الخرطوم ـ «القدس العربي»: طالبت دول الترويكا المملكة المتحدة والولايات المتحدة والنرويج والاتحاد الأوروبي، السلطات السودانية بالتعاون مع المحكمة الجنائية، مشيرة إلى تراجع هذا التعاون منذ انقلاب الجيش على الحكومة الانتقالية في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وقالت في بيان، أمس الخميس، إن “اتفاق السلام الموقع في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أشار بوضوح إلى أن المحكمة الجنائية الدولية لها دور مهم في تحقيق هذه العدالة، وأكد على التزام جميع الأطراف الموقعة بالتعاون الكامل وغير المحدود مع المحكمة فيما يتعلق بالأشخاص الذين صدرت بحقهم أوامر بالاعتقال”. وأشارت إلى أن “الحكومة الانتقالية، انطلاقاً من هذا المبدأ، عملت بشكل وثيق مع المحكمة الجنائية الدولية، مشيرة إلى “التراجع الملحوظ في هذا التعاون منذ الاستيلاء العسكري على السلطة”. ودعت السلطات السودانية الحالية إلى تجديد التعاون الكامل وغير المحدود مع المحكمة الجنائية تماشياً مع اتفاقية السلام ووفقاً لمذكرة التفاهم الموقعة في أغسطس / آب 2021 بين مكتب المدعي العام والسودان.
وجددت طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية، كريم خان، بأن توفر السلطات السودانية وصولاً دون عوائق إلى الشهود الذين حددتهم المحكمة، فضلاً عن الوثائق التي طلبتها المحكمة، داعية السلطات السودانية لمساعدة المحكمة الجنائية الدولية، في إنشاء مكتب ميداني في السودان، بناءً على طلب المحكمة.
واعتبرت تواصل المدعي العام، مع المجتمعات المحلية في دارفور بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على سقوط نظام البشير بمثابة “تذكير بأن ضحايا الجرائم الدولية ما زالوا ينتظرون العدالة”.
علامة بارزة
كذلك رحب البيان بالتقدم المحرز في محاكمة القيادي في قوات الجنجويد والدفاع الشعبي في نظام البشير، علي محمد علي عبد الرحمن (علي كوشيب) في لاهاي، معتبرة هذه المحاكمة “علامة بارزة في طريق تحقيق العدالة التي يستحقها الشعب السوداني”.
وعلى خلفية، إشارة المدعي العام للمحكمة الجنائية، إلى عدم رد السلطات السودانية على الطلبات التي تقدم بها مكتبه بخصوص مقابلة الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير وبقية المطلوبين للمحكمة الجنائية والاطلاع على بعض الوثائق الخاصة بالجيش، قالت وزارة العدل السودانية في بيان أمس إن “مدعي الجنائية لم يتقدم بأي طلب لمقابلة المطلوبين لدى المحكمة إبان زيارته الحالية للسودان”، مشيرة إلى أنها تلقت طلبا في يونيو/ حزيران الماضي من المحكمة الجنائية الدولية بشأن مقابلة المطلوبين، وتم الرد عليه آنذاك.
وقالت إنها تلقت عدداً من طلبات المساعدة من المحكمة في السابق، واستجابت لها جميعا، مؤكدة تعاون السلطات السودانية مع المحكمة الجنائية الدولية لتحقيق العدالة.
كذلك، ندد رئيس هيئة محامي دارفور، صالح محمود، بعدم تعاون السلطات السودانية في قضية المطلوبين للجنائية، مشيرا إلى أن عدم التعاون مع المحكمة الجنائية ليس جديدا، وأن السلطات السودانية ظلت تماطل في الصدد منذ عهد الرئيس المخلوع عمر البشير، والذي رفض تسليم أعوانه المطلوبين للجنائية قبل أن يصبح مطلوبا، مرورا بالحكومة الانتقالية والسلطات الحالية عقب الانقلاب.
وأشار إلى أن القادة العسكريين خلال الفترة الانتقالية، أعلنوا أنهم لن يسلموا البشير وبقية المطلوبين للجنائية، قبل أن يعود رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك.
وأضاف أن، منذ ذلك الوقت، لم تحدث أي خطوة لتنفيذ أوامر القبض ضد البشير وبقية المطلوبين والتي أصدرتها المحكمة الجنائية منذ نحو 20 عاما، لافتا إلى توقيع السلطات السودانية اتفاقيتي تعاون مع المحكمة الجنائية، بخصوص التعاون في تسليم المطلوبين وإنشاء مكتب للمدعي العام للمحكمة الجنائية في البلاد والسماح للمحققين بزيارة دارفور. وشدد على أن معيار قياس تعاون السلطات السودانية مع الجنائية، هو تسليم المطلوبين، وأن ما دون ذلك مسائل شكلية، مشيرا إلى أنه، لا يرى أي اتجاه لتنفيذ أوامر الجنائية من جانب السلطات. وتابع: أنه بقراءة الظرف الراهن وقرائن الأحوال، السلطات تقوم بالمماطلة فيما تنفيذ أوامر القبض على البشير وبقية المطلوبين، مشيرا إلى ضرورة استعانة مدعي المحكمة الجنائية بمجلس الأمن للضغط على المجلس العسكري بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
وتوقع أن توجه تهم بعرقلة العدالة الدولية لمعرقلي تحقيق العدالة في قضية جرائم دارفور، مشيرا إلى أنها واحدة من التهم الموجهة للبشير لجهة رفضه تسليم المطلوبين في عهده، بالإضافة إلى اتهامات أخرى تتعلق بجرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.
وأكد على استحالة انعقاد محاكمات للمطلوبين في السودان في ظل الظروف الراهنة وضعف القوانين المحلية وعدم مواءمتها بالقوانين الدولية ونقص القضاة الأكفاء فضلا عن المشكلات الأمنية وصعوبة حماية الشهود، مشددا على أن الملاذ الوحيد للضحايا لتحقيق العدالة هو المحكمة الجنائية في لاهاي. ولفت إلى عدم إمكانية تحقيق السلام دون تحقيق العدالة لملاين الضحايا في دارفور، مشيرا إلى أن اتفاق السلام أخفق فيما يلي تحقيق العدالة للضحايا وأن قادة الحركات المسلحة في ظل مشاركتهم السلطة مع قادة الانقلاب لن يكون لهم موقف مستقل في الصدد.
واختتم المدعي العام للمحكمة الجنائية كريم خان، أمس الأول زيارته للبلاد، والتي استمرت لخمسة أيام زار خلالها إقليم دارفور وعقد عدد من اللقاءات مع السلطات السودانية والناشطين الحقوقيين وضحايا الحرب.
وتعتبر هذه الزيارة الثانية من نوعها للمدعي العام للسودان منذ توليه منصبه في يونيو/ حزيران الماضي، حيث زار السودان، عقب ذلك بشهرين.
والإثنين قدم خان إحاطة مباشرة لمجلس الأمن من الخرطوم، أكد خلالها على ضرورة إيجاد طرق جماعية للمضي قدما، مطالبا مجلس الأمن النظر في عقد جلسة من السودان لمعرفة المزيد من خلال مقابلة الناجين.
وتعد هذه المرة الأولى في تاريخ المحكمة الجنائية الدولية التي يقدم فيها المدعي العام إحاطة لمجلس الأمن من بلد تجري فيها المحكمة تحقيقات. وقال خلال مخاطبته مجلس الأمن، أنه إذا لم يتم التعامل مع الانتهاكات التاريخية، الحالات المعروفة جيدا في السودان، فقد تستمر دورة الإفلات من العقاب، وتحدث دورات أخرى من العنف”، مشيرا إلى استمرار كابوس الضحايا وتجاربهم، إلى حد كبير، لأن العدالة والمساءلة الجادين لم يتم الإحساس بهما بالطريقة المطلوبة مثلما كان متوقعا، مشيرا إلى أن الحقيقة المجردة هي أن كابوس الآلاف من سكان دارفور لم ينته بعد.
ولفت خان خلال مؤتمر صحافي الأربعاء إلى تراجع تعاون السلطات السودانية مع الجنائية منذ انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وعدم الرد على طلبات مكتب المدعي العام بخصوص مقابلة البشير وبقية المطلوبين، المعتقلين في السودان منذ أبريل/ نيسان 2019، بالإضافة إلى طلبات أخرى متعلقة بالاطلاع على مستندات خاصة بالجيش مطلوبة في القضية.
وثائق تدين نظام البشير
وقالت المنسقية العامة للنازحين واللاجئين، في بيان، إنها سلمت مدعي الجنائية مطالب النازحين واللاجئين ووثائق تتضمن أسماء الضحايا ووثائق تثبت تورط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير في جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب في دارفور.
واندلعت الحرب في إقليم دارفور في عام 2003، بينما لا تزال تداعياتها مستمرة، حيث راح ضحيتها نحو 300 ألف قتيل فضلا عن نزوح ولجوء حوالى 3 ملايين، حسب إحصاءات الأمم المتحدة. وتواجه حكومة الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير اتهامات بارتكاب انتهاكات واسعة خلال حرب دارفور.
وفي 4 مارس/آذار من عام 2009، أصدرت الدائرة التمهيدية بالمحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق البشير، بناء على اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب. ولاحقا، أضافت الجنائية تهما أخرى للبشير تتعلق بارتكاب جرائم إبادة جماعية. وبالإضافة للبشير، تشمل قائمة المطلوبين للمحكمة الجنائية، وزير الدفاع السوداني الأسبق عبد الرحيم محمد حسين ووزير الداخلية الأسبق أحمد هارون، بينما سلم علي كوشيب الذي يعتبر من القادة البارزين لميليشيات الجنجويد وقوات الدفاع الشعبي، نفسه للجنائية في 9 يونيو/حزيران 2020، الأمر الذي وصفته المدعية العامة السابقة للمحكمة الجنائية فاتو بنسودا بالتطور المهم، حيث لا تزال متواصلة جلسات محاكمته التي بدأت في 5 أبريل/ نيسان 2022.
وفي 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2020 وقعت الحكومة الانتقالية اتفاق سلام مع مجموعة من التنظيمات المعارضة والمسلحة، شملت عددا من حركات دارفور.
إلا أن التداعيات الأمنية في الإقليم لا تزال مستمرة، حيث قتل خلال النزاعات المسلحة هناك، منذ انقلاب القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان، حوالى 300 شخص، حسب المنسقية العامة للنازحين واللاجئين.