بعد أيام، تكون الاستفتاءات المعلن عنها قد انتهت في أربعة أقاليم أوكرانية، وأيا ما كان وصف هذه الاستفتاءات، وخلافات اعتبارها حقيقية أو صورية، فلن يغير ذلك شيئا من النتائج الواقعية على الأرض، وأهمها ضم هذه الأقاليم إلى روسيا رسميا، وانتقال مقاطعات لوغانتسك ودونيتسك وخيرسون وزاباروجيا، إلى معية الأراضي الروسية، إضافة إلى إقليم شبه جزيرة القرم، الذي جرى ضمه إلى روسيا باستفتاء مماثل عام 2014، وهذه الأقاليم الخمسة تكون نحو ثلاثين في المئة من مجموع الأراضي الأوكرانية.
ومن الخطأ اعتبار هذه الاستفتاءات مجرد ردة فعل لما جرى مؤخرا في مقاطعة خاركيف، حين استولت أو استردت أوكرانيا أجزاء كبيرة نسبيا من أراض كانت تحت سيطرة القوات الروسية، وتراجعت الأخيرة إلى خط دفاع في خاركيف على نهر أوسكيل، وبدت القوات الروسية في حالة هزيمة محدودة، أو موقوتة، بسبب قلة أعدادها في خاركيف قياسا إلى قوات الهجوم الأوكراني المدار أمريكيا.
وقد يكون هذا التقدم الاوكراني قد زاد في مخاوف سكان الأقاليم الأربعة المعنية، ودفع المسؤولين المعينين والمساندين للروس فيها إلى التعجيل بإجراء الاستفتاءات، لكنها لم تكن أول مرة يعلن فيها عن الرغبة في تنظيم استفتاءات الانضمام لروسيا، فقد تكررت الإعلانات مرات في شهور الحرب السبعة حتى اليوم، وتعتبرها الأغلبية الروسية القاطنة في هذه الأقاليم نوعا من «العدالة التاريخية»، وهو التعبير نفسه، الذي جاء على لسان ديمتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، وهو مقرب جدا من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتطلق عليه الميديا العالمية وصف «ظل بوتين»، فيما ظل الرئيس الروسي لأيام في حالة صمت باسم مخادع إزاء ما جرى في خاركيف، وظل يكرر مقولته الثابتة عن الخطة التي يجري تنفيذها بدقة، و»حسب الجداول الزمنية المقررة»، ويركز على جبهة الحرب السياسية والاقتصادية مع دول الغرب، وحلف شمال الأطلنطي «الناتو»، ويبدو في ثبات عصبي مذهل وأحوال استرخاء نفسي، وفجأة فعلها بوتين لاعب الشطرنج المحترف، وأجرى نقلة بدت صادمة لكثيرين، وقرر إجراء تعبئة جزئية لاحتياطي الجيش الروسي، وهو ما يعني إضافة 300 ألف جندي روسي على الأقل لصفوف الخدمة في حرب أوكرانيا، ومضاعفة عديد القوات الروسية هناك إلى ثلاثة أمثالها، وهو ما يتطلب بعض الوقت إجرائيا، ويوحي باستعداد روسي لحملة خريف كاسحة في أوكرانيا، يفرض بها بوتين الأمر الواقع الذي يريده هناك، بعد أن انسدت كل سبل التفاوض مع واشنطن وحكومات «الناتو»، التي تواصل إفراغ مخازن سلاحها في أوكرانيا، وتدفع بأكثر أسلحتها تطورا إلى الميدان، وتضاعف دعمها للرئيس الأوكراني الصهيوني فولوديمير زيلنسكي، وبعشرات تلو العشرات من مليارات الدولارات، وصلت في جانبها العسكري وحده إلى ما يزيد على 15 مليار دولار من واشنطن إلى اليوم، ودعم مماثل ويزيد من حلفاء أمريكا الأربعين، الذين يلتقون دوريا وسريا للتخطيط في قاعدة «رامشتاين» بألمانيا، وفي قاعدة أقرب للميدان الأوكراني في بولندا، وفي مراكز إدارة مباشرة للحرب من لفيف إلى كييف عاصمة أوكرانيا، ويتصورون أن بوسعهم تحقيق الهدف الأمريكي المعلن مبكرا على لسان وزير البنتاغون الجنرال لويد أوستن، وهو «إضعاف روسيا» وهزيمتها وتفكيكها إن أمكن.
يكون التورط في حرب نووية عالمية مستبعدا إلى حد كبير، لكن معارك الاستنزاف المتبادل لن تنتهي قريبا على ما يبدو
ولا تخفي الأفراح والليالى الملاح في الغرب والميديا الغربية بعد عملية خاركيف، وقد صورت لمتابعيها والناقلين عنها، وهم كل وسائل الإعلام في العالم تقريبا، أن هزيمة روسيا باتت وشيكة، بعد الذي جرى في خاركيف، وأن الشعوب الروسية ستثور على بوتين، وقد تخلعه عن قصر الكرملين، بعد أن فشلت عشرات من محاولات المخابرات الغربية لاغتيال الزعيم الروسي، وكانت الميديا الغربية نفسها، قد قتلت بوتين من زمن، وادعت إحدى صحفها أن بوتين مات أوائل الحرب الجارية، وأن الذي يظهر بديلا عنه هو إنسان آلي «روبوت» بملامح وحركات الرجل نفسها، وصحف بريطانية وأمريكية أخرى بدت أكثر تعقلا، واكتفت بمزاعم مفادها، أن بوتين» يعاني من مرض مميت، ونشرت عشرات التقارير المفبركة عن إصابة بوتين بسرطان الدم والشلل الرعاش، ولم تتوقف المزاعم المثيرة للسخرية، إلا بعد تصريح لمدير المخابرات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز، وقد عمل في السابق سفيرا لواشنطن في موسكو، وقال بوضوح إن بوتين في صحة ممتازة وتكوين رياضي صلب، بعدها خرست الميديا الغربية، وإن لم تتوقف صحف وتلفزيونات الغرب الكبرى عن ترويج الشائعات المعجونة بالمخدرات، وبدت في صورة إعلام «أصفر»، فقد مصداقيته بالكامل، بعد أن سقطت روايات الهذيان عن مرض بوتين، وعن ذهاب سيرجي شويجو وزير دفاعه إلى غرف العناية المركزة، وعن عزل شويجو لثلاث مرات إثر هزائم مزعومة في أوكرانيا، وسقوط قتلى بعشرات الآلاف من الجنود الروس، حسب مصادر من المخابرات الأمريكية والبريطانية، بينما حسم شويجو الأمر بنفسه أخيرا، وتحدث عن خمسة آلاف قتيل روسي فقط في حرب أوكرانيا، وهو ما لم ولن يسكت الميديا الغربية الكذوب، ولا مبالغاتها الفكاهية، التي تروج اليوم لأشياء أخرى، مفادها أن قرار بوتين بالتعبئة الجزئية أعظم دليل على فشل ويأس روسيا، وهو ما يثير الشفقة العقلية والمهنية معا، فتوقيت القرار وطبيعته ظاهر في مغزاه المباشر، وهو تكثيف الاستعداد الروسي لما بعد استفتاء ضم المقاطعات الأربع المضافة، وهو ما يعني مباشرة، أنها صارت واقعيا جزءا من الأراضي الروسية، ينطبق عليها ما يجري في باقي أقاليم روسيا الشاسعة، وتتوجب حمايتها بكل السبل، بما فيها الاختيار النووي، بدءا باستكمال تحرير ما تبقى خارج سيطرة روسيا الفعلية في إقليمي دونيتسك وزاباروجيا بالذات، ثم وضع الكل تحت المظلة الروسية، التي تعتبر في تحديثات عقيدتها النووية، أن أي عدوان داهم حتى بأسلحة تقليدية على أراضيها، يستوجب الرد الشامل، وهو ما يضع حلف «الناتو» على حافة الهاوية، فلن يجدي كثيرا دوام الاحتجاج بقواعد الشرعية الدولية، ودول «الناتو» بالذات، هي أول من انتهك وينتهك هذه الشرعية في عشرات المرات، وفي قارات الدنيا كافة، بينما روسيا تتحدث عن ما تسميه بالشرعية والعدالة التاريخية، وعن سوابق وخطايا منح أوكرانيا أراض روسية خلال عقود الحقبة السوفييتية، وعن نهاية سنوات الهوان وإذلال روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفييتي أوائل تسعينيات القرن العشرين، وقد أرغمت موسكو على إحناء الرأس في عهد دمية الغرب بوريس يلتسين، الرئيس الروسي الذي كان مخمورا على الدوام، ووقع على «مذكرة بودابست» عام 1994، التي اعترف فيها بأوكرانيا على حدودها التي ظلت قائمة حتى عام 2014، قبل أن يبدأ السجال العسكري والسياسي المتصل، ودعم الغرب لانقلاب 2014 على الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش المقرب من روسيا، وبدء سيطرة من تسميهم موسكو أتباع «بانديرا» من الجماعات النازية المتحكمة بكييف، في إشارة إلى ستيبان بانديرا زعيم الحركة القومية الأوكرانية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، وقاتلت قواته مع قوات النازي هتلر في الحملة العسكرية على أراضي روسيا والاتحاد السوفييتي السابق، وشاركت في قتل 25 مليونا من الروس والسوفييت في الحرب العالمية الثانية، ولم تنس موسكو وقتها ثأرها من النازيين وبانديرا حين دخلت برلين منتصرة، وطلبت من المخابرات الأمريكية والبريطانية تسليمها بانديرا الهارب وقتها إلى الشطر الغربي من ألمانيا، ورفض الغربيون، ووفروا الحماية اللصيقة للنازي الأوكراني المطارد روسيا، وإلى أن تمكنت المخابرات السوفييتية من الوصول إليه وقتله بسم «سيانيد البوتاسيوم» في ميونيخ عام 1958.
القصة ـ إذن ـ أكبر من أن تروى في سطرين، وعنوانها الراهن باختصار، أن روسيا قررت الانتقال من مرحلة التقدم العسكري في أوكرانيا إلى مستوى تصعيد أعلى، يهدف إلى الحسم العسكري، وليس مجرد التقدم الأرضي، وضمان اليد العليا في حرب أوكرانيا، وقد لا يكون إعلان «التعبئة الجزئية» هو نهاية المطاف، والأسابيع والشهور المقبلة ستكون حاسمة، وقد يكون التورط في حرب نووية عالمية مستبعدا إلى حد كبير، لكن معارك الاستنزاف المتبادل لن تنتهي قريبا على ما يبدو، فالغرب مصمم على مواصلة الحرب حتى نهاية آخر أوكراني، وروسيا مصرة على إتمام أهدافها كاملة، والأقرب للتصور، أن روسيا ربما تلجأ إلى تكثيف الهجمات الجوية والأرضية بالطائرات والصواريخ وحشود الجنود المضافين بقرار التعبئة، وربما تدمر ما تبقى من منشآت حساسة، قد يكون بينها ما تسميه روسيا «مراكز صنع القرار» في كييف، وقد لا يكون زيلنسكي نفسه بعيدا عن الطلقات الروسية، وقد يلقى مصير ستيبان بانديرا نفسه ذات يوم قريب.
كاتب مصري
حياك الله اخى الفاضل د.اثير وشيخنا داود
اقتباس(وفجأة فعلها بوتين لاعب الشطرنج المحترف، وأجرى نقلة بدت صادمة لكثيرين، وقرر إجراء تعبئة جزئية لاحتياطي الجيش الروسي، وهو ما يعني إضافة 300 ألف جندي)
هذة العبارة تذكرنى بمهاطيل الصنم الطاغية الهالك البكباشى عبناصر! فقد كان كُتاب البيادة فى هذا الوقت وكلما اتخذ البكباشى قرار، وقاد هذا القرار البلاد والعباد الى هزيمة او نكسة او وكسة من وكساته ونكساته وهزائمه المنكرة وهى لا تُعد ولاتُحصى، خرج علينا احدهم قُبيل الوكسة ليقول بالعامية المصرية انها ( ضربة معلم ) وبعدها تأتى الهزائم والوكسات، ويبرر هؤلاء بلا حياء او خجل!
هناك مقول شهيرة؛ انك اذا اتخذت نفس القرارات ونفس الإجراءات فى نفس المشكلة، فلا تتوقع نتائج مختلفة، وترجمتها بالعامية السورية(اللى يجرب المجرب عقله مخرب)
نفس خطايا للسوفييت فى افغانستان يكررها بالحرف السفاح بوتين فى اوكرانيا !
الله يرحم الفنان سعيد صالح صاحب المقولة الشهيرة فى مسرحية العيال كبرت (هى هى نفس العلقة لا افا زاد ولا افا نقص )
افا هى العامية المصرية لكلمة قفا
كل الاحترام و المحبة اخي سمير الاسكندراني
و حيا الله أهالي الإسكندرية الجميلين و الجميلة.
لا أعلم أيها اكثر روعة التعليق ام هذه الإضافة التي وضعت الكثير من النقاط على الحروف.
اغتنم هذه المناسبة للإستفسار عن اخينا الفاضل و الرائع سامي عبد القادر
لم اقرا له أي تعليق من فترة و مفتقدين جدا لتعليقاته و مداخلاته السديدة و الحكيمة
و اسأل الله ان يكون المانع خيراً.
اخيرا… ادعو الله ان يعبد مصر إلى أهلها الطيبين و أن يرفع من مقامها و مقامهم و أن يخلصها من هذه العصابة الانقلابية التي تحكمها و من حملة المباخر و كهنة الفرعون و فرق التطبيل التي اساؤوا إلى مصر و الى المصريين كما لم يحدث من قبل في التاريخ.
.
مصر قاطرة العرب و المسلمين و اي خلل في هذه القاطرة فان كل المقطورة تصاب بالخلل و الشلل و هو الحادث الان.
لا أدري كم كان عمرك يا عزيزي سمير بهزيمة 1967 المخجلة !
كنت أسمع المذيع أحمد سعيد من إذاعة صوت العرب ,
وهو يدعي تدمير طائرات الصهاينة ودخول تل أبيب !!
الحقيقة التي عرفتها بعد ذلك أحزنتني إلى اليوم ,
التدمير كان للطائرات المصرية بمرابضها ,
و الدخول كان لسيناء و بأكملها !!!
و لا حول و لا قوة الا بالله
زيلنسكي يجهر بصهيونيته أكثر من الصهاينة، ويعد العرب معتدين على أقاربه في فلسطين المغتصبة، ويؤيد علنا وبأفصح لسان جرائمهم في القدس المحتلة، ومع ذلك هناك من العرب الفضلاء من يؤيد زيلنسكي، ومن العرب الفضلاء أيضا من يؤيد الروس المعتدين، وليتهم -أي العرب الفضلاء!- يعلمون أن الروس والغرب يعدوننا غنيمة لهم ، والشاطر فيهم من يستحوذ على أكبر نصيب منها. الروس في سورية وليبيا والسودان، والأميركان والغرب في بقية أو كل العالم العربي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. أيها العرب الفضلاء انحازوا لأنفسكم وحريتها وكرامتها، ودعكم من القتلة في موسكو وواشنطن، فهم لا يحبونكم ولو صنعتم عجين الفلاحة في هذه العاصمة أو تلك.