الرباط ـ «القدس العربي»: تعيش فئات واسعة من المجتمع المغربي على وقع زيادات مهولة في أثمان المواد الاستهلاكية، الشيء الذي انعكس سلبا على القدرة الشرائية، وجعل الحكومة في وضع حرج بسبب الشعارات التي رفعت ضدها بوسائط التواصل الاجتماعي، وحتى ببعض سيارات الأجرة والشاحنات وحافلات النقل.
وهذه الأيام، تحسب الطبقتان الفقيرة والمتوسطة من الأسر المغربية ألف حساب للموسم الدراسي الجديد الذي يوشك على الانطلاق بعد أقل من أسبوعين، لا سيما نتيجة الحديث عن ارتفاع في سعر الكتاب المدرسي وندرة المقررات الدراسية الجاهزة؛ بالإضافة إلى المعاناة مع تسعيرة الفحوص الطبية، وكذا أسعار المحروقات التي لم تشهد سوى تراجع طفيف، بينما تتمسك العديد من محطات بيع بنزين السيارات في أقاليم البلاد بالثمن المرتفع.
وسعت هيئات نقابية ومهنية مغربية إلى امتصاص غضب محتمل للمواطنين حول الزيادة في أثمان الفحوص الطبية وكذا الكتاب المدرسي، حيث عملت كل من نقابة الطب الخاص وهيئة ناشري الكتب المدرسية ـ كل على حدة ـ على طمأنة المواطنين، نافيتين وجود أية زيادة مرتقبة.
وقال الدكتور الطيب حمضي، رئيس النقابة الوطنية للطب العام بالقطاع الخاص في المغرب، إن الهدف من الحوار مع وزارة الصحة والحماية الاجتماعية وصناديق التأمين والوكالة الوطنية للتأمين الصحي هو تخفيف تكاليف المصاريف الصحية عن كاهل الأسر.
وردًّا على الأخبار المتداولة في منصات التواصل الاجتماعي والتي «تتحدث عن مفاوضات لرفع تسعيرات الفحوص الطبية أو قرارات اتخذت في هدا الاتجاه»،أكد أنها «غير صحيحة تماما». وشدد الطبيب والباحث في السياسات والنظم الصحية ونائب رئيس الفدرالية الوطنية للصحة، على أن الهدف الأساس للحوار، يتمثل في «تخفيف عبء تكاليف المصاريف الصحية عن كاهل الأسر من جهة، وضمان التوازنات المالية لصناديق التأمين من أجل نجاعتها وديمومتها من جهة أخرى، بالإضافة إلى تسهيل الوصول إلى العلاج لكل المؤمنين في إطار مقاربة تشاركية».
وأشار في تصريح لـ«القدس العربي» إلى أن «النقابة الوطنية للطب العام، والتجمع النقابي الوطني لأطباء الأخصائيين بالقطاع الخاص، والنقابة الوطنية لأطباء القطاع الحر، والجمعية الوطنية للمصحات الخاصة، منخرطة منذ عدة أشهر في إطار مقاربة تشاركية في تنفيذ ومواكبة الرؤية الملكية والورشة الملكية بتعميم التغطية الصحية ومراجعة المنظومة الصحية، من خلال الانكباب على عدة ملفات من أجل المساهمة الفعلية في إنجاح هذه الورشة لصالح المواطنين والوطن».
وأوضح المتحدث أن «الهدف من المناقشات لرفع التعريفة الوطنية المرجعية أساسا هو تمكين المغاربة المؤمَّنين من استرداد تعويضات عن مصاريف علاجهم تلائم هذه المصاريف وليس كما هو الحال اليوم». وأعلن أنه في نهاية السنة سيكون كل المغاربة مستفيدين من التأمين الإجباري عن المرض.
وذكر حمضي أن «التعريفة الوطنية المرجعية المعمول بها حاليا تعود لسنة 2006 وكان مفروضا تجديدها كل ثلاث سنوات ولم يتم ذلك، ما يجعل اليوم المؤمَّنين يؤدون مصاريف من جيوبهم لا يتم استردادها عن طريق التعويضات، لأن هذه الأخيرة يتم احتسابها بناء على تعريفة 2006 عوض الكلفة الحقيقية. وهكذا يجد المؤمَّن نفسه عند الاستشفاء أو إجراء عملية جراحية مطالبا بتأدية مبالغ لا يتم تعويضه عنها إلا جزئيا».
لذلك، يبرز الخبير الصحي «فإن مراجعة التعريفة الوطنية المرجعية يهدف إلى الرفع من مبالغ التعويضات التي تصرفها صناديق التأمين للمؤمّنين لتكون مناسبة للكلفة الحقيقية، وليس رفع التسعيرة».
ولفت الانتباه إلى أن المناقشات تهدف أيضا «إلى ضمان التوازنات المالية لصناديق التأمين عن طريق أدوات طبية وليس أدوات محاسباتية». وأوضح أن «الأدوات المحاسباتية تتطلب إما رفع الاشتراكات أو خفض المصاريف أي التعويضات للحفاظ على التوازنات. بينما الأدوات الطبية تضمن ترشيد النفقات مع تجويد الخدمات بنفس التكلفة أو خفضها، والوقاية والتربية الصحية، والاتفاق على البروتوكولات العلاجية واحترامها، ورقمنة الملف الطبي، وتقنين مسار العلاج وعقلنته». وبالنسبة لحمضي، فإن «هذه الملفات كلها ستساهم في ضخ الشفافية في تعاملات القطاع الطبي الخاص ومحاربة السلوكيات الخاطئة التي تنتعش في إطار منظومة غير شفافة».
الناشرون والحكومة
على صعيد آخر، انتهت الأزمة التي خلقها ناشرو الكتب إثر إعلانهم شهر تموز/يوليو المنصرم عزمهم الزيادة في أثمان الكتب المدرسية بنسبة 25 في المئة، وأفادت صحيفة «العَلم» المغربية أنه بعد اجتماع هؤلاء بمسؤولي الوزارة حيث كانت الحكومة قد أعلنت نيتها عدم الزيادة في أثمان الكتب المدرسية، وأمام تشبث الناشرين والكتبيين بمطلبهم متذرعين بالغلاء، ساد جدل دام عدة أسابيع، وانتهى بعد إعلان الحكومة دعمها المباشر للناشرين، على أن تبقى الكتب بأثمنتها، وذلك ما أدى إلى انفراج الأزمة، علما بأنه قبل أسبوع لم تكن الكتب قد وصلت إلى المكتبات في الوقت الذي لم تبق إلا أسابيع عن انطلاق الموسم الدراسي المقبل، وهكذا بدأ تزويد المكتبات بالكتب بشكل تدريجي.
وأفاد المصدر المذكور أن الناشرين المغاربة قبلوا العرض الذي اقترحته الحكومة والمتمثل في تقديم دعم مالي مباشر لهم، مقابل الحفاظ على سعر الكتب، وهو العرض الذي ظلوا يرفضونه قبل تليين موقفهم ويعني قبول الناشرين بالحصول على الدعم المباشر من الحكومة عدم الزيادة في أسعار الكتب المدرسية، إذ ستباع بنفس السعر المعتمد سابقا.
وقدمت الحكومة للفاعلين في القطاع وعودا بالحصول على تعويض نظير عدم الزيادة في أسعار الكتب؛ ما جعل الناشرين ينطلقون في تزويد المكتبات بالكتب.
وكان الناشرون قد أعلنوا رفع سعر الكتاب المدرسي بنسبة 25 في المئة، معللين هذه الخطوة بارتفاع أسعار المواد الأولية، غير أن الحكومة رفضت القرار، ودخلت في مفاوضات أخرت تزويد المكتبات بالكتب، ما سيربك عمل الكتبيين إذ لم يتبق على انطلاق الموسم الدراسي سوى أقل من ثلاثة أسابيع.
ولاحظت صحيفة «العَلم» أن تأخر تزويد المكتبات الكتب خلّف مشكلة كبيرة للكتبيين، إذ أن الكتب المدرسية كانت تتوفر في المكتبات، سابقا، منذ نهاية شهر تموز/يوليو، أي قبل انطلاق الدخول المدرسي بأكثر من شهر.
وأمام وضعية التأخير، يلاحظ المصدر المشار إليه، فإن ما يتوفر عليه المغرب من كتب مدرسية لا تتعدى نسبتها خمسين في المئة، في انتظار التوصل بالباقي، وهذا يعني أنه سيكون هناك ضغط على المكتبات.
في السياق نفسه، سجلت صحيفة «بيان اليوم» أن عملية توزيع وإمداد المقررات المدرسية للمكتبات تشهد تأخرا بالمقارنة مع السنوات الماضية، حيث طالب العديد من المهنيين باتخاذ إجراءات عملية من شأنها تسريع عملية تزويد السوق المحلية بالحاجيات من الكتب واللوازم المدرسية، كما ارتفعت مطالب برلمانية للحكومة لتسريع عملية تزويد السوق بالمقررات الدراسية، تفاديا لوقوع أي ارتباك من شأنه أن يؤدي إلى تأخر انطلاق الموسم الدراسي في أحسن الظروف، حيث وجهت نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب في مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان) سؤالين كتابيين لوزير التعليم ووزير التجارة والصناعة حول تسريع عملية التزويد هاته.
والملاحظ أن معاناة الأسر المغربية التي يتلقى أبناؤها التعليم في المدارس الخاصة تزداد حدة، بالنظر إلى غلاء الكتب الدراسية المقررة في هذا الصنف، واشتراط كل مدرسة أو ثانوية لكتب بعينها، علما بأن جل هذه المقررات يُستورد من خارج المغرب خاصة من فرنسا.
التعليم والتنمية
وكان «المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي» (مؤسسة رسمية) قد أنجز دراسة حول موقع التعليم لدى الأسر المغربية، تطرق فيه إلى الإنفاق الكبير لهذه الأخيرة، سواء تعلق الأمر بنفقات ناتجة مباشرة عن النشاط المدرسي والتي يجب على الأسرة دفعها إما إلى المدرسة (الرسوم المدرسية، رسوم التسجيل والتأمين، رسوم جمعية أولياء أمور التلاميذ، المقصف وتكاليف الإقامة) أو الرسوم غير المتعلقة بالمؤسسة بشكل مباشر (تكاليف الملابس واللوازم المدرسية والنقل والدروس الخصوصية… وما إلى ذلك).
والمثير للانتباه، هو أنه رغم ثقل التكاليف الخاصة بالتعليم الخصوصي، فإن الدراسة سجلت أن 49.6 في المئة من المستجوبين يفضلون المدارس الخاصة و40.1 في المئة للمدارس الحكومية و10.3 في المئة يرون أن كلا الصنفين متماثلان.
وفي المناطق الحضرية يكون التفضيل أكثر للقطاع الخاص 55.2 في المئة بينما أن الميل في المناطق الريفية إلى القطاع الخاص هو 37.7 في المئة، ففي هذه البيئة تُفضل المدرسة العامة بنسبة 50.5 في المئة. وحسب الجنس، يفضل الذكور بشكل كبير المدارس الخاصة أكثر من الإناث 51.7 في المئة مقابل 47.4 في المئة على التوالي.
وأظهرت نتائج الدراسة أن هناك صلة بين التعليم ومستوى التنمية؛ ذلك أن مستوى تعليم الوالدين ودخل الأسرة ومكان الإقامة، يكون له تأثير على العلاقة التي تربط الأسر بالمدرسة وبتعليم الأطفال. إن مستوى مشاركة الأسر في التعليم وفي مدرسة أطفالها يؤثر على تطور هذه الأخيرة، وبالتالي على التنمية بشكل عام.
ومن ثم، يخلص البحث إلى التأكيد على أن أي تحسن في الظروف الاجتماعية والاقتصادية للأسر يساهم في تحسين تعليم الأطفال، والعكس صحيح. وهذا يعني أن المدرسة يجب أن ترقى إلى مستوى تحديات التنمية بقدر ما يعزز أداؤها التنمية، وأن التعليم الجيد يتيح تفجير إمكانات الأفراد ومؤهلاتهم.