من الوثيقة، فقد حددت اختصاصات مجلس السيادة ،والتي تتضمن إعلان حالة الحرب بناء على توصية من مجلس الأمن والدفاع، وأن يتم إعلان حالة الطوارئ بطلب من مجلس الوزراء شريطة ومصادقة المجلس التشريعي الانتقالي.
ونصت المادة 15 على أن مجلس الوزراء يتكون من رئيس وعدد من الوزراء لا يتجاوز الـ20 من كفاءات وطنية مستقلة، يعينهم رئيس الوزراء من قائمة مرشحي قوى إعلان “الحرية والتغيير” ويعتمدهم مجلس السيادة عدا وزيري الدفاع والداخلية اللذين يرشحهما الأعضاء العسكريون في مجلس السيادة، على أن تختار قوى إعلان “الحرية والتغيير” رئيس مجلس الوزراء ويعينه مجلس السيادة، بينما تكون مسؤولية الوزراء تضامنية وفردية أمام المجلس التشريعي الانتقالي عن أداء مجلس الوزراء والوزارات.
وطال التعليق كذلك المادة 16 التي نصت على تنفيذ رئيس الوزراء مهام الفترة الانتقالية وفق برنامج إعلان الحرية والتغيير الوارد في هذه الوثيقة، وأن يتولى مهام إيقاف الحروب والنزاعات وبناء السلام.
وتشمل كذلك اقتراح مشروعات القوانين ومشروع الموازنة العامة للدولة والمعاهدات الدولية والاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف، وضع الخطط والبرامج والسياسات الخاصة بالخدمة المدنية، وعملية تشكيل المفوضيات القومية المستقلة، بالإضافة إلى تعيين قادة الخدمة المدنية ومراقبة وتوجيه عمل أجهزة الدولة.
أما المادة 24، فتنص على أن يتكون المجلس التشريعي الانتقالي بنسبة 67% من  قوى إعلان الحرية والتغيير.
ووفق المادة 71، فإن أحكام الوثيقة الدستورية استمدت من الاتفاق السياسي الخاص بهياكل الحكم في الفترة الانتقالية، الموقع بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير، بينما نصت المادة 72 على أن يحل المجلس العسكري الانتقالي بأداء القسم الدستوري من قبل أعضاء مجلس السيادة. وبإلغاء البرهان المواد السبعة أعلاه، منح نفسه منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة وعلق الشراكة مع المجلس المركزي لـ”الحرية والتغيير”، في وقت أعاد المجلس العسكري المحلول وفق الوثيقة الدستورية.
وفي 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وقع البرهان اتفاقا ثنائيا مع رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، الذي كان رهن الإقامة الجبرية. واعتبر الاتفاق، الوثيقة الدستورية للعام  2019 والمعدلة في 2020، المرجعية الأساسية القائمة لاستكمال الفترة الانتقالية، مؤكدا على ضرورة تعديلها بالتوافق، بما يضمن مشاركة سياسية واسعة ما عدا حزب المؤتمر الوطني المحلول.
ونص الاتفاق، على أن الشراكة بين المدنيين والعسكريين هي الضامن لاستقرار وأمن البلاد، وضرورة إنفاذ الشراكة بروح وثقة، والالتزام بتكوين حكومة مدنية من التكنوقراط.

رفض الاتفاق

إلا أن الشارع السوداني رفض الاتفاق وخرج في تظاهرات رافضة للتسوية مع العسكر وتطالب حمدوك بالتراجع عن الاتفاق، الذي لم يصمد لأكثر من 6 أسابيع وانتهى باستقالة حمدوك في 2 يناير/ كانون الثاني الماضي.
ولاحقاً، رفعت لجان المقاومة شعارات رافضة للتفاوض والشراكة والشرعية للعسكر، وشرعت في عمل مواثيق سياسية تقوم على توحيدها خلال هذه الأيام. في وقت أعلنت قوى “الحرية والتغيير”، أنه لا عودة لاتفاق الوثيقة الدستورية التي اعتبرت إقرارها عودة لما قبل 25 أكتوبر والشراكة مع العسكر التي انتهت بالانقلاب.
