تحرص الدول المستقلة حرصا شديدا على ما يسمى بأمنها القومي كونه يضمن استقلاليتها السياسية والاقتصادية والدفاعية.
ومن حيث المبدأ فالأمن القومي هو سيادة الدولة على أراضيها وثرواتها وتأمين حماية المواطن من أي خطر كان (داخليا، خارجيا، بيئيا، صحيا..) وقدرة الدولة على الدفاع عن نفسها بقوتها الذاتية وليس بالاستقواء بقوة خارجية لأنها نفسها ستتحول إلى قوة مهيمنة ومسيطرة.
وقد رأينا الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب كيف هدد الخليج بأمنه عندما طالب “بتعويض عن الحماية” وجعل من أمريكا كشركة تعمل على حماية دول بالمقابل المادي، وكان هذا بمثابة إعلان واضح عن افتقار دول الخليج للأمن القومي، والدول العربية بالإجمال.
الأنظمة الديكتاتورية
تعتبر الأنظمة الديكتاتورية التي تسيطر على الحكم بانقلابات عسكرية أن أمن النظام السياسي، رغم كل مثالبه، من الأمن القومي.
والنظام السوري كمثال اعتبر أن وجوده في الحكم رغم كل النكبات التي افتعلها هو من صلب الأمن القومي فكانت استراتيجيته هي حماية النظام وليس حماية الدولة، أو حماية الشعب، وحماية الأرض. وسوريا كما الدول العربية الأخرى كان التهديد الخارجي يأتيها من قوتين إقليميتين صاعدتين: دولة الاحتلال الإسرائيلي، وإيران.
وكانت مواجهتهما لا مفر منها لما يشكلانه من تهديد للأمن القومي العربي بشكل عام، فدولة الاحتلال اعتدت على فلسطين، ومصر، وسوريا، والعراق، والأردن، ولبنان، والسودان، واليمن، وانتهكت سيادة دول قامت فيها بعمليات اغتيال كما حصل في الأمارات العربية المتحدة. أو تجسس في أكثر من دولة عربية. أما إيران فدخلت في حرب مع العراق، وفي اليمن، وفي لبنان، وتدخلت في البحرين، والسعودية، وسوريا، والأردن.
ففي حرب حزيران/ يونيو 1967 تخلى النظام عن هضبة الجولان بأمر وزير الدفاع آنئذ حافظ الأسد ببلاغ رقم 66 الذي يعطي أمرا للجيش السوري بالانسحاب الطوعي من الجبهة، واعتبر النظام “البعثي” العسكري، أنه انتصر في الحرب لأن هدف دولة الاحتلال كان إسقاط النظام في سوريا، وهو أفشل مخططها حتى لو خسر كامل الجولان والحرب، ولكنه أنتصر ببقائه في الحكم.
واعتبر أن أمن النظام أكثر أهمية من الأمن القومي مع أن هذا النظام هو الذي ضرب طبول الحرب وادعى أنه من اليوم الأول للمواجهات سيأكل الجيش السوري وجبة عشاء في تل أبيب. وحتى في حرب تشرين الأول/ أكتوبر اعتبر النظام أنه انتصر رغم توغل جيش الاحتلال في الأراضي السورية السورية ووصل على بعد 40 كم من دمشق في منطقة سعسع.
وهنا أيضا النظام بقي صامدا واعتبر نفسه منتصرا رغم خسارة الأرض والحرب والدخول في مفاوضات كانت الأولى من نوعها مع القيادة الإسرائيلية ( مفاوضات فك الارتباط).
وغداة الحرب أطلق شعاره الشهير “التوازن الاستراتيجي” و”الصمود والتصدي”. وفي واقع الأمر أن ما حصل فعليا هو صمت الجبهة السورية وكأنها تحولت إلى مقبرة. بينما انشغل النظام في ضرب المقاومة الفلسطينية في لبنان وارتكاب مجزرة تل الزعتر، ونسج بدايات التحالف مع حركة أمل ثم حزب الله ومن خلفهما إيران بالطبع.
المقاومة والممانعة
الشعار الجديد لنظام الأسد الوريث للاستهلاك المحلي والعربي هو شعار”المقاومة والممانعة” لكن هذا الشعار لم يعكس الواقع على الأرض فأن تكون مقاوما وممانعا يجب أن تكون جهوزية الدول تامة على جميع الأصعدة بتأمين أمنها العسكري والاقتصادي والإنتاج بأنواعه المختلفة والموارد البشرية لتحقيق النصر وحماية الدولة من أي عدوان.
سوريا عانت من ضعف الاقتصاد والبنية التحتية وتفكك المجتمع بسبب أولا الفساد المستشري في الطبقة الحاكمة والتسلط على الموارد الأساسية وخاصة النفط الذي لم يكن يدخل في ميزانية الدولة، وعدم اهتمام النظام ببناء بينة تحتية حديثة ومتينة، مع تفكك البنية الاجتماعية بسبب تطويف الدولة عن طريق تحالف الأقليات الطائفية ضد الأكثرية السنية. وقد ظهر هذا جليا مع الشهور الأولى لاندلاع الثورة حيث لم يستطع النظام الوقوف في وجه الشعب السوري المطالب الحرية والكرامة إلا بلغة الرصاص والكيميائي، وعندما “تعسكرت” الثورة وظهر الجيش السوري الحر ثم الفصائل المسلحة استطاعوا بسرعة كبيرة السيطرة على ثلاثة أرباع مساحة سوريا. فكيف كان بإمكان هذا النظام أن يقاوم العدو الإسرائيلي؟ وقد اتضح هذا العجز بعدم القدرة على التصدي للطائرات الإسرائيلية والصواريخ التي تتجول في سماء سوريا في فسحات ليلية ونهارية وتقصف متى تشاء، وحيث تشاء في وتيرة شبه أسبوعية دون رد يذكر سوى بالجملة الشهيرة “الرد سياتي في الزمان والمكان المناسبين”.
استدعاء الأجنبي
في العام 2013 بدا النظام على وشك الانهيار، ولم يجد وسيلة أخرى سوى استدعاء الأجنبي ( روسيا وإيران وميليشياتهما) لنجدته حتى ولو كان على حساب أمن سوريا القومي، وما الاحتفال بالعلم الروسي مؤخرا في ساحة الأمويين في دمشق سوى انعكاس لمدى تبعية النظام للمنقذ الروسي الذي بات يحتفل بعلمه في قلب العاصمة دمشق ” قلب العروبة النابض” وذلك في الوقت الذي يقوم فيه الطيران الروسي بقصف المواقع السورية وقتل المدنيين، وخاصة الأطفال في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة بحجة محاربة الإرهاب. وبما أن أمن المواطن هو من الأمن القومي نجد أن المواطن السوري يفتقد للأمن على حياته ليس من عدو خارجي ولكن من النظام نفسه وأجهزته الأمنية التي قامت باعتقال أكثر من 200 ألف معتقل منذ بداية الثورة وقتلت منهم عشرات الآلاف تحت التعذيب وصور “قيصر” ومجزرة حي التضامن شاهدة على ذلك. بالإضافة إلى تهجير نصف الشعب السوري. أما الأمن الغذائي الذي يعد عنصرا أساسيا في الأمن القومي فإن الشعب السوري اليوم يعد من الشعوب الجائعة بسبب خفض الرواتب ( راتب الموظف 25 دولارا شهريا)، وانخفاض سعر الليرة ( الدولار يساوي 4500 ليرة سورية)، وارتفاع نسبة التضخم، وندرة المواد الغذائية، يضاف إليها فقدان التيار الكهربائي، والمحروقات، وسوء الخدمات الصحية. وتقع سوريا اليوم تحت سيطرة كل من أمريكا، وروسيا، وإيران، وتركيا، وإسرائيل، ولا يزال النظام وحليفه حزب الله يطلقان شعار “المقاومة والممانعة”.
كاتب سوري
شكرًا أخي رياض معسعس. تمامًا تمامًا!
وفي أخر تصريح على الغارات الإسرائيلية قال وزير خارجية النظام “سيدفع الإسرائيليون الثمن عاجلًا أم أجلًا” ههه عبارة جديدة تدعو للسخرية كسابقتها نحتفظ بحق الرد! لكن يبدو أن المقداد نفسه سئم من العبارة السابقة التي تم تكرارها على مدى سنين.