بدأت التنبؤات حول بطء الاقتصاد العالمي تتحقق في الأشهر الأخيرة مثلما تم التعبير عنها في بيانات الاقتصاد الكلي في العالم، بالأساس بيانات الولايات المتحدة والصين. اقتصاد الولايات المتحدة سجل ربعاً آخر متواصلاً من النمو السلبي. الناتج تقلص 1.6 في المئة في الربع الأول من العام 2020 و0.9 في المئة في الربع الثاني في السنة الحالية. وسجل في الصين نمواً إيجابياً في الربع الثاني بنسبة 0.4 في المئة فقط مقابل تنبؤات سابقة بـ 1 في المئة. بيانات تموز تسلط الضوء على الربع الثالث، وتدل على أن هناك بطأ في الاقتصاد الثاني في العالم. بيانات الإنتاج الصناعي ارتفعت في تموز 3.8 في المئة مقابل توقع ارتفاع بـ 5 في المئة. رداً على ذلك، اتخذ البنك المركزي في الصين خطوة مفاجئة تعارض التوجه العالمي، وقام بخفض الفائدة إلى 3.65 في المئة.
المؤسسات الاقتصادية الدولية لم تجلس مكتوفة الأيدي إزاء هذه البيانات، وخفضت واحدة تلو الأخرى تنبؤات النمو العالمي مرة أخرى. البنك الدولي خفض توقع النمو إلى 2.9 في المئة مقابل توقع سابق، 4.1 في المئة؛ صندوق النقد الدولي خفض توقع النمو من 4.9 في المئة إلى 3.2 في المئة، في حين أن منظمة الدول المتقدمة OECD خفضت توقع النمو من 4.5 في المئة إلى 3 في المئة. وفي أوساط هذه المؤسسات الثلاث تم الاتفاق على أن التنبؤات قد تتدحرج نحو الأسفل في الأشهر القريبة القادمة. وهناك خوف من ركود طويل المدى.
لهذه البيانات البائسة ثلاثة عوامل رئيسية، أحدها يقوي الآخر، وتخلق عوامل أخرى.
1- التضخم: عودة التضخم إلى مركز المنصة بعد غياب أربعين سنة هي نتيجة متوقعة لسياسة نقدية ومالية توسعية، التي تم اتباعها عقب أزمة كورونا. ولكن إذا كانت بنوك رئيسية قد أسمعت ادعاءات بأن التضخم ظاهرة عارضة مؤقتة فقط، فقد تبين في العام 2022 أن هذه الظاهرة لا تتلاشى، وهي أعلى من التوقعات وتؤثر على معظم دول العالم.
قلق السياسيين وواضعي السياسات الأساسي هو أن تعمل الخطوات المطلوبة من أجل كبح التضخم العالي أيضاً على تكاسل النشاطات الاقتصادية في السوق. البنك المركزي في أمريكا رفع نسبة الفائدة إلى 2.5 في المئة (هذا صحيح حتى آب الماضي)، من صفر في بداية السنة الحالية. في بريطانيا كانت هناك خمسة ارتفاعات للفائدة منذ بداية السنة الحالية، وتبلغ الآن 1.75 في المئة. هناك خبراء يقولون بأن الخطوات التي اتُخذت غير متشددة بما فيه الكفاية، وقد تؤدي إلى ركود تضخمي، وتضخم مندمج مع نمو متدن (أو حتى سلبي) ونسبة بطالة مرتفعة. حسب رأيهم، يجب رفع الفائدة بشكل دراماتيكي أكثر لكبح التضخم العالي.
2- الحرب بين روسيا وأوكرانيا: لهذه الحرب تداعيات سلبية قوية على الاقتصاد، منها الخوف من انتشار القتال إلى مناطق أخرى. العقوبات المفروضة على الاقتصاد 11 من حيث حجمه في العالم تضر وستضر اقتصاد روسيا. وهي تؤثر أيضاً على دول العالم الأخرى. تقليص تصدير روسيا للغاز والنفط أدى إلى ارتفاع واضح في أسعار الطاقة في العالم، ودول الاتحاد الأوروبي التي قامت بالتطوير اعتماداً على الغاز الروسي، هي المتضررة الرئيسية. وأسعار المنتجات الزراعية ارتفعت بشكل دراماتيكي في أعقاب النصيب الرئيسي لروسيا وأوكرانيا في التصدير الزراعي (ثلث تصدير القمح العالمي). وإن غياب حل قريب للنزاع وتدهوره إلى فصل الشتاء القريب القادم يرفع المخاوف من أن الأسوأ ما زال أمامنا.
3- سلاسل التزويد: أزمة سلاسل التزويد التي مصدرها عدم التوازن بين العرض والطلب الذي حدث في فترة أزمة كورونا، استمر وبعمق في العام 2022 إلى جانب استمرار الجائحة. سياسة “صفر كورونا” التي اتبعتها حكومة الصين قادت إلى سلسلة طويلة جداً من الإغلاقات في أرجاء الدولة، بما في ذلك شنغهاي، القلب الاقتصادي والمالي للصين، وأثقلت على سلاسل التزويد التي هي في الأصل لم تعد إلى التوازن. أزمة المناخ تثقل على نقل البضائع، والحرب في أوكرانيا تثقل على سلاسل التزويد. هذه المشكلة تؤدي إلى تقليص عرض المنتجات وعوامل الإنتاج في المدى القصير، وبهذا تساهم في ارتفاع الأسعار وانخفاض الإنتاج والنمو الاقتصادي.
هذه العوامل تحول عامل عدم اليقين إلى عامل مهيمن في المناخ الاقتصادي الحالي، وتضر بالمكاسب الاقتصادية للمواطنين في معظم دول العالم. بشكل خاص، يبرز الانخفاض في تنبؤات النمو في الاقتصادات الكبرى.
تأثير ذلك على الاقتصاد الإسرائيلي
مقارنة مع باقي العالم، تظهر إسرائيل استقراراً اقتصادياً مثيراً للتقدير. توقعات التضخم في إسرائيل في العام 2022 هي 4 في المئة فقط. ويبدو أن النمو في إسرائيل، مقارنة مع اقتصادات دول العالم، بقي مستقراً في مستوى عال، تقريباً 5 في المئة. هذا الأداء حصل على ثناء المنظمات الاقتصادية الدولية، الأمر الذي سلط الضوء على إسهام الهايتيك في الصادرات والاستثمارات الأجنبية في إسرائيل.
هذا الثناء يتساوق مع المعطيات المتفائلة نسبياً التي نشرها بنك إسرائيل ووزارة المالية. بنك إسرائيل توقع نمو 5 في المئة في نهاية السنة. وحسب توقعات الاقتصادية الرئيسية في وزارة المالية، فسيكون النمو 4.9 في المئة؛ أي وتيرة نمو مرتفعة مقارنة مع العالم، ومع الدول المتقدمة بشكل خاص. معطيات الربع الثاني في 2022 أشارت إلى نمو مرتفع عند 6.8 في المئة. وثمة معطيات أخرى عرضت قوة اقتصاد إسرائيل في النصف الأول للسنة الحالية إزاء عدم اليقين العالمي. نسبة البطالة في حزيران كانت 3.4 في المئة فقط، وعادت إلى مستواها عشية أزمة كورونا. حسب المكتب المركزي للإحصاء، فإن التصدير من إسرائيل ارتفع بشكل حاد مقارنة مع الفترة الموازية من العام الماضي، في أعقاب تحرير طلبات كانت مجمدة بسبب أزمة كورونا ونمو في الهايتيك ونمو في سوق العقارات، وكانت المداخيل من الضرائب أعلى في النصف الأول للعام 50 مليار شيكل مقابل الفترة الموازية من العام الماضي. التوقعات حسب الاقتصادية الرئيسية في وزارة المالية هي جباية 456 مليار شيكل في الوقت الذي يبلغ فيه الفائض المتوقع في الميزانية هو 45 مليار شيكل (تقريباً الفائض هو 34 مليار شيكل).
في المقابل، تظهر التأثيرات العالمية في مؤشر الأسعار لشهر تموز الذي فاجأ إلى الأسوأ وسجل ارتفاعاً بنسبة 5.2 في المئة في الـ 12 شهراً الأخيرة. هكذا أيضاً مؤشر أسعار السكن الذي سجل ارتفاعاً بنسبة 17.8 في المئة، وهو رقم قياسي منذ 14 سنة. التضخم العالي في إسرائيل ما زال منخفضاً مقارنة مع العامل بفضل العوامل التي تكبحه، منها الشيكل القوي الذي يخفض ثمن الاستيراد لإسرائيل، والاعتماد على الغاز المحلي الذي يعمل على تحييد التأثيرات الخارجية. ولكن خوفاً من أن تخرج البطالة عن السيطرة وتصل إلى المستويات المرتفعة التي سجلت في دول متقدمة أخرى، رفع بنك إسرائيل الفائدة في آب إلى 2 في المئة مرة أخرى. لأن الاقتصاد يوجد تقريبا في حالة تشغيل كامل والنمو مرتفع ومستقر، فإنه خوف في إسرائيل (مقارنة مع خوف معظم دول العالم) من أن يؤدي رفع نسبة الفائدة بالاقتصاد إلى ركود تضخمي. إضافة إلى ذلك، في ضوء المعطيات عن نمو مرتفع في هذه السنة، ثمة توقعات بأن بنك إسرائيل سيرفع الفائدة مرة أخرى إلى 3 في المئة حتى نهاية السنة إذا كانت هذه الخطوة ضرورية لكبح ضغط التضخم. وإن خفض التضخم في إسرائيل مهم إزاء السياق الواسع الذي ينتمي إليه ارتفاع الأسعار الحالي. رغم التضخم المنخفض نسبياً، إلا أنها زادت مستوى غلاء المعيشة العالي في إسرائيل، الذي كان حتى قبل تأثير الأحداث العالمية الأخرى. الطبقات الضعيفة، التي تتعرض لضرر أكبر من كل ارتفاع في مؤشر الأسعار للمستهلك، تنتمي للقطاعات التي تعافت بصورة أقل من أزمة كورونا، الأمر الذي يزيد الشعور بالفجوات في المجتمع الإسرائيلي ويزيد من التوتر في المجتمع، لا سيما عشية الانتخابات وعدم الاستقرار السياسي.
المناعة لا تدوم إلى الأبد. وإسرائيل كاقتصاد صغير يعتمد على التجارة الدولية، من شأنها في الأشهر الأخيرة من السنة أن تشعر بشكل أكبر بتداعيات عدم اليقين الاقتصادي العالمي. حتى إذا كانت مؤشرات الاقتصاد الكلي لإسرائيل حالياً تثير الإعجاب، فيقدر بأننا سنبدأ في العام 2023 في رؤية تأثير الركود العالمي على اقتصاد إسرائيل أيضاً. على سبيل المثال، الإبطاء في أوروبا قد يؤدي في 2023 إلى انخفاض تصدير إسرائيل إلى هذه السوق، التي تشكل تقريباً أكثر من ثلث تصديرها. ولمواجهة هذه التحديات، على إسرائيل الاستمرار في اتباع سياسة اقتصادية مسؤولة إلى جانب السعي للتوسع إلى أسواق جديدة ليس لها فيها أي حضور قوي حتى الآن.
دول الخليج التي تنتج الطاقة لا تتضرر من الركود العالمي، ويتوقع أن تنمو بوتيرة 6 في المئة في 2022. لقد حان الوقت إلى أن تستغل إسرائيل علاقاتها الدبلوماسية مع بعض هذه الدول في إطار “اتفاقات إبراهيم”، وتوسع علاقاتها الاقتصادية معها. من المعطيات حول التجارة الدولية من العام 2022 يبدو أن إسرائيل قد لاحظت هذه الفرص. ففي النصف الأول من العام 2022 مقارنة مع النصف الأول من العام 2021 فإن التجارة مع الإمارات ارتفعت 117 في المئة ووصلت إلى 1.2 مليار دولار. والتجارة مع البحرين التي لم تكن موجودة حتى العام 2021 بدأت تتطور. إضافة إلى ذلك، زادت إسرائيل في 2022 حجم التجارة مع مصر (ارتفاع 49 في المئة مقارنة مع 2021) والأردن (ارتفاع يبلغ 48 في المئة مقارنة مع 2021). تعزيز العلاقات الاقتصادية مع أسواق جديدة سيزيد الاستقرار الاقتصادي في إسرائيل وسيزيد أيضاً المكاسب الاقتصادية لمواطنيها.
بقلم: تومر فدلون وستيفان كلور
نظرة عليا 31/8/2022
أصلا عرب التطبيع ما طبعوا مع دويلة الباطل إسرائيل المحتلة لأرض فلسطين إلا لأنهم طمعوا في أموالها ، فكيف لهم أن يعطوا أموالا لهذه الأخيرة وهي دويلة أصبحت على كف عفريت
نار ستحرق إسرائيل
من البحر الميت إلى البحر المتوسط، والله ينصر فلسطين و يهزم إسرائيل شر هزيمة يارب العالمين عاجلا غير آجل