وقالت إنها تعمل على إعلان سياسي جديد لقيادة المرحلة الانتقالية وإنهاء الانقلاب بالتوافق مع القوى الأخرى المناهضة للحكم العسكري.
في الأثناء، أكدت مجموعة التوافق الوطني القريبة من نائب المجلس السيادي محمد حمدان دقلو (حميدتي) والتي تضم مجموعة من الحركات المسلحة والأحزاب الصغيرة، توقيع مجموعة من القوى السياسية والمدنية إعلان سياسي أكد ضرورة تكوين علاقة متزنة بين المدنيين والعسكريين وتنفيذ اتفاق السلام واكمال هياكل الفترة الانتقالية.
أما مبادرة رجل الدين الصوفي الطيب ود بدر، القريب من البرهان، اختتمت الأحد مؤتمر دائرة مستديرة،  أوصت مخرجاته على اسناد القوات المسلحة  والعودة إلى دستور العام 2005.
وفي السياق، قال المحلل السياسي، عمر الفاروق لـ”القدس العربي”: إن مبادرة نداء أهل السودان التي يقودها البرهان من الظل تعمل في مواجهة مبادرة جماعة الميثاق، التي يقودها “حميدتي” من الظل، وتمثل بداية فك الارتباط بين تحالف المسلحين الحاكم في أعقاب انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وأضاف: بالمقابل، على ضفة المعارضة تحظى قوى الحرية والتغيير بدعم غربي غير واضح المعالم وتستعد لإطلاق مواثيق جديدة، أسوة بلجان المقاومة.
و بينما يقود الحزب “الشيوعي” مقاومة جذرية، تنتظر الحركة الشعبية – شمال بقيادة عبد العزيز الحلو حكومة الأمر الواقع بمبادئها فوق الدستورية كأساس للتفاوض، فيما يلوح عبد الواحد النور بورقة الحوار السوداني – السوداني عندما تتحسن الظروف السياسية نوعاً ما.
وتابع: “رغم ما يبدو أنه حمولات إيديولوجية أو عرقية، إلا أن الصراع بطبيعة الحال داخل معسكر تحالف المسلحين الحاكم، يدور حول الحفاظ على المكاسب، وتفادي الإبعاد من اللعبة السياسية، مع اعتزام البرهان ومن معه إنهاء الوضع السياسي الحالي بحل مجلس السيادة الانقلابي والذهاب إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة”.
ورأى أن “الصراع يدور، بشكل أساسي، على الوضع الدستوري، والوظائف العليا التي تؤثر في مسار الانتخابات المزمع إجراؤها في يناير/ كانون الثاني 2024 وإعادة تشكيل حكومة مسيطر عليها من كل طرف على حدة”.
ولفت إلى أن “إعلان دستوري جديد، أو إجراء تعديلات على الوثيقة الدستورية، والعودة لدستور السودان الانتقالي للعام 2005، يمثل مكمن الصراع وذروته”.
وبين أن انقلاب البرهان الذي يسميه بالإجراءات التصحيحية، يحاول جاهداً العودة إلى يوم 11 أبريل/ نيسان 2019، وبالتالي كل ما نشأ منذ يوم 12 أبريل/ نيسان هو هدف لما يسميها بالإجراءات التصحيحية، مشيرا إلى أن المستفيد الوحيد حالياً مما حدث بعد 11 أبريل/ نيسان، هو الدعم السريع والحركات المسلحة. وأكد أن ما يجري حالياً، بشكل حرفي، هو مماثلة لما حدث من يوم 12 أبريل/ نيسان 2019 حتى توقيع الوثيقة الدستورية في 17 أغسطس/ آب، مع فرق أنها عملية مُتحكم فيها من قبل الجيش.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية