تبدو الخريطة السائلة للتحالفات الإقليمية حبلى بتحولات قد تكون مفاجئة، بل وصادمة في ظل تطورات ديناميكية شملت قيادات وتوجهات استراتيجية لدول رئيسية في المنطقة.
وتمثل مصر قاسما مشتركا في «توافيق وتباديل» معقدة، خاصة بعد أن عقدت عمليا تحالفا استراتيجيا مع روسيا، بينما تراجع التأثير التقليدي للولايات المتحدة على سياساتها، كما أقر بذلك وزير الخارجية الأمريكي أمام الكونغرس أمس الاول. ولعل قيام مصر بتوجيه ضربة جوية لمعاقل تنظيم «داعش» الإرهابي في ليبيا، بدون إخبار أي طرف او استئذانه، دليل واضح على النهج الاستقلالي الذي يتبعه نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي. ويعرف كل من حضر مظاهرات الثلاثين من يونيو، أن الهتافات كانت تنقسم الى شقين متساويين، يطالب أولهما برحيل الرئيس المعزول محمد مرسي، فيما يندد الآخر بالولايات المتحدة، داعيا الى سقوط رئيسها باراك اوباما. ولا شك أن السيسي جعل أوباما يبدو أحمق وهو يقول إنه عازم على عزل روسيا دوليا، فيما كان رئيسها فلاديمير بوتين يحظى باستقبال يليق بقيصر رهيب في أهم عاصمة عربية، بعد تناول العشاء الرئاسي في برج الجزيرة المطل على النيل، ناهيك عن إبرام اتفاقات تشمل التعاون النووي والعسكري والصناعي، ما يمثل اختراقا استراتيجيا للدب الروسي في الشرق الاوسط، حيث فقدت الولايات المتحدة كثيرا من الاحترام بعد الشعبية والمصداقية والنفوذ. وبينما قام السيسي بزيارتين لروسيا وزيارة للصين التي يستعد لاستقبال رئيسها بعد شهرين في القاهرة، فإنه لم يقم بأي زيارة لواشنطن، واكتفى بلقاء اوباما على هامش أعمال الأمم المتحدة في نيويورك في الخريف الماضي.
ولم يكن غريبا ان يواجه التحرك المصري في مجلس الأمن الأسبوع الماضي لاتخاذ إجراءات عسكرية ضد تنظيم «داعش» في ليبيا معارضة امريكية مثيرة للدهشة، وهو التنظيم نفسه الذي تقوم الطائرات الامريكية بقصفه يوميا في العراق وسوريا.
وهكذا باتت العلاقات القديمة في مأزق تاريخي، فيما تتجه العلاقات الامريكية الايرانية الى انفراجة كبيرة في المستقبل القريب، مع التوقعات بالتوصل الى اتفاق نووي. إنها دورة كاملة للتحالفات في المنطقة، ربما كان يستحيل تخيلها قبل سنوات قليلة.
أما على صعيد العلاقات المصرية الإيرانية، فمن الانصاف القول إن طهران لم تتوقف أبدا عن السعي الى التطبيع مع القاهرة، مهما كان نوع النظام الحاكم فيها. وقد أقر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في حديث تلفزيوني مؤخرا، بأن طهران طرقت أبواب مصر مطولا في عهد الإخوان، وعرضت استثمارات ومساعدات اقتصادية بالمليارات، رغم مشاكلها الاقتصادية، إلا أن حرص محمد مرسي على عدم اغضاب السعودية وأمريكا، حال دون تطبيع العلاقات.
وبلا أدنى شك فإن «الغزل» الإيراني تواصل خلال عهد السيسي، بل وبدا اكثر صراحة، وهو ما بدا مؤخرا في التعزية الحارة التي قدمها الرئيس روحاني في ضحايا المجزرة الداعشية في ليبيا، وكذلك فعل السيد حسن نصرالله الذي خصص جزءا كبيرا منه للحديث عن مصر، حتى أنه كاد أن يعرض عليها إرسال قوات من حزب الله لمحاربة «داعش»، عندما قال «إننا جاهزون لخوض الحرب ضد التكفيريين على أي جبهة عربــــية أو إســـلامية إذا طلب منا ذلك».
أما التصريحات الايرانية عن «الاستعداد لدعم مصر في كل المجالات»، التي تحمل تلميحا لا يمكن اغفاله إلى التعاون النووي، فتكاد تكون «اكلشيها ثابتا» في طهران. وللمفارقة ان هذا الغزل لم «يبرد» حتى عندما كانت القاهرة تبدي امتنانها للمساعدات الخليجية بتصريح مكرر يقول «إن أمن الخليج من أمن مصر»، وكأنه يلمح الى مواجهة أي اعتداء إيراني على دول الخليج.
إلا أن ثمة غموض اصبح يكتنف سياسات السعودية بقيادتها الجديدة تجاه مصر، خاصة مع استقبال العاهل السعودي للرئيس التركي السبت المقبل، وسط تكهنات بان الرياض تعيد النظر في موقفها من الإخوان. وهو ما يجعل كثيرين في القاهرة يتساءلون إن كان حان الوقت لاعادة النظر في استمرار القطيعة مع ايران.
وليس المقصود هنا ان تستأنف القاهرة علاقاتها مع طهران كنوع من المكايدة السياسية، خاصة أن دول الخليج نفسها تطبع سياسيا بل واقتصاديا معها، بل لانه من غير المفهوم حتى في ظل استمرار التحالف المصري الخليجي، أن يستمر هذا الوضع الشاذ بين بلدين لا يشكك أحد في مدى محورية دورهما الاقليمي.
٭ كاتب مصري من أسرة «القدس العربي»
خالد الشامي
سيندم العرب الذين يقفون موقف العداء من إيران،موقف يدل على قصور في الرأية ،وقراءة خاطئة لتطور الأحداث في المنطقة العربية والعالم.وابرز أسباب ذلك أن سياسة الدول الكبرى ومن بينها إيران تقوم على فرق بحث متخصصة،بينما في الدول العربية غالبا ما تتخذ القرارات بصورة فردية من طرف الملك أو الرئيس أو الأمير وحتى دون استشارة أحد لطبيعة الحكم الفردي السائد في العالم العربي.أما المستشارون للحاكم فهم غالبا واجهة (ديكور)،إلى أن يسود الحكم الرشيد.
مقال رائع و تحليل دقيق كما عهدنا دائما في مقالات و محاضرات الصجفي و الكاتب الكبير خالد الشامي… اوافقه تماما في ضرورة عودة العلاقات مع ايران و فتح ملفات الخلافات معها من اجل حلها و اتمنى ايضا عودة العلاقات القوية مع كل الفرقاء في لبنان بما فيهم حزب الله المقاوم ولا يجب ان تنسى مصر انه لولا الدعم الايراني الغير محدود لسوريا في جميع المجالات الاقتصادية و العسكرية و السياسية لسقطت الدولة السورية و جيشها في شهورقليلة كما سقطت الدولة الليبية تحت ضربات حلف الناتو و ارهابييها
تسلم ايدك. ايران بلد كبير وان اختلفنا مع بعض سياساتها والافضل لمصر ودول الخليج ان تتحاور معها وان تكون هناك علاقات طبيعية معها . للاسف العرب لايتعلمون من اعدائهم. انظروا الى الاجتماعات الامريكية والاوروبية المستمرة مع الايرانيين رغم العداء بينهم. لكن تقول لمين ياسيدي.
ليس صحيحا فتور العلاقات الأمريكية المصرية حيث أنها علاقات إستراتيجية متينة على قول السيسي نفسه وما نلاحظه في وسائل الإعلام وبعض الإتصالات مع روسيا وغيرها والغمز لإيران إلاّ ظواهر تقتضيها المساحة الممنوحة لمصر لتأكيد إستقلاليتها إن القرار المصري لن يكون مستقلاً إلا بإعادة النظر في إتفاقية كامب ديفيد المشؤمة وعلينا أن نتذكر بأن الجيش المصر مقيد بعقيد قتالية صاغته أمريكا وإسرائيل .. ولكن نستطيع القول بأن محاولات السيسي بالإيحاء بغستقلال القرار المصري ربما سيكون بداية لتغيير جوهري في إتجاه عودة الإؤرادة المصرية الحقيقية واقول هذا مؤكداً بأنني لست إخواني ولا فلسطيني بل مواطن من المنطقة