لندن – “القدس العربي”:
قالت هيلين لويس الكاتبة بمجلة “ذي أتلانتك” في مقال لها إن هدية الوداع التي قدمها رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون لخليفته ليز تراس رهيبة وتتمثل في إعصار اقتصادي. ففي الأيام الأخيرة من رئاسته للوزراء قام بجولة بمناطق في البلد، متوقعا على ما يبدو نوعا من التكريم الذي حظي به جنرالات الرومان من قبله، قوس على شرفه أو مجموعة من الأسرى البائسين الذين يسيرون خلف عربته.
وبدلا من ذلك ذهب إلى حقل في جنوب- غرب إنكلترا وحدق في حفرة بالأرض. وستملأ الحفرة في يوم ما بكوابل إنترنت سريعة، لكنها قد تخدم كمقبرة لآمال جونسون، ونهاية لرئيس وزراء أنهى ملف البريكسيت وأخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وقاد حملة مواجهة فيروس كورونا حيث أوقف كوفيد-19 أجندة حكومته وسط فضائح الإغلاق وتحديث شقته في مقر الحكومة والفساد ثم قيام وزراء حكومته بالإطاحة به في تموز/يوليو، حيث أعلن أنه سيظل في منصب رئيس وزراء حكومة تصريف أعمال لحين اختيار خليفة له.
والبلد الذي يسلمه لخليفته عاش طوال الصيف في المجهول والقلق وانحرف عن مساره.
وتسلمت وزيرة خارجيته الحكومة يوم الثلاثاء وورثت عنه الكثير على الطبق مثل كابوس متعدد الجوانب.
ففي الوقت الذي كان فيه كوفيد-19 الخبر المهيمن إلا أن تراس ستواجه عدة عناوين أخبار وأهمها ارتفاع فاتورة الطاقة وارتفاع معدلات التضخم والإضرابات العمالية إلى جانب العناية الصحية، وهي تواجه كل هذه المشاكل مهما طال شهر العسل.
ولكنها قالت في خطاب يفتقد الحماسة والضعف الذي ذكر بتريزا مي، رئيسة الوزراء التي أطاح بها جونسون: “سننفذ، سننفذ، سننفذ” ما وعدنا به. وستكون المهمة الأولى لتراس هي مواجهة ارتفاع أسعار فواتير الكهرباء والغاز والتي حفزتها الحرب الروسية في أوكرانيا وزيادة الطلب مع تراجع خطر وباء كوفيد. وفي بريطانيا يتم تقدير فاتورة الكهرباء والغاز بناء على الكلفة الكلية. وبحلول تشرين الأول/أكتوبر ستكون الفاتورة ثلاثة أضعاف ما كانت عليه قبل عام. ويتوقع أن ترتفع بحلول كانون الثاني/يناير.
ويتوقع تقدير موثوق أن البيت البريطاني العادي سيدفع ما معدله 6.616 جنيها إسترلينيا (7.633 دولارا) في العام كفاتورة غاز وكهرباء بحلول نيسان/إبريل. هل تعتقد أن هذا مبالغ فيه؟ لا، فهناك حدود للتجارة والمؤسسات العامة، لكن المطاعم والمتاحف ومراكز الترفيه حذرت بأنها لن تكون قادرة على التعامل مع الأزمة. وتخطط بعض المناطق لتحويل مبان إلى “بنوك تدفئة” مثل بنوك الطعام، لمن لا يستطيعون تدفئة بيوتهم. وبالنسبة لعمال الخدمة المدنية الذين تعودوا على العمل من بيوتهم فإن فواتير الكهرباء والغاز قد تدفعهم مرة ثانية للعمل من مكاتبهم.
ولا تستطيع تراس عمل أي شيء لأسعار الطاقة في سوق الجملة الأوروبي. فروسيا هي المزود الأكبر للغاز في أوروبا ويستغل فلاديمير بوتين النفوذ الذي يقدمه له في الشؤون الخارجية. وستتعرض رئيسة الوزراء الجديدة لضغوط واسعة لدعم أصحاب البيوت في الشتاء. ورفضت حتى هذا الوقت، تقديم الدعم المباشر، مؤكدة على أن تخفيض الضريبة هو مركز اقتصادها. وقالت يوم الإثنين شيئا لم يقله أي زعيم بريطاني منذ عقود، وهو أن الأغنياء سينتفعون من سياساتها الضريبية، وهو ما تراه عادلا. وقالت “النظر للأمور عبر منظور إعادة توزيع الثروة أمر غير صحيح، لأنني مع النمو الاقتصادي والنمو ينفع الجميع”. فتبنيها لمنحنى لافر الذي يربط معدل النمو الضريبي ومعدل العائد الضريبي للحكومة يقترح أن تراس ستدير الحكومة بنفس الطريقة التي أدارت فيها حملتها، على الأقل في هذه المنافسة.
فزعيمة المحافظين الجديدة البالغة من العمر 47 عاما بدأت مسيرتها كليبرالية ديمقراطية، في الوسط ودعمت حملة البقاء في الاتحاد الأوروبي عام 2016، لكنها مالت نحو اليمين منذ ذلك الوقت وحصلت على المكافأة من المحافظين الاشتراكيين. وبدعم كهذا فستجد من الصعوبة إدارة حكومة تعاني عن عجز في الميزانية لتمويل النفقات. والجميع في البلد يطالب بالمال بعد سنوات من التقشف وما أحدثه كوفيد -19 من تعطيل والآن التضخم العالي الذي وصل مستواه الحالي إلى 10.1% ويتوقع غولدمان ساكس أن يصل إلى 22% في العام المقبل. وعليه يتوقع تعطل في القطارات أو توقف السيارة أثناء الرحلة، ونظم عمال القطارات إضرابات طوال الصيف، ويعاني النظام القضائي من تأخير منذ بداية الوباء. ويخطط عمال الخدمة البريدية لإضراب يومين خلال الأسبوعين القادمين. ولو كنت بانتظار عملية في العين أو استبدال الورك، فهناك حوالي 6.6 مليون بريطاني على قائمة الانتظار، بزيادة مليونين عن العدد قبل الوباء. ولو كنت بحاجة لسيارة إسعاف، عليك الانتظار، فقد انتظر رجل عمره 87 عاما 15 ساعة أمام بيته بعدما عانى تمزقا بالحوض بعد سقوط.
وما يجعل من الأزمة الاقتصادية الحالية تحمل نذر الشر هي أن تراس ليس لديها مفاصل القوة الاقتصادية التي تستطيع أن تحركها. فهي لا تستطيع إلغاء بريكسيت أو حتى تلطيف طرق تنفيذه، ولو فعلت لمزقها نشطاء حزبها إربا إربا. والرد الكلاسيكي على زيادة التضخم هو رفع سعر الفائدة، لكنه خيار محفوف بالمخاطر. فبريطانيا تعاني من تضخم ديون الرهن العقاري. وعلى أية حال، فسعر الفائدة يحدده مصرف إنكلترا وليس رئيسة الوزراء لحمايته من التدخل السياسي.
وأطلقت تراس أثناء الحملة أصواتا حول مراجعة استقلالية البنك لكنها حاولت التبرؤ من هذا الكلام بعد إعلان فوزها. والسؤال لماذا فتحت جبهة مع وجود الكثير للقلق بشأنه؟ الجواب هو أنها كانت تحاول الحديث لقاعدة الحزب وتأمين فوزها. ولهذا قضت الصيف وهي تحاول جذب اليمين في الحزب.
وفي الشهر الماضي سئلت إن كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، صديقا أم عدوا؟ وكان الجواب سهلا، ففرنسا شريك مهم ووجهة قريبة للبريطانيين الباحثين عن إجازة، ولكنها قالت إن الحكم هو للمحلفين، وكان رد الرئيس الفرنسي لا مبالاة تصل حد الإهانة. وقال إن بريطانيا هي حليف قوي “مهما كان زعيمها ورغما عن زعمائها”.
وكمعتنقة جديدة للبريكسيت فهي تواجه معركة أخرى حول تنفيذ شروط الخروج بشأن شمال أيرلندا. ما هي المهارات المتوفرة لدى تراس كي تواجه الأزمات المتعددة، فكوزيرة للخارجية تعرف تداعيات الحرب الأوكرانية على أوروبا والطاقة، فلديها القدرة على التغيير، وهذا واضح من رحلتها السياسية، ليبرالية ديمقراطية إلى المحافظين وضد الخروج من أوروبا ثم دعمه، وهي تتآمر لكي تصبح رئيسة وزراء حتى قبل شغور المنصب، وفريقها جاهز ولديها السياسة المتعلقة بالاقتصاد والتي ستتضح خلال الأسابيع المقبلة. ويرى النقاد أنها ثالث رئيسة وزراء بزيها الأزرق وكلامها المخملي ويصفونها بمارغريت تاتشر. والامتحان هو إن كانت تراس قادرة على مواجهة أزمة اقتصادية واجهت تاتشر في الثمانينات بدون أن تقسم البلاد كما فعلت تاتشر.
هناك نوعان ممن يتقلدون المناصب في هذاالسياق,,, متسلقون،، يوقنون انهم لن يغيروا شيء وييقنون بالفشل،، ولكن مجرد تسمية المنصب في السيرة الذاتية هي كل ما يتمنونه في حياتهم المهنية والسياسية وحتى الشخصية,,, والنوع الاخر، نوع من السذج والاغبياء، الذين يمثلون حقيبة لحمل كل مخلفات الفشل والفساد الحزبي والحكومي ,,, وبعدها يخرج الحزب نظيف اليدين للقيادة المقبلة، من التيار النخبوي الذي يقف دائما وراء الكواليس ليحدد الخطوات الشطرنجية الاستراتيجية التالية,,,,