مصر ليست للبيع… وقيادتها تدرك غضب الجماهير… والاهتمام بحقوق المسنين قضية مجتمع بأكمله

حسام عبد البصير
حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي» : بين تودد لـ”الرغيف” كي لا يفارقنا للأبد بسبب ما يعده صندوق النقد الدولي لنا من إجراءات قاسية، قد يكون من بينها رفع الدعم عن المواد الأساسية، وغضب شعبي متزايد من الحكومة التي لا تبلي بلاء حسنا في الأزمة التي تواجهنا، راوح كتاب صحف أمس الجمعة 2 سبتمبر/أيلول بين منتقد لمجلس الوزراء بسبب ما وصلنا إليه من “نكبة”، ومدافع عنه مشددا على أن الحكومة لا تملك أفكارا خارج الصندوق للتعامل مع الغلاء، شأن العديد من حكومات العالم. وسعى كتاب لتحميل قوى المعارضة جزءاً كبيراً من أسباب النكبة، جنبا إلى جنب مع الحرب على أوكرانيا، وقبلها الفيروس القاتل، الذي أوقف حركة الحياة في الكثير من بلدان العالم.. ومن أخبار البرلمان: شارك المستشار الدكتور حنفي جبالي رئيس مجلس النواب في أعمال المؤتمر السنوي الـ11 لرؤساء البرلمانات الافريقية، المُنعقد في جنوب افريقيا، وقد ألقى الجبالي كلمة بشأن الموضوع الرئيسي للمؤتمر وهو ” تعزيز المرونة في التغذية والأمن الغذائي في القارة الافريقية”.
ومن أخبار الحكومة: اجتمعت الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة والسيد القصير وزير الزراعة واللواء هشام آمنة وزير التنمية المحلية، لاستعراض ومناقشة خطة مواجهة نوبات تلوث الهواء الحادة 2022 المعروفة إعلاميا بـ(السحابة السوداء)، وتحديد مهام ومسؤوليات الجهات كافة المشاركة في المنظومة.. وأشادت الدكتورة ياسمين فؤاد في بداية الاجتماع بالنجاح الذي حققته منظومة مواجهة نوبات تلوث الهواء الحادة خلال العام الماضي مشيرة إلى أن تلك الجهود ساهمت في تحويل التحدي الكبير إلى فرصة اقتصادية، وتحويل الأزمة إلى منتج اقتصادي يدر عائدا ماديا بدلا من حرقه مسببا انبعاثات ملوثة للهواء.
ومن الأخبار الطبية: قال الدكتور أسامة حمدي، أستاذ أمراض الباطنة والسكر في جامعة هارفارد الأمريكية، أنه جرى تحديد موقع للمركز العالمي لعلاج السكر في القاهرة، وسيكون الأكبر في الشرق الأوسط، ومن المستهدف أن يعالج المركز 40 ألف مريض بتكلفة 480 مليون دولار استثمارات مصرية – عربية. ومن اخبار الحوادث: لقيت سيدة وابنتها مصرعهما فيما أصيب 10 أشخاص أخرين بإصابات متنوعة متوسطة وخطيرة، إثر تعرضهم لحادث تصادم قطار بسيارة ميكروباص أمام مزلقان قرية كفر أكياد مركز فاقوس.
قد نعبر الأزمة

البداية مع الأزمة التي تحيط بنا، إذ يزعم أحمد الشامي في “الجمهورية” قدرتنا على تجاوز “النكبة”: يزعم بعض المشككين أن مصر غير قادرة على عبور الأزمة الاقتصادية العالمية، وأن بعض أصول الشركات معروضة للبيع لسد بعض الالتزامات الحكومية الضرورية، يضعون سيناريوهات السقوط المدوي، ويحددون ساعة الصفر للانهيار الكبير، ويقررون معايير وأسباب الهدم المنتظر، لكن لا يعلمون أن مصر ليست للبيع، وأنها أقوى من المتربصين وأغنى مما يظن هؤلاء الكارهون المبتزون، الذين يقارنون بين أوروبا والدول العربية عموما، ومن بينها مصر متهمين إياها بالتخلف والتأخر في توقيت انطلاق قطار الإصلاح ما أدى لعدم تحقيق طموحات الشعب، ونسوا أن هذه المقارنة ظالمة. عذرا أيها المشككون أعلم أنكم لستم فوق مستوى الشبهات، بل تكرهون الوطن وعلى استعداد لأن تعرضوه للبيع على أقرب رصيف بحثاُ عن أوراق البنكنوت، لم يكفِكم ما حصلتم عليه من أموال طوال السنوات الماضية، لأنكم لا تعرفون قيمة الشبع، لأنكم تربيتم على الحرام وتصرون على أن تكون أياديكم ملوثة بالخبث وحياتكم خارج نطاق القانون، انظروا إلى ما تحقق من إنجازات على أرض مصر في وقت قياسي، شاهدوا العاصمة الإدارية، تجولوا في العلمين الجديدة، درة التاج لمدن البحر المتوسط، اسألوا كيف حفر المصريون قناة السويس الجديدة في عام واحد، وشيدوا 20 مدينة ذكية من الجيل الرابع، ومشروع إسكان الأسمرات في المقطم، بتمويل من صندوق تحيا مصر، واستزرعوا المليون ونصف المليون فدان، راجعوا أفكاركم التخريبية الهدامة، ومروا على التجمعات السكانية الجديدة التي كانت بؤرا للعشوائيات، لقد أعاد الرئيس عبدالفتاح السيسي، بناء مصر المدنية الحديثة في وقت قياسي.

ليس بالتعويم وحده

ومع الأزمة الاقتصادية الخانقة التي اهتمت بها نادين عبد الله في “المصري اليوم”: دائما ما يدعو صندوق النقد الدولي إلى تعويم العملة. والهدف من ذلك، وفقا لمنطق السياسات الاقتصادية النيوليبرالية التي يتبعها الصندوق، هو جعل الدولة التي تلجأ إليه قادرة على المنافسة في الأسواق العالمية لأنها ستكون قادرة على التصدير بسعر أرخص. وعلى الرغم من أن هذا التصور نظريا منطقي، إلا أنه يفتقر إلى معرفة الواقع الخاص بكل دولة. فكيف يمكن أن تستفيد الدولة وقطاعها الخاص من هذا التعويم، إذا كان سيدفع إلى رفع سعر المواد المستوردة اللازمة في عملية تصنيع المنتجات المستهدف تصديرها في الأصل؟ وكيف يمكن الاستفادة من فكرة التصدير نفسها إذا كانت الدولة، موضوع الحديث، تعتمد على القطاعات الخدمية وقدراتها التصنيعية ضعيفة؟ فعليا، مثل هذا التصور الذي يقوم على فكرة أن التعويم سيدفع إلى ارتفاع معدلات التصدير هكذا، وكأنها عصا سحرية هو تصور ساذج.. فزيادة الصادرات تتطلب اتباع سياسات صناعية أو تصنيعية، أما تعويم العملة فربما يكون خطوة لاحقة لو لازمة.. لكن ما المقصود بـ«السياسات الصناعية»؟ هي عادة حزمةٌ من السياسات المترابطة التي تضعها الدولة بهدف حماية صناعات استراتيجية معينة، وتقديم الدعم الفني والتقني واللوجستي، وربما المادي اللازم للقائمين عليها بشكل يرفع من كفاءتها، فيجعلها قادرة على المنافسة عالميا. وهو ما فعلته دول مثل النمور الآسيوية، التي حققت نهضة اقتصادية جبارة في العقود الماضية، من دون أن تنصاع إلى وصفات الصندوق. فقد ركزت كوريا الجنوبية مثلا على بناء رؤية تقوم على اختيار قطاعات صناعية معينة لتكون ضمن خطة الدولة التنموية والتصديرية. وهنا، قامت بتقديم ميزات تحفيزية ودعم للمستثمرين ورجال الأعمال المحليين لتشجيعهم على التصنيع والتصدير، بدلا من الاكتفاء بالاستثمار في العقارات وغيرها من القطاعات غير المنتجة.. كما قامت بضمهم في تجمعات عملاقة تقع في نطاق مكاني واحد، ما ساهم في بناء القدرات التكنولوجية والفنية لهذه المجموعات، وساعد على زيادة معدلات المنافسة والتصدير.

للرغيف.. لا ترحل

اختار عمار علي حسن أن يوجه رسالة لأغلى ما في الحياة بالنسبة للمصريين عبر موقع “المنصة”: لا شك في أنك تشعر الآن بزهوٍ شديد، تتيه به على الماضي والحاضر والمستقبل، وتفتخر به على الدنيا من أقصاها إلى أدناها، بعد أن صرت أنت المنى والطلب، وصاحب الشعبية الجارفة، والشرعية الحقيقية، بلا أي تزوير، وصرت الرمز والمعنى والشيء المادي الملموس، الذي يقف أمامك شعب أول دولة في تاريخ الإنسانية، وتنحني على أعتابك الساخنة هامات أحفاد من شيدوا بنيان أعرق حضارة عرفها البشر. وفي سبيل الوصول إلى رحابك، أو محاولة مس أطرافك الطرية، قد يسقط المتزاحمون عليك، بين قتيل وجريح، شهداء أحياء عند ربهم يرزقون، بفضل فتوى أحد شيوخنا، وضحايا أرباب السلطة وأصحاب الاحتكارات، حسب ما يقتنع به الناس. لكنَّ الشهداء والضحايا وكل من يشهد لوعتهم من أجلك يُقرُّون جميعا بأن كلمة “العيش” تلازمك، فتصبح دوما “رغيف العيش”، وكأنَّ الدم سائل الحياة وأنت مادتها الصلبة.
أنت تعلم أننا شعب صبور، نتسامح في أشياء كثيرة، ما دمنا نجد مقومات الحياة الضرورية، التي أنت عمادها وأساسها، فلا يحفل أغلبنا بمن يركب ومن ينزل، ولا بمن يتم تثبيته ومن تتم إزاحته، فالأيام تجري ويداولها الله بين الناس، ويداولها السلاطين بين المنتفعين من عروشهم وكروشهم، وأنت مهما تبدَّلت وتغيَّرت الأحوال، لك وضعك ومكانك في بطوننا ونفوسنا، وبفضل توجيهاتك لمعدات خاوية، يتحرك كل شيء في أجسادنا، فندبُّ على الأرض دبيبا يسمعه حتى من به صمم، ونعرف منه أننا لا نزال على قيد الحياة، ولا تزال هناك دولة نعيش فيها، ورغم أن القائمين على أمرها لا يعملون ما هو مطلوب من أجل أن تعيش فينا، فإننا نتحسس أجسادنا التي تنمو بفضل وجودك يا سيدي الرغيف، ونقول لأنفسنا بملء الأفواه: لا يزال في العمر بقية، ولا يزال الأمل قائما.

مقامك رفيع

واصل عمار علي حسن تودده للرغيف: لا شك أنك تعلم وتدرك وتفهم كل ما يجري الآن من مخاوف وهواجس حول فرص الوصول إليك مستقبلا في بلادنا. هكذا يقال لنا، ولا بد من أنك سمعت وعرفت، قبل ثورة يناير/كانون الثاني المجيدة، كيف كان أئمة المساجد ينادون الأهالي عبر مكبرات الصوت كي يجتمعوا بعد الصلاة ليتدارسوا كيفية تحقيق هذا الوصول، وعرفت أيامها كيف أن قيادات شعبية في بعض المحافظات اتفقت على طباعة كروت ذكية للأهالي حتى يحصلوا عليك، حسب التقسيم الجغرافي للمناطق المحيطة بالمخابز، وكيف تهكمت أنا شخصيا في ذلك الأوان، وطالبت بالتفكير في إنشاء مكتب تنسيق ينظم هذه العملية على أفضل وجه ممكن. ولا بد من أنك عرفت يا سيدي أن إدارة تموين مركز السنبلاوين في محافظة الدقهلية اشترطت وقتها حمل المواطنين بطاقات الرقم القومي للحصول على الخبز من مخابز المدينة، بل إنها طالبت أبناء المحافظات الأخرى المقيمين في السنبلاوين، باعتبارهم وافدين، بإحضار عقود إيجار موثقة بالشهر العقاري حتى يمكنهم التسجيل في كشوف الخبز، فإن لم يفعلوا، فليس أمامهم من مخرج سوى التوجه إلى محافظاتهم للتسجيل هناك. ووصلك أيامها أيضا خبر محافظ بني سويف الذي وقف ذات يوم ساعتين متنكرا في طابور خبز يمتد لعشرات الأمتار، ولم يتقدم ولو شبرا واحدا، لأن الخبز يتم تكديسه لبيعه في السوق السوداء، فعرف الرجل وآمن بما يؤمن به الناس، وانهال على رؤوس أصحاب المخبز بعصا غليظة. أنت تعرف كل ما سبق، لأنك وفيٌ لتاريخك المجيد، تعرف وتخشى من أن يأتي ما كان بالأمس إلى اليوم، ثم إلى الغد. لأنك تدرك أنك تسري في مخابز أمة لا تكفي نفسها خبزا، ولا غير الخبز. وهي التي كانت في سالف الدهر تفتح كفيها ليأكل العالم كله. أنت تعرف لأنك تتابع مصيرك جيدا، وربما تتساءل عما إذا كان من المضحك أم من المبكي أن نلجأ إلى الهند كي نحصل عليك، وهي البلد التي يبلغ عدد سكانها 15 ضعف عددنا.

غلاء مزيف

نبقى مع المحنة الاقتصادية بصحبة محمد أحمد طنطاوي في “اليوم السابع”: “التاجر أو المسؤول عن إنتاج السلعة أو الخدمة ويحاول تصدير فكرة الغلاء من أجل رفع الأسعار يتعرض لغرامات مالية تصل إلى 100 مليون جنيه”، هذا جزء من العقوبات التي حددها جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية في القانون المنظم لعمله رقم 3 لسنة 2005، من أجل مواجهة الفوضى التي يحاول البعض إثارتها، استغلالا للأزمة الاقتصادية العالمية، والمبالغة في تأثيراتها المحلية بصورة تؤدي إلى رفع الأسعار وزيادات غير حقيقية، وعمليات احتكار منظمة، تقود إلى اضطراب الأسواق. تصدير فكرة الغلاء من أجل تحقيق مكاسب أمر شديد الضرر بالاقتصاد القومي، ويدفع الأسواق نحو المزيد من الركود، ويزيد على الدولة أعباء وتكاليف فاتورة الحماية الاجتماعية، ويسهم بصورة غير مباشرة في نقص المعروض من السلع، نتيجة الأطماع المنتظرة في ارتفاعات الأسعار المستقبلية، وهذا ما تابعناه على مدار الأيام الماضية من جانب أصحاب المصالح في عدد من الغرف الصناعية والتجارية، التي تحاول تبرير نقص بعض السلع لرفع أسعارها بنسب وأرقام محددة. بعض الصحف نقلت تصريحات لمسؤولين في الغرف التجارية والاتحادات الصناعية، تحمل إشارات واضحة لرفع الأسعار في بعض السلع والخدمات، وقد رصد جهاز حماية المنافسة، ومنع الممارسات الاحتكارية العديد من التصريحات الإعلامية لبعض المسؤولين في هذه الغرف تشير لارتفاع الأسعار، سواء بتحديد سعر معين أو نسبة مئوية للزيادة، وهو ما يشكل مخالفة لأحكام القانون، خاصة أن المادة السادسة تشير إلى جريمة “الإشارة السعرية” باعتبارها أحد الاتفاقات بين المتنافسين، القانون المصري يضع “الشريك في الجريمة” في موقع الفاعل الأصلي نفسه، لذلك يجب أن تترفع وسائل الإعلام عن نشر أي بيانات أو أخبار من شأنها تصدير فكرة الغلاء، أو تبرير رفع الأسعار، أو الحديث عن نقص مخزون بعض السلع والخامات، فنحن جميعا في سفينة واحدة، وواجبنا الوطني يحتم علينا أن نصل بهذه السفينة إلى بر الأمان.

نصف شهر

لفت نظر الدكتور محمد حسن البنا في “الأخبار” الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا بمعاقبة موظف أساء معاملة صاحب معاش، حيث رفض الطعن المقام من رئيس منفذ صرف المعاشات في منطقة التأمينات والمعاشات في المنيا، لأنه أمسك بمسن صاحب معاش من معصمه ودفعه على المواطنين لدى قيامه بصرف معاشه، وتعدى عليه بالألفاظ غير اللائقة بسبب جلوسه لعدم قدرته على الوقوف في الطابور. ولم يراع الظروف النفسية الصعبة لحزنه على وفاة نجله. عاقبته بخصم أجر نصف شهر من راتبه حتى يحسن معاملة أصحاب المعاشات. المحكمة وضعت مبادئ على اعتبار أن الاهتمام بحقوق المسنين قضية مجتمع بأكمله. ويحظر جميع الانتهاكات التي يتعرض لها المسنون في حقوقهم، خاصة سوء المعاملة والمساس بالكرامة. قالت: يجب احترام المسنين ورعايتهم ومساعدتهم واحترام تجربتهم في الحياة. واعتبرت أن سوء معاملة المسنين لها عواقبها الوخيمة على الصحة النفسية والجسدية. أكدت أن المسنين يمثلون تاريخ بلادنا، ويجب ألا تجرح كرامتهم وهم في هذه السن. ويجب احترامهم ومحاربة كل أشكال العنف ضدهم، خاصة الأفعال القولية مثل السب والشتم. وأضافت أن النظرة إلى كبار السن وأصحاب المعاشات في المجتمعات الحديثة لم تعد نظرة إهمال أو شفقة، بل نظرة اهتمام ورعاية متميزة. وقد اعترفت المواثيق الدولية والدستور المصري بحق المسنين على المجتمع. والدولة منحتهم حقوقهم من الرعاية والحب، ما يخفف عنهم عبء أزمة التقاعد وفقدان العمل الذي يشعر المرء بأهميته وسط مجتمعه. المحكمة اعتبرت أن مسؤولية احترام حقوق المسنين وأصحاب المعاشات مسؤولية المجتمع ككل. لهذا تقدم الدولة الرعاية لهم معيشيا وصحيا ونفسيا، وقدموا لهم كل ما يساعدهم على جعل الحلقة الأخيرة من حياتهم فترة مريحة وممتعة، ليستعيدوا ثقتهم بأنفسهم. هنا تظهر أهمية دور المجتمع في حسن المعاملة.

تراجع محير

فى خضم المشكلات الكثيرة التي يعانى منها الوطن العربي في الوقت الراهن، من المؤكد أن أسئلة كثيرة يمكن لها أن تثار محورها وفق رؤية عمرو هاشم ربيع عمرو في “الشروق”: أين دور مصر من تلك المشكلات؟ السؤال بالتأكيد يرتبط بالدور الإقليمي الذي يعني سلوك الدولة، معبرا عنه في السياسة الخارجية التي ينتهجها نظامها السياسي القائم. هذا الدور بشكل عام يرتبط بواحد أو بعض أو كل المعطيات الطبيعية والبشرية التالية: أولا: الريادة التقليدية للدولة المعبر عنها في ماضيها البعيد والمتوسط المدى، وهنا بالتأكيد سيكون لحضارة الدولة ومكانتها التاريخية العامل الحاسم في تقرير تلك الريادة القديمة. ولا شك في أن مصر تتمتع بتلك الريادة التي تشكل لها فرصة كبيرة للتفاعل مع مشكلات إقليمها، فالثقافة والفن والعلوم والعطاء الإقليمي، من مساعدات مادية ولوجستية من المنظور التاريخي سيكون له السبق في تقرير رؤية النظام السياسي القائم ورؤية الغير له في حتمية بقاء تلك الريادة واستمراريتها وليس اجترار الماضي. الأمر الثاني من تلك المعطيات، هو رؤية وإدراك قادة النظم السياسية لدور بلدانهم الإقليمي، وهنا قد يعتبر بعض الحكام أنه من الأهمية بمكان أن انغماس بلدهم في المشكلات المحيطة، أو ربما على العكس الانعزال عنها والتقوقع في البيئة الداخلية. هنا يمكن المقارنة بين دور مصر الناصرية التفاعلي، خاصة في الفترة من 55ــ1967 ودورها الانعزالي نسبيا في حقبة السادات في الفترة من 77ــ1981 بغض النظر عن مدى تقييم البعض لهاتين الحقبتين. الموقع هو المعطى الثالث، وهو أمر مفروض من قبل الطبيعة، وينظر إليه على مدى أهميته من وجهه aنظر النظام الحاكم أي إنه على أهميته يظل عاملا نسبيا، بمعنى أنه يتوقف على رؤية النظام السياسي القائم، فدولة مثل مصر ملتقى ثلاث قارات، وبحرين كبيرين، وممر دولي، وذات ثروات معقولة فوق وتحت الأرض، عادة ما ينظر قادة نظمها السياسية إليها عبر التاريخ لأهمية تلك الثروات، في حين توجد بلدان مغلقة لا بحار لها، وثرواتها محدودة، وينظر حكامها لها نظرة تناسب وأحيانا تفوق تلك المكانة المقيدة للعب دور إقليمي.

قانون في إجازة

حتى الآن ما زالت الإشارة حمراء أمام قانون المرور الجديد بعقوباته المشددة التي تصل للحبس في مخالفات (الصف الثاني أو السير عكس الاتجاه أو الانتظار في الممنوع). من جانبه يعترف عبد العظيم الباسل في “الوفد” بأننا بحاجة شديدة إلى مثل هذا القانون لإعادة انضباط الشارع، ونؤكد أننا مع زيادة عقوبة المخالفات وتحصيلها فورا لتحقيق الردع المطلوب، ونرحب أيضا بحبس قائد المركبة المخمور الذي أراق دماء الأبرياء على الإسفلت، ولا نختلف كذلك مع إلغاء تراخيص المركبات القديمة إلا التي توفق أوضاعها، ونتفق تماما مع تقنين التوكتوك أو إلغائه. باختصار رغم اتفاقنا مع الكثير من مواد القانون إلا أنه من الإجحاف أن تتحمل وزارة الداخلية تنفيذه بمفردها، في ظل قوانين متعددة تحكم الشارع وتفرض سلوكا مخالفا لأي نظام، ومن الأسف أن القانون الجديد تركها للجهات التابعة لتديرها بقوانين تقليدية أولها وأخطرها قانون مملكة السرفيس، الذي يعطي الحق لسائقيه بالوقوف في أي مكان حتى في مطلع الكباري ومنازلها دون الالتزام بقواعد المرور معتمدين على دفع (المعلوم) أحيانا أو (البلطجة) في معظم الأحيان، والغريب أن قانون المرور الجديد لم يلزمهم بخطوط سير محددة وسط العاصمة وترك تنظيم شؤونهم للمحليات التي فشلت في إلزامهم بتعريفة ركوب محددة.

رغم أهميتها

ثاني تلك القوانين وأغربها على حد وصف عبد العظيم الباسل هو قانون الباعة الجائلين الذين احتلوا أرصفة الشوارع وطردوا المارة إلى نهر الطريق، ما يتسبب في إعاقة حركة السيارات كما يحدث في ميدان الجلاء، وهذا السلوك أيضا ترك لسلطة الأحياء التي فشلت بسبب فسادها في إعادة الرصيف لأصحابه. ثالث تلك القوانين وأطرفها هو قانون الجراجات المغلقة التي خالفت وتحولت إلى مخازن ومعارض للسيارات أمام صمت مهندسي الأحياء وتواطؤهم، مما دفع أصحاب السيارات إلى استخدام الشارع جراجا مفتوحا بعد أن أغفل القانون الجديد إلزام السلطة المحلية بضرورة فتح الجراجات المغلقة. رابع تلك القوانين وأكثرها تكرارا هو الاتجاه المعاكس الذي يلجأ إليه البعض مضطرا لعدم وجود لوحات إرشادية في بعض الشوارع والميادين الرئيسية في المدن، وكذلك قلة ساحات الانتظار التي لا نرى لها وجودا إلا في أماكن محدودة، وإذا كان ذلك كله يقع تحت سلطة المحليات، فإنه يجب على وزارة الداخلية أن تبادر بالتنسيق والتشاور معها حتى تتوحد هذه القوانين المتناقضة في قانون واحد تفسره لائحة تنفيذية شاملة يجري تطبيقها من مختلف الجهات حتى يحكم الشارع قانون واحد بدلا من أن يسير قانون المرور بمفرده، بينما تعترضه باقي القوانين بكلمة (قف) وكأنه يمشي في الممنوع.

نكبة المثقفين

يرى فاروق جويدة في “الأهرام” تعرض المثقف المصري خلال مسيرته لنكبات أسفرت عن تخليه عن مسؤولياته تجاه شعبه.. أوضح الكاتب أنه كانت وراء هذا الغياب أسباب وظواهر كثيرة: أولا، كان انقسام المثقفين المصريين أخطر داء أصاب هذه النخبة المميزة، وما بين المعارك الأيديولوجية اليسار واليمين والرجعي والتقدمي والديني واللا ديني فقد المثقفون المصريون أهم مقومات أدوارهم وهي المصداقية واتساع الرؤى ووحدة الأهداف والغايات.. فقد المثقف المصري أهم ما اتسمت به مسيرته الفكرية في الموضوعية والقدرة على الحوار، وكان من أسوأ أمراض الانقسامات ظهور كارثة الشللية، بحيث تحولت ساحة الفكر والإبداع إلى مضاربات وصفقات وقوى تصفي بعضها بعضا.. وسقطت قدسية الحوار والرأي الآخر، وتحولت ساحة الفكر إلى معارك دامية أمام انتصارات وهمية سحبت الكثير من رصيد المثقف المصري ودوره ومسؤولياته. ثانيا: كان أهم وأبقى أحلام أي مثقف يدرك قيمته ودوره أن يقدم إبداعا حقيقيا وفكرا مستنيرا، ورصيدا يبقى مع الأيام ويقاوم متغيرات الزمن ولكن سفينة الأحلام جنحت بأعداد كثيرة من مثقفينا ما بين بريق السلطة وبريق المال.. هناك من تسلل إلى سراديب السلطة، وهناك من جرى وراء المال ووجد في خزائن البترول ما يحقق أهدافه.. وخسرت مصر مواهب كثيرة ما بين المال والسلطة، وقد أساء ذلك كثيرا لدورها وصورتها ومكانتها.. وما بين البترول والسلطة تخلى كثير من المثقفين المصريين عن الكثير من ثوابتهم الأخلاقية والإنسانية. ثالثا: في الفترة الأخيرة شهدت الساحة الثقافية في مصر معارك غريبة تسترت بالفكر والرؤى، وهي في الحقيقة تمثل نوعا من أسوأ ألوان الشطط، لأنها اتخذت من الأديان وسيلة لإشعال الفتن وادعاء البطولة ودخلت فيها أفكار وتوجهات غريبة، وإن حملت دعاوى الاجتهاد.. كانت هذه المعارك من أخطر الظواهر التي قسمت المثقفين المصريين ثم انتقلت إلى حشود من المثقفين العرب، كان ظاهرها الأديان وإن كانت في حقيقتها استكمالا لظواهر سبقت وكلها كانت تحركها أهداف وحسابات سياسية وأياد تعبث في مقدرات الشعوب وثوابتها لأسباب لا تخفى على أصحاب العقول الواعية.. كانت معركة العدوان على المقدسات أخطر أدوار بعض مثقفي مصر وقد أساءوا للثقافة المصرية دورا وتاريخا ومسؤولية.

شللية وإلحاد

لا أحد ينكر والكلام ما زال لفاروق جويدة أن هذه المعارك كانت سببا في تعميق الانقسامات بين المثقفين المصريين، بل إنها تجاوزت وكانت سببا في انقسام الشعب المصري واختلافه حول ثوابته.. ولا شك في أن ذلك كله سحب الكثير من دور الثقافة ومدى تأثيرها في الشارع المصري.. لا نستطيع أن ننكر أو نتجاهل أن هناك بعض الأيادي الخفية كانت وراء هذه المعارك التي وصل بعضها إلى حد الصدام، وقد وصلت حدود التدخل إلى أموال مشبوهة وأطراف خارجية لها أطماعها ومصالح فرضت نفسها على بعض أصحاب النفوس الضعيفة، الذين أساءوا لثقافتهم وشعوبهم وعقائدهم. أشار الكاتب لأخطاء بعض الكبار حين شوهوا فكر الشباب الواعد ما بين تشجيع أشكال جديدة من الكتابة، التي لا تمت للإبداع بصلة في كتابات مثل قصيدة النثر وتشويه اللغة العربية وإهمالها والدعوة لكتابات شاذة لا تتناسب مع أخلاق شعوبنا.. ولا شك في أن تشجيع مثل هذه النباتات الضارة أساء كثيرا للإبداع المصري. الشللية هذا الداء العضال ترك آثارا سيئة على أجيال الشباب، خاصة أمام موجات الإلحاد التي اجتاحت عقول الكثيرين منهم ولجأ بعضهم إلى كتابات مشوهة وغريبة ولم يجدوا من يرشدهم إلى الإبداع الحقيقي.. القضية خطيرة وشائكة، خاصة أن القدوة غابت وأن الكثير من الأدعياء فرضوا أنفسهم على الساحة الثقافية، وعلى الإبداع الحقيقي وهي خسارة لا تعوض.. إن الحل عندي أن نعود إلى ثوابتنا ونحافظ على إبداعنا ولا نتحول إلى أبواق في أيادي الآخرين جريا وراء مال أو مناصب وسلطان.

ذهبت للمجهول

عادة ما تصاحب كل تغيير اقتصادي يزيد الأعباء على المواطنين، شكوى مفادها أن الطبقة الوسطى هي التي تتحمل الكثير من الأعباء الجديدة. وتتردد هذه الشكوى كما أوضحت هانية صبحي في “الشروق”، سواء كان التغيير زيادة في الضرائب، أو ارتفاعا في أسعار الكهرباء أو رفع الدعم عن البنزين والمحروقات. وما يثير الاهتمام هنا أن الكثير ممن يدفعون بهذه الشكوى ليسوا في أي مقياس من المقاييس من الطبقة الوسطى. وليسوا أيضا، كما يحبون أن يضيفوا أحيانا (كأنما من باب الدقة): من الطبقة الوسطى العليا. وهدفي هنا ليس تقييم إلى أي مدى تدفع بالفعل الطبقة الوسطى فاتورة التغييرات الاقتصادية. الهدف هو توضيح أن الكثير ممن يظنون، بحسن نية في معظم الأحيان، أنهم من الطبقة الوسطى، ليسوا كذلك في أي حال من الأحوال. وأستند في هذا لحقيقتين بسيطتين: أن نسبة طلاب المدارس الخاصة للغات في مصر لا يتعدى الـ4% من عدد الطلاب، بينما نسبة طلاب المدارس الخاصة الدولية لا تتعدى النصف في المئة من عدد طلاب التعليم ما قبل الجامعي في مصر. إذا كان أطفال عائلتك يلتحقون بمدارس خاصة تدرس باللغات الأجنبية فأنت غالبا من أغنى 4% من سكان هذه البلد. وإذا كانوا يلتحقون بمدارس اللغات المتميزة (مرتفعة المصاريف في الأحياء الغنية) فأنت غالبا من أغنى 2%. أما إذا كانوا في مدارس دولية فأنت على الأرجح من أغنى نصف في المئة من السكان. ولا يهم كثيرا أنك تعلم أنك أقل ثروة من هؤلاء الذين يشترون قصرا في الساحل الشمالي بعشرين مليون جنيه. ولا يهم إن كنت تمتلك عقارا في الساحل الطيب أم الشرير. ولا يهم إن كان العقار فيلا في الصف الأول أمام البحر أم شقة دون حديقة، أم في الجهة الأخرى من الطريق الساحلي (أو تحت خط الفقر كما قال لي أحد «الأغنياء»).

انتقال للأسفل

واصلت هانية صبحي رصد التحولات التي يشهدها المجتمع: عزيزي إن كنت تستأجر المصيف ولا تمتلك عقارا من الأساس. فالتعدد والتفاوت موجود حتى في الطبقة الغنية، خاصة في دولة كبيرة مثل مصر. إن النصف في المئة من 100 مليون نسمة هو نصف مليون شخص. قد تكونين عزيزتي أفقر هؤلاء النصف مليون مصري، ولكنك ما زلت من أغنى أغنياء هذا البلد. وقد تكون عزيزي أفقر هؤلاء الأربعة مليون الذين يلتحق أبناؤهم بمدارس اللغات، ولكنك ما زلت من أغنى 4% من السكان. فهل يجعلك هذا حقا من الطبقة الوسطى؟ وماذا نسمي الأسر التي يبلغ دخلها حوالى 5800 جنيه شهريا، وهو أحدث تقدير لمتوسط دخل الأسرة (بكل أفرادها وليس فردا واحدا) أصدرته الجهات الرسمية (التعبئة والإحصاء)؟ وقد يصر بعض الأغنياء على انتمائهم للطبقة الوسطى لأن أسرهم لم تكن من الباشاوات وقاطني السرايات في الأجيال السابقة. ولكن كون أجدادك لم يكونوا من الطبقة الصغيرة جدا من الأعيان تاريخيا، لا يجعلك أنت من الطبقة الوسطى حاليا. لا العجز عن تخيل موقعك الاقتصادي الحقيقي، ولا الترقي الاجتماعي عبر الأجيال ولا استحالة مواكبة من هم أغنى منك، ولا حسن النية يغير من الأمر شيئا. بالنظر للأرقام الرسمية عن المدارس سنجد أن ما يقرب من10.5% من الطلاب (أو 2.5 مليون من إجمالي 23.5 مليون طالب) في مصر يلتحقون بالمدارس الخاصة: التي تنقسم لمدارس عربي ولغات. وبالنظر لمدارس اللغات فقط، فيلتحق بها 4% من إجمالي الطلاب، وهذا حسب أرقام الملخص الإحصائي للتعليم ما قبل الجامعي لعام 2020. ولا يحصي الكتاب الإحصائي السنوي لوزارة التربية والتعليم عدد المدارس الخاصة الدولية أو طلابها، وإن كانت تصريحات رسمية للوزارة قد أشارت إلى وجود 220 مدرسة دولية في مصر من أصل 56 ألف مدرسة. وتشير التقديرات المتاحة إلى أن نسبة الملتحقين بالمدارس الدولية تمثل 0.5%من الطلاب ككل و5% من طلاب المدارس الخاصة. فإذا كانت الطبقة الاجتماعية مرتبطة بالقدرة على الإنفاق على التعليم فسنجد أن لدينا خريطة مبدئية للطبقات المصرية من مدلولاتها أن هناك فئات على قمة الهرم الاجتماعي تدفع بأنها تنتمي لوسطه. وتوجد دلالات عدة لإصرار أو إحساس بعض الأغنياء بانتمائهم للطبقة الوسطى.

ارحموا الأشقاء

ما يثير التساؤل وفق رأي حسين خيري في “الأهرام” لماذا تغرق الصومال في سلسلة من المجاعات؟ رغم امتلاكها لساحل بحري افريقي طويل على المحيط الهندي، ولكونها تطل على خليج عدن، وتنعم فوق موقعها الإستراتيجي بثرواتها الطبيعية من اليورانيوم والحديد والفوسفات، وأخيرا ظهور الغاز الطبيعي في أراضيها. وإذا عرفنا السبب “بُطِل التساؤل”، ويكمن السبب في تحول أطماع القوى الاستعمارية الأوروبية إلى نهش ثروات الصومال، وإلى تقسيمها إلى دويلات متصارعة، ومنذ منتصف القرن الـ19 صارت مسرحا للصراع بين فرنسا وبريطانيا وإيطاليا، واستقلت في عام 1960. ولأول مرة في تاريخ الصومال تحدث فيها انتخابات ديمقراطية، وتشهد وقتها تقدما غير مسبوق، ويلقبها الباحثون بـ “سويسرا افريقيا”، وما لبثت أن خاضت حروبا مع إثيوبيا، أدت إلى ضعفها، وتعود القوى الأجنبية مرة ثانية لتدخل أراضي الصومال، وفرضت عليها الولايات المتحدة العقوبات، وكانت بداية لعصر المجاعات. ويا حسرة على “سويسرا افريقيا”، التي كانت ملء السمع والبصر، ولاقت اهتماما واسعا على مرّ العصور، ونشأت على أراضيها حضارات متقدمة، وأشهرها حضارة “بونت”، وذكرت المخطوطات المصرية الفرعونية والآشورية عظمة حضارتها. ارحموا الصومال بلد عاش عزيزا عبر الأزمان الغابرة، وذل وتضور أهلها جوعا في الأزمان الحاضرة، وتضربها من وقت لآخر موجات الجفاف، ويعقبها يوما بعد يوم تساقط مئات الأطفال وكبار السن موتا، هذا بالإضافة إلى نفوق الحيوانات.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية