الرباط ـ «القدس العربي»: وجَّه حزب التقدم والاشتراكية المعارض سهام انتقادات لاذعة للحكومة التي يرأسها زعيم حزب “التجمع الوطني للأحرار” عزيز أخنوش، مشيراً إلى أن أهم ما تتسم به الأوضاع على الصعيد الوطني هو “استمرار تدهور القدرة الشرائية للمغاربة وغلاء أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، وفي مقدمتها أسعار المحروقات”.
وقال الحزب السياسي المعارض، ضمن تقرير لمكتبه السياسي، إن الحديث عن التعديل الحكومي لن يفيد في حجب الأوضاع المتأزمة والتحديات الكبيرة، معتبراً أنه من غير المهم تغيير أشخاصٍ بأشخاص، بقدر ما أنَّ الأهم هو “تغيير السياسات والمقاربات في اتجاه الإنصات إلى نبض المجتمع وهموم المواطنات والمواطنين المغاربة، والتخفيف من معاناتهم، وحماية قدرتهم الشرائية، والوقوف إلى جانبهم وهم يواجهون وَحدَهم هذه الأوضاع الصعبة”.
أوضاع تتسم بازدياد الضغط على المالية العمومية، بسبب ارتفاع المديونية والتضخم، علماً أنه تَم تسجيلُ مداخيل إضافية غير مسبوقة في الميزانية العامة، برسم تنفيذ قانون مالية 2022، بفعل ارتفاع الموارد الضريبية والجمركية المتأتية من المحروقات، يقول الحزب المغربي المعارض، معتبراً أنها موارد كان من الممكن استعمال جزء منها على الأقل في دعم الأسر المغربية، وفي التخفيف من وطأة معاناتها التي تفاقمت من جرَّاء إكراهات الدخول المدرسي.
واعتبر محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، متحدثاً أمام اللجنة المركزية للحزب، أن ما زاد الوضع تفاقماً هو ما عرفه المغرب من جفافٍ حاد وتداعياته السلبية على الزراعة وعلى الأرياف، وعلى قُدرات تزويد المغاربة بالماء الصالح للشرب، ولكن أيضاً على الأداء العام للاقتصاد المغربي.
من وجهة نظر حزب التقدم والاشتراكية اليساري المعارض، فإن التحديات السياسية والتعقيدات الاقتصادية والصعوبات الاجتماعية، تجعل الحاجة ماسة، أكثر من أي وقت آخر، إلى حضور قوي وتتبعٍ يقظ وتفاعل متواصل للدولة بكافة مؤسساتها مع هذه الأوضاع، من أجل البلورة السريعة للسياسات وقيادة الإصلاحات، تفادياً لمخاطر الانزلاق والفراغ؛ معتبراً أن “الحكومة تحديداً غير مبالية وعاجزة عن تدبير الأزمة بتعقيداتها المختلفة، وتفتقد إلى الحِس السياسي اللازم من أجل التجاوز السليم لأعطاب المرحلة” وفق ما جاء في الوثيقة التي اطلعت عليها “القدس العربي”.
وتابع التقرير بالقول: “إذا ما استثنينا التقدم الحاصل في تحضير مراسيم تعميم الحماية الاجتماعية، وبوادر التقدم في إصلاح التعليم، وبعض الإجراءات المعزولة التي تهم دعم أرباب النقل، فإن كل الأسئلة المتعلقة بحماية القدرة الشرائية للمغاربة، ودعم المقاولة الوطنية، وإعادة الثقة، والإصلاح المؤسساتي، ومباشرة الإصلاحات الهيكلية كالتقاعد، والنظام الجبائي، وحكامة الفضاء الاقتصادي، هي كلها أسئلة معلقة في دواليب الحكومة، بالنظر إلى غياب الرؤية والجرأة السياسية لديها، في مقابل تدبير قطاعي تكنوقراطي، وحضور قوي لمنطق التبرير غير المُجدي”.
إلى ذلك، أوصى “التقدم والاشتراكية” الحكومة بالارتقاء بأوضاع النساء في المجتمع، الذي ورد في خطاب العرش الأخير (عيد الجلوس)، حيث أكد الحزب مجدداً، تطلُّعه إلى المساواة الكاملة بين النساء والرجال.
رشيد لزرق، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري في جامعة ابن طفيل في مدينة القنيطرة، اعتبر أن المرحلة تقتضي تكريس الدولة الاجتماعية، وهي بالضرورة دولة ديمقراطية تقوم على أساس الحقوق والحريات، متابعاً أن الدولة الاجتماعية ليست خياراً أيديولوجياً لحزب بعينه، أو لحكومة خلال عهدتها، بل هو خيار الدولة المغربية باعتبارها وظيفة اجتماعية مركزية من وظائف الدولة.
واعتبر المتخصص في الشؤون الحزبية متحدثاً لـ “القدس العربي”، أن تنزيل الدولة الاجتماعية هو مشروع دولة جاء للإجابة عما شهدته المملكة المغربية من تحولات وكشكل من أشكال التعاطي مع المطالب الشعبية في إطار هدف جماعي وهو بلوغ مصافِّ الدول الصاعدة. وهو مَطلب جماعي لا يهم الحكومة أو حزباً بِعينه، بل هو مطلب جماعي لتحقيق الدولة الصاعدة التي تستفيد من الجميع ويستفيد منها الجميع.
“هذا يقتضي من المعارضة التنسيق للعب أدوارها الدستورية عبر الضغط وتجويد العمل الحكومي خاصة من خلال تقديم رؤيتها بتشكيل قطب يساري يجمع بين المعارضة اليسارية المتواجدة بالمؤسسات لمواجهة ثلاثي الحكومي الليبرالي”، وفق تعبير لزرق.
وبخصوص طرح حزب “التقدم والاشتراكية” لهذه الوثيقة فيظل في سياق “محاولة شرعنة إعادة انتخاب بنعبد الله، أميناً عاماً للتقدم والاشتراكية للمرة الرابعة على التوالي” بحسب المحلل السياسي، مستطرداً أن “ما جرى يكشف بالملموس عطباً في تكريس مبدأ الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية المغربية؛ خاصة الأحزاب الاشتراكية التي تدَّعي التقدمية، بينما يكرس إعادة انتخاب نبيل بنعبد الله عنصر الثبات، إن لم نقل الرجعية بلغة الرفاق في حزب “التقدم والاشتراكية” ما يضرب في العمق مبدأ التداول، وهذا يترجم تراجع أحزاب اليسار المؤسساتي الذين جعلوا الدخول للحكومة غاية لذاتها وليس وسيلة لتكريس المشروع المجتمعي”، وفق تعبير المتحدث.
ويرى أستاذ القانون الدستوري، خلال حديثه لـ”القدس العربي”، أن دستور 2011 كان بمثابة تفاعل ملكي مع مطالب شعبية جوهرها تحقيق الدولة الاجتماعية، مطالب تتمثل في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، موضحاً أن الهندسة الدستورية تؤكد المسار المغربي لتحقيق هذا المبتغى، وبهذا التنصيص الدستوري يكون المغرب قد أسس لهذا التوجه من خلال التأكيد على مرجعيته التأسيسية في منطوق الدستور المغربي لسنة 2011، حيث تم الإعلان من خلال ديباجته عن مواصلة المملكة المغربية إقامة مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة، يقول المتحدث.
جدير بالذكر أن تقرير المكتب السياسي لحزب “التقدم والاشتراكية”، تم عرضُه في إطار الدورة العاشرة للجنة المركزية، بعدما أعطيت الانطلاقة في الدورة السابقة الانطلاقة الرسمية لعمليات تحضير المؤتمر الوطني الحادي عشر، المزمع التئامه أيام 11 و12 و13 من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.