الخرطوم ـ «القدس العربي»: شارك الآلاف من المحتجين في عدد من المدن السودانية، الخميس، في تظاهرات جديدة، للمطالبة بإسقاط الانقلاب، وتسليم السلطة للمدنيين. وفيما توجهت التظاهرات في الخرطوم، نحو القصر الرئاسي، اختارت لجان المقاومة في المدن الأخرى، مباني الأمانات الولائية ومنازل ضحايا التظاهرات الذين سقطوا في وقت سابق.
ورفع المحتجون، صور ضحايا التظاهرات وشعارات رافضة للحكم العسكري، وتطالب بتحقيق العدالة ومحاسبة قادة الانقلاب، بينما هتفوا: «الطريق نحو أكتوبر انتصار. الشعب يريد إسقاط الانقلاب» في إشارة إلى أن الشهر المقبل، سيكون نهاية الانقلاب.
وعلى الرغم من الطوق الأمني الذي فرضته الأجهزة الأمنية في محيط القصر الرئاسي، وإغلاق عدد من الجسور الرابطة بين مدن العاصمة – الخرطوم، الخرطوم بحري، أمدرمان – استطاع المتظاهرون، الوصول إلى محطة شروني القريبة من المبنى الرئاسي.
وهاجمت الأجهزة الأمنية المتظاهرين بإطلاق الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية بكثافة، فضلا عن رشهم بمياه ملونة، قالت لجنة أطباء السودان المركزية أنها تحتوي على مواد مخالفة للمعايير الدولية، وتسببت في أمراض جلدية ومشكلات صحية أخرى للمتظاهرين.
وتعرض عدد من المحتجين الذين تقدموا التظاهرات للدهس، بالسيارات المدرعة الخاصة بقوات الأمن، مما أدى إلى سقوط عدد من المصابين، بينما لم تعلن لجنة الأطباء السودانيين المركزية، عن الحصيلة النهائية للمصابين، حتى لحظة كتابة التقرير.
وحصل كر وفر، بين المتظاهرين والأمن، في محيط القصر الرئاسي ومناطق أخرى في الخرطوم، كما شهدت الأحياء القريبة من القصر والشوارع الرئيسية في البلاد، انتشارا كثيفا لقوات الأمن، تزايدت أعدادها واتسعت رقعة انتشارها في الفترة المسائية.
«ستنتصر لا محالة»
وقالت تنسيقيات لجان مقاومة الخرطوم، في بيان، إن السودانيين «خرجوا مرة أخرى إلى الشوارع حاملين هتافهم ومطالبهم الشرعية» مضيفة، أن «الثورة ثورة الشعب والسلطة سلطة الشعب الذي يرفض الرجوع إلى الوراء، وأنها ستنتصر لا محالة».
وأشارت إلى أنها اختارت القصر وجهة لتظاهرات الخميس، لأنه «قصر الشعب ورمز سيادته وسلطته» مؤكدة أن «الشعب سيستعيد سلطته ويسقط الحكم العسكري».
وفي مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة وسط البلاد، توجه المحتجون نحو منزل عضو لجان المقاومة المعتقل منذ أكثر من 6 أشهر أحمد الفاتح، رافعين، شعار اللاءات الثلاث «لا شراكة، لا تفاوض، لاشرعية» للانقلاب.
وبينت لجان مقاومة ود مدني، في بيان، أن تظاهرات الخميس جاءت «استكمالا للحراك الشعبي المناهض للانقلاب والمطالبة بالحرية للمعتقلين، وأنها كذلك رفضا للتردي الاقتصادي الطاحن وغلاء المعيشة» معتبرة ذلك «نتيجة طبيعية للانقلاب وسياساته».
وأشارت إلى «جهود توحيد لجان المقاومة، والتي أفضت، الأربعاء إلى توقيع نحو 57 لجنة وجسم مناهض للانقلاب على إعلان سياسي بعنوان (ميثاق تأسيس سلطة الشعب)» مؤكدة «مواصلة جهود توحيد الرؤى السياسية والتنظيمية للجان».
التضامن مع التجار
أما، في، مدينة عطبرة، شمال البلاد، فقد جابت التظاهرات، الأسواق، حيث وزع أعضاء لجان المقاومة، منشورات، نددت بالضرائب المرتفعة التي فرضتها السلطات مؤخرا على أصحاب الأعمال، والتي وصلت إلى 1000٪، مؤكدة على التضامن مع التجار الذين ينفذون موجة من الإضرابات في مدن السودان المختلفة، رفضا لقرارات السلطات.
وقالت لجان عطبرة في بيان، «إنه لم يتبق سوى القليل، لإسقاط الانقلاب العسكري» الذي وصفته بـ«الدموي» مؤكدة أنه «امتداد لنظام الإسلاميين».
وأضافت، أن «لجان المقاومة تأثرت بالكثير من التحديات بسبب محاولة بعض الأجسام ـ لم تسمها ـ جعلها مجرد أداة تستخدمها متى ما شاءت» مشددة على «استقلالية اللجان وعدم ارتهان قراراتها لأي جهة».
واتهمت تلك الجهات بـ«محاولة تقويض التحركات الهادفة إلى وحدة اللجان» مشيرة إلى أنها محاولات فاشلة، وأن اللجان «ستظل قوية بوعيها وقواعدها».
وكذلك، أكدت أنها «ماضية في طريق إسقاط الانقلاب ولن تقبل بأي تسوية» مشيرة إلى «دعمها كل مواثيق لجان المقاومة في كل أنحاء البلاد طالما التزمت باللاءات الثلاثة لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية».
في الموازاة، اعتبر، المجلس المركزي لـ«الحرية والتغيير» أن، تصاعد الإضرابات والغضب الشعبي «سيجعل من أكتوبر مرجلا يغلي وبركانا يثور في وجه انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي».
وأشار، في بيان، إلى «تصاعد الحراك الجماهيري المناهض للانقلاب» مؤكدا «دعمه الاضطرابات الواسعة في القطاعات المهنية المختلفة وكل أشكال المقاومة السلمية والمدنية بما فيها الإضرابات المعلنة لأطباء الامتياز والعاملين في وزارة الزراعة والتجارة والكهرباء ومفوضية اللاجئين وعمال السكة حديد في عطبرة».
الأمن يهاجم المحتجين بإطلاق الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع
وكذلك، أكد على «دفع المقاومة المدنية والسلمية في مدن الأبيض والقضارف وسنار والدمازين وعطبرة وتمبول، التي رفضت السياسات الاقتصادية التي فرضتها السلطات الحاكمة، والتي يقودها العمال والتجار والعاملون في المستشفيات الحكومية في الولاية الشمالية الذين طالبوا بإقالة مدير عام وزارة الصحة في الولاية، وإغلاق سوق الرهد أبو دكنة».
وقال إن «تصاعد الإضرابات والاحتجاجات في المؤسسات الحكومية والأسواق يعتبر مؤشرا هاما على إمكانية إسقاط الانقلاب» مؤكدا على «دعم وتوحيد الحركات المطلبية في أوساط العمال وصغار التجار وفي أوساط المهنيين وإمكانية المضي بها نحو الإضراب السياسي والعصيان المدني وصولا إلى إسقاط الانقلاب».
وأضاف: أن «شهر أكتوبر/ تشرين الأول، شهر الثورات» مؤكدا على «ضرورة التنسيق الميداني بين القوى المناهضة للانقلاب».
وأشار إلى أن مواكب الخميس، «جاءت وفاء لدماء ضحايا الثورة السودانية وانتصارا لحق الشعب في الحياة والحرية والسلام والعدالة» مؤكدا أن «الردة مستحيلة، والشعب أقوى والنصر أكيد، وأنه لا تراجع عن طريق الثورة وتطلعات السودانيين في دولة مدنية ديمقراطية».
القيادي في الحرية والتغيير، عضو المجلس السيادي السابق محمد الفكي، قال في بيان، إنه «بعد أحد عشر شهرا من مغامرة انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول تقف المجموعة التي شاركت في التخطيط والتنفيذ من مدنيين وعسكريين، عاجزة تماما عن إدارة شؤون البلاد».
وأشار إلى «توقف مشروعات التنمية العملاقة المدعومة من قبل المجتمع الدولي وانحسار الخدمات الضرورية التي كانت تقدمها الدولة من ماء وكهرباء ورعاية صحية للمواطنين». وأضاف أن «الانقلاب حاليا، ليس عاجزا فقط عن إدارة البلاد، بل حتى عن رؤية الانهيار الشامل والمتسارع في كل القطاعات» مشيرا إلى أنه «بدلا عن اتخاذ خطوات شجاعة بإنهاء هذه الحقبة المظلمة من تاريخ البلاد لصالح جموع السودانيين يُصر الانقلابيون على المضي في طريق ترسيخ حكمهم بالقوة مهما كانت فداحة الثمن».
حالة الشلل
ولفت إلى أن، «الاحتجاجات الواسعة في الأسواق، ورفض دفع الضرائب والإضرابات المستمرة، والتي تنتشر رقعتها باستمرار في مؤسسات الدولة المختلفة، هي مؤشر لحالة الشلل الكامل الذي تسير نحوه البلاد بسرعة وسط معاناة غير مسبوقة يعيشها السودانيون». وأكد أن، «إنهاء الانقلاب، بعودة العسكريين إلى ثكناتهم وتشكيل حكومة كفاءات مستقلة، هي خطوة البداية لوقف هذا الانهيار المتسارع» مشددا على أنه «بقدر ما تبذل قوى الظلام من جهد لسحق الأمل في قلوب السودانيين وإحالة حياتهم اليومية إلى جحيم، سيظل طوق نجاة الشعب الوحيد هو عزمه الصادق على إخراج البلاد من هذا الطريق المسدود وبناء دولة الحكم المدني الديمقراطي».
ومنذ انقلاب العسكر على الحكومة الانتقالية في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، سقط 117 قتيلا معظمهم بالرصاص خلال قمع الأجهزة الأمنية للتظاهرات بينما أصيب الآلاف.