«الأمن الغذائي»… عندما تجلس دمشق على «طاولة الأردن»: «الجيوسياسي والحدودي» يفرض تأثيره

بسام البدارين
حجم الخط
3

عمان – «القدس العربي»: الرؤية في بعدها السياسي التي يتحرك منها وزير الزراعة الأردني الديناميكي والنشط خالد حنيفات، بخصوص ملف الأمن الغذائي في بعده الحدودي والجغرافي، تبدو لافتة جداً للنظر ولا يمكن إسقاطها من بيدر الحسابات السياسية السيادية الخاصة بالأردن اليوم، تحت عنوان الملف السوري، لا بل حصراً تحت عنوان إعادة تأهيل النظام السوري قدر الإمكان، وفتح آفاق للتعاون معه وتجاوز حالة الجمود في العلاقات السياسية التي استمرت وتواصلت منذ عام 2011.

طرف فاعل

حنيفات كان نجماً سياسياً وليس تكنوقراطياً فقط عندما تعلق الأمر بتأسيس ما سمّاه بـ»المرصد الإقليمي الأردني للأمن الغذائي». وهنا يلفت الوزير الأردني الشاب والحيوي النظر في إصراره خلف الستارة والكواليس على وجود سوريا تحديداً وممثلها وزير الزراعة السوري على الطاولة التي تؤسس للمرصد الجديد.
تلك طبعاً خطوة لا تتعلق بمرصد يمكن أن يشتغل ويمكن ألا يفعل شيئاً في الواقع، لكن في نهاية المشهد وختامه وفي البعد الإعلامي والسياسي حصراً كان وزير الزراعة السوري محمد قطنا، طرفاً فاعلاً في مرصد يخص 4 دول وجلس على الطاولة برفقة النظراء في العراق والأردن ولبنان.
يبدو أن حسابات حنيفات ومن يقف وراءه، سلوكه بالمدلول السياسي النشط هنا يحاول إبعاد تلك الفكرة المرتبطة بالبحث في الأمن الغذائي هذه المرة مع الإسرائيليين فقط، لكن الوجود السوري على الطاولة الأردنية في ذلك المرصد يعني بأن إسرائيل ليست طرفاً على الأقل في ترتيبات وزاره الزراعة الأردنية المرتبطة بملف الأمن الغذائي. وهو ملف في غاية الأهمية، وأبعاده استراتيجية، حسب رئيس غرفة تجارة عمان خليل الحاج توفيق، أول الشخصيات الوطنية الأردنية التي قرعت مبكراً جرس الإنذار بعنوان ملف الأمن الغذائي، وطالبت الحكومة والسلطات بالتحرك، لا بل من أوائل الشخصيات التي وضعت وثائق بيد مؤسسات صناعة القرار على هذا الأساس للتصرف بطريقة استراتيجية إيجابية.
ملف الأمن الغذائي، حسب ما فهمت «القدس العربي» من إلحاج توفيق عدة مرات، أصبح أساسياً، خصوصاً في ظل التحديات التي تواجه العالم اليوم بعد الأزمة الأوكرانية.
لكن كليهما – الحاج توفيق صاحب الخبرة الكبيرة في ملف المواد الغذائية وأفضل الطرق وأقصرها لتخزينها والحفاظ على احتياطي استراتيجي داخلي في الأردن، والوزير الحنيفات- لهما رأي اليوم في التفاصيل.
على هامش هذا الرأي يجلس السوري اليوم على الطاولة بوضوح، وهذا حصراً هو النبأ السياسي الجديد.

نبأ سياسي بامتياز

لكنه، أردنياً وفي المسألة السورية، نبأ سياسي بامتياز، وجديد متسق مع جملة لها علاقة بحراك دبلوماسي أردني نشط في اتجاه شكل من أنماط المصالحات الواقعية مع النظام السوري، ويكمل ما فعله وزير الزراعة الأردني ما بدأه أصلاً في نيويورك وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، عندما التقي لأول مرة منذ سنوات طويلة بنظيره السوري فيصل المقداد في لقاء على هامش اجتماعات الجمعية العمومية.
وقبل الجميع، كان الوزير السابق الخبير في التفكير السياسي وعضو مجلس الأعيان حالياً الدكتور محمد المومني، أول من قرع جرس ضرورة تخفيف الحصار على النظام السوري لأن وجوده أصبح واقعاً موضوعياً تحت سياق «منحه فرصة تحسين سلوكه». ومن ثم، كان المومني يقترح دوماً، عندما سمعته «القدس العربي» عشرات المرات، بأن مصلحة الأردن والجميع تتطلب وجود دولة وسيادة وجبهة وجهة سيادية قوية على الطرف الآخر من الحدود في سوريا.
وما فعله المومني مؤخراً أنه علق وقرع الجرس، مقترحاً إعادة تأهيل النظام السوري والتعامل معه حتى لا يقع فريسة في حضن النفوذ الإيراني، وواضح تماماً في المستوى السيادي الأردني أن تلك المقاربة التي كان يعبر عنها المومني بذكاء منذ ثلاثة أسابيع في مقال خاص نشرته صحيفة الغد هي المقاربة التي تقترب إلى حد بعيد من نمطية تفكير عقل الدولة الأردنية في هذه المرحلة، خصوصاً بعد التعاطي والاشتباك الاستخباري مع ملفات مكافحة المخدرات، وظهور مساحات مرنة من التعاون أظهرها النظام السوري.
وهنا في هذا الملف تحديداً، يمكن القول بأن الجيوسياسي الأردني يبدو متحركاً بنسبة مرسومة ومحدودة ومبرمجة بدقة، خصوصاً في إطار العلاقة الجغرافية مع سوريا، وفي إطار الانفتاح على الملف اللبناني، وأيضاً في سياق الحديث عن تكاملات اقتصادية مع العراق ومصر.
وبالتالي، تظهر نخب عمان ومؤسساتها اليوم ميلاً ملموساً للتعامل مع ملف الحدود وملف دول الجوار العربية في إطار سياسة مصلحية اقتصادياً إلى حد ما، وفي إطار حسابات جيوسياسية تحتاج للتشجيع والتحفيز، خصوصاً أن حكومة الأردن أيضاً وفي سياق المشهد نفسه، بذلت جهداً ملموساً في الانفتاح على مكونات المشهد الفلسطيني الداخلية بطريقة متذاكية حتى الآن.
الجيوسياسي الأردني عندما يتعلق الأمر بأزمة الحدود وواقعها مع سوريا تحديداً، دفع الطرفين لأول مرة في اتجاه تجاوز بعض الخلافات وتفعيل وتنشيط بعض حلقات التعاون خصوصاً في مجال استخبارات مكافحة المخدرات، وأيضاً في مجال البحث في المعادلة الغذائية، وتحريك بعض الصهاريج الأردنية المحملة بالنفط والمستوردة لصالح سوريا خلافاً لأن عمان تقبلت من وزير الزراعة السوري الذي جلس فيها أربعة أيام عملياً -وهذا يحصل منذ أكثر من عشر سنوات لأي وزير سوري- تلك الذرائع التي تفسر سبب امتناع الجانب السوري عن تزويد الأردن بحصة المياه المتفق عليها من نهر اليرموك. وعلى أساس التذرع بالعطش وندرة المياه وتأخر المواسم الشتوية.
الأردن لأغراض الجيوسياسي في حالة حراك هذه المرة في اتجاه النظام السوري.. لا يمكن طبعاً التنبؤ بنتائجها، لكنها من الطراز الذي لا يمكن إغفال وجود ضوء أخضر من قبل الدول الكبرى والصديق الأمريكي لتفعيلها.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Dr Arabi,UK:

    حتى التنفس يلزمه تصريح من أمريكا.

  2. يقول خالد ابوصيام:

    احسنت واحسن الوزيران…

  3. يقول فريد الهلول:

    معالي وزير الزراعة الحنيفات مبدع ونشيط ونسال الله ان يحميه من قوى الشد العكسي وقوى الفساد ،،،

إشترك في قائمتنا البريدية