تصب الجزائر جام غضبها هذه الأيام على رأس عدو شعب جديد، وهو قابع في السجن في محاكمة قد تودي به إلى سنوات مسنّنة لا ترحم.
عدو الشعب صحافي في جريدة» الشروق»، وهو كسلفه في المسرحية المعروفة «عدو الشعب» للنرويجي هنريك إبسن، يكشف عن أن «دقلة النور» ، وهذا نوع من التمور لا يضاهى، ويقترب ليكون رمزاً للبلاد، كما الأهرامات لمصر، وبرج إيفل للفرنسيين، والبرتقال اليافاوي للفلسطينيين، يكشف أنه بضاعة فاسدة، وقد أعيدت كميات كبيرة منه أعدّت للتصدير، بعد الكشف، بحسب المقال، عن الأذى الذي ألحقته به المعالجة الكيميائية.
ومع أن بلقاسم حوام، وهذا هو اسم عدو الشعب الجديد، لم يقل سوى ما جرى في أروقة الوزارة المعنية من محاولاتٍ لتدارك الأمر، في تقرير إخباري بالغ الاتزان، إلا أن اللعنة حلت فوق رأسه، وما زالت تحلّ حتى الساعة.
تتحمل البلاد أن يقال إنها بلاد السجون والمظالم وتكميم الأفواه وإغلاق الصحف، ولكنها لا تتحمل أن يقال إن التمر ملوث بالكيمياء.
كان طبيب إبسن، منذ أكثر من مئة عام، قد كشف عن أن الماء في بحيرة البلدة لا يصلح للاستخدام البشري، وبدلاً من أن يكرّم على اكتشافه بات فجأة عدواً لكل الشعب، فالأخير يعيش على تلك البحيرة؛ السباحة، والسياحة، والصيد، وماء الشرب، والمنظر البديع… باتوا ملوثين بالكيمياء، ولم يكن من الممكن احتمال هذه الحقيقة التي ستفقد الجميع وظائفهم.
حوام ملاحَق اليوم بموجب قانون مكافحة المضاربة غير المشروعة، والذي يعاقب على «ترويج أخبار كاذبة وأنباء مغرضة بين الجمهور، بغرض إحداث اضطرابات في السوق ورفع الأسعار بطريقة مباغتة وغير مبررة» ، وبحسب تقارير إخبارية نشرتها «القدس العربي» ، فإن عقوبة هذه التهمة تتراوح بين 5- 30 سنة.
«دقلة النور» هو سلعة الجزائر الأحب والأطيب، ولا تتحمل السلطات كلمة بحقها، إنها تفضل أن تسجن صحافياً، وتخرس كل من تسوّل له نفسه أن يدوس للتمر على طرف. تتحمل البلاد أن يقال إنها بلاد السجون والمظالم وتكميم الأفواه وإغلاق الصحف، ولكنها لا تتحمل أن يقال إن التمر ملوث بالكيمياء.
عادي أن «يُداسَ الناس كَسَلّة تَمْرٍ بالأقدام» ، أما «دقلة النور» فلا يجوز أن ينام على ضيم!
يصر النظام السوري على تحويل دار الأوبرا إلى «دار الأسد» ، وهي دار مبنية بأناقة على طراز أوروبي رفيع، ومتعوب عليها، فقد استغرق بناؤها ما يقارب عقدين من الزمن. منذ البداية والنظام محتار، يريد من جهة أن يمنح المكان صفة أكابرية بإطلاق اسم الأوبرا، وفي الوقت نفسه لا يطاوعه قلبه أن يمر شيء ثمين إلى هذا الحد في البلد من دون ختم الأسد.
هل كان صعباً ترتيب آليات حجز التذاكر لحفل المطرب المصري هاني شاكر بعد أيام في «دار الأسد» ؟ عبر الانترنت، أو عبر بطاقات مرقمة، كما يحدث في كل العالم.
فيديوهات كثيرة تناقلتها مواقع التواصل، والصحف الإلكترونية، أظهرت زحاماً قل نظيره على حفل، قد تكون المرة الأخيرة التي حدث فيها ذلك في حفلات فيروز على الخشبة نفسها العام 2008.
الفيديوهات قاسية لسببين؛ الأول، المشاجرات والتدافع الذي لا يليق بمن جاء يبتاع ما يرضي ذائقته الفنية «الرفيعة»، كما يفترض، والثاني لأنك تحزن لحال من يصرخ في المكان الغلط، سيبذل أعلى صرخاته هنا، وهو ينتقد «سوء التنظيم»، و«الواسطات»، و«بيع البطاقات في السوق السوداء». ستجد من يصرخ بأعلى الصوت محتجاً، وفي نفسه شيء من القناعة بأن الصحافة لن تنشر حديثه الغاضب. كان بعض السوريين يجد سقف الاحتجاج على محافظ مدينة، اليوم بات سقف الاحتجاج موظف البطاقات في دار الأسد!
منذ البداية والنظام السوري محتار، يريد من جهة أن يمنح المكان صفة أكابرية بإطلاق اسم الأوبرا، وفي الوقت نفسه لا يطاوعه قلبه أن يمر شيء ثمين إلى هذا الحد في البلد من دون ختم الأسد.
ولأن مصائب السوريين «زي العسل» على قلب هاني شاكر فلم يوفر الفنان المصري فيديو فيه مشاجرة من دون نشره على صفحته الموثقة في فيسبوك. بدا سعيداً وهو يقدم لجمهور أهمله (لشاكر) طويلاً هنا وهناك دليلاً دامغاً بأن جمهوراً في بلد آخر جاهز للانتحار من أجله.
في اتصال هاتفي على التلفزيون قال المذيع عمرو أديب لشاكر، على أساس أنه يقدم دليلاً هو الآخر، بناء على فيديوهات التدافع نفسها: «الجمهور السوري وِدْنه (أذنه) من دهب، متربي على القدود الحلبية..»، وكان بإمكانه أن يستنتج العكس تماماً: انظر ماذا حلّ بجمهور كانت أذنه من ذهب، وتربى على القدود، بل وعلى الفن المصري الأصيل.
لمحت أكثر من تعليق على حفل هاني شاكر في الأوبرا السورية يذكّر بمحل تسجيلات موسيقية في قلب دمشق القديمة العريقة علّق على بابه لافتة تقول: «لا يوجد أشرطة لهاني شاكر» . لم أفهم الأمر إلا باعتباره إمعاناً في احتقار إنجازات ذلك الفنان، فصاحب المحل، رغم إلحاح بعض الجمهور في طلب أغاني هاني، أصر أن ينتصر للذائقة.
لا ندري ما مصير صاحب محل الأشرطة اليوم، لا ندري أين يكون أمثال ذلك الشاب، وما سيكون تعليقه على حقبة هاني شاكر في دمشق.
لقد استطاع النظام السوري أن يحوّل دار الأوبرا إلى «دار الأسد» .
من بين المتحدثين في فيديوهات فوضى «دار الأسد» هناك سيدة يصعب نسيان عبارتها. اشتكت مثل الجميع، سوء التنظيم وعدم الاكتراث بالناس، قالت «وقفونا برا متل..» ، واحتارت في اختيار الكلمة المناسبة، لكن إيماءات وجهها قالت كل شيء تقريباً. توقعنا أن تقول كلمة عنصرية بدت على رأس لسانها، ثم، وبعد تلكؤ، جاءت المفاجأة: «متل المهجّرين» . وجهها في تلك اللحظة هو ما عبأ الكلمة بالمعنى الذي ترمي إليه، وعلى الأقل فإن» المهاجرين» (كما يُقرَأ في وجهها) هم ذلك الجزء المحتقر من الناس، المهمل، وربما أكثر، ولعله يستحق أن يُقذَف خارج الأسوار، أسوار دار الأسد، أو سواها.
إن أردت أن تتعرف أكثر على تلك السيدة تابع كلامها، ستصل إلى عبارة أخرى تقول فيها: «لو رفعوا السعر شوي صغيرة..»، تقصد أن رفع سعر البطاقات سيستبعد تلقائياً شريحة الذين لا يلوون على شيء، وبالتالي ستخلو لأمثالها أوبرا الأسد. سيطفش الأكثر فقراً، سيهجّرون بفعل الأسعار المرتفعة، فيخلو الجو.
ظننت أن احتقار اللاجئين والمهجرين يتوقف فقط على مثقفي النظام ورمادييه، لم يخطر في البال أنها باتت لغة الشارع.
*كاتب من أسرة تحرير «القدس العربي»
دقلة النور الجزائري والتونسي ( نوع من التمر ) شيء خرافي حقيقةً ، يبدو وكانه هديه هبة من الجنة
” لم يخطر في البال ان احتقار المهجرين واللاجئين اصبحت لغة الشارع”
ولم يخطر على بالنا نحن السوريين ان ( الشارع) يحتاج الى دار اوبرا لان اكبر اهانة كان السوريين يستخدمها لاهانة شخص هو وصفه ب ( ابن شارع)
اضن ان ( ابن الشارع) يحاول ان يظهر لنا اننا نعيش في عصره وان سورية اصبحت كلها تحت حكم ( ابن الشارع)
اعتقال صحفي لمجرد نشر خبر حول إعادة كميات كبيرة من التمور المصدرة إلى فرنسا بسبب احتوائها مواد كيميائية مضرة بالمستهلك يؤكد على سياسة القمع و إخفاء الحقيقة تجاه المواطن.
شكرًا أخي راشد عيسى. أنا في الحقيقة بانتظار ماذا سيفعل هاني شاكر! هل سيشم رائحة النصر الذي تحدثت عنه هذه السيدة التي ذكرت في المقال، ولاأريد أن أتحدث عن نجوى كرم التي شمت رائحة النصر طبعًا فهي بالتأكيد فاقدة للحّس عندما تشم رائحة النصر ولاتدري كيف رائحة دماء الضحايا التي عطرت تراب سوريا.