ثمة مخاطر حقيقية محدقة تواجه مدينة القدس على المستويين الجغرافي والديموغرافي بعد كشف مدير دائرة الخرائط ونظم المعلومات الجغرافية في مؤسسة بيت الشرق خليل تفكجي، (مخطط 5800) الإسرائيلي، والذي سيطلق عليه اسم القدس 2050 بهدف تهويد مدينة القدس نهائياً وإنشاء القدس الكبرى بمساحة تقدر عشرة في المائة من مساحة الضفة الغربية البالغة 5800 كيلومتر مربع؛ في وقت تعتبر فيه إسرائيل القدس بشقيها الشرقي والغربي العاصمة الأبدية لها .
الطرد والإحلال
كان لطرد العصابات الصهيونية الشتيرن والهاغانا والإيتسل لحوالى مئة ألف عربي من الجزء الغربي المحتل عام 1948 بالغ الأثر في رفع نسبة اليهود في هذا الجزء حتى عام 1967.
وهو العام الذي احتلت فيه إسرائيل الجزء الشرقي من المدينة وطردت نحو 15 ألف عربي، وبدأت الإحصاءات الإسرائيلية تشمل العرب في الجزء المذكور من إجمالي سكان مدينة القدس في شقيها الشرقي والغربي، لذلك بدأت نسبة اليهود تتراجع، بسبب الزيادة الطبيعية للعرب التي تصل الى 3.5 في المئة، فضلاً عن توسيع حدود المدينة الذي تستهدف السلطات الإسرائيلية من ورائه ضم أكبر مساحة ممكنة من أراضي القرى لتشكل مساحتها في نهاية المطاف أكثر من ربع مساحة الضفة الفلسطينية قبل البدء في مفاوضات الحل النهائي التي أجلت مراراً. وتبعاً للمغريات المالية التي تدفع للمهاجرين اليهود الى القدس، باتت المدينة مركز جذب قوي لهؤلاء، وقد ساعد في ذلك الاقتطاعات السنوية الكبيرة من الموازنة الإسرائيلية لتنفيذ مزيد من المخططات الاستيطانية لتهويد المدينة، التي يستوطن فيها حوالي 11 في المئة من إجمالي مجموع اليهود في إسرائيل والأراضي العربية المحتلة.
في مقابل ذلك وصل مجموع العرب المقدسيين إلى (350) الف عربي فلسطيني؛ يشكلون 38في المائة من إجمالي سكان شطري المدينة البالغ 919 ألف نسمة.
ويتركز المستوطنون اليهود في محافظة القدس في 26 مستوطنة إسرائيلية تلف المحافظة بعدد من الأطواق الاستيطانية، ناهيك عن الأحياء اليهودية التي أقيمت داخل المدينة.
ومن الناحية العملية وضعت مخططات إسرائيلية تستهدف جعل اليهود أكثرية ساحقة في الجزء الشرقي من القدس المحتل عام 1967، وتعتمد الزيادة المقترحة لليهود في المدينة على استيعاب اليهود القادمين من الخارج عبر الهجرة اليهودية الكثيفة، جنباً إلى جنب مع الزيادة الطبيعية لليهود، وفي الوقت نفسه ستواكب هذه الزيادة لليهود في مدينة القدس سياسات إجلائية للعرب، من خلال إبطال شرعية إقامتهم في مدينتهم، إذا عاش واحدهم خارج القدس سبع سنوات متتالية، أو إذا حصل على جنسية أخرى. وكذلك إذا سجل إقامته في بلد آخر؛ ويندرج المخطط الإسرائيلي 5800 لتهويدها جغرافياً وديموغرافياً بحلول عام 2050 ، بحيث تصبح القدس خالية من اهلها المقدسيين.
سبل تثبيت المقدسيين
تبعاً للسياسات والقرارات الإسرائيلية لفقد إقامتهم بالقدس وكذلك تهويد التعليم ؛ يقدر عدد العرب المقدسيين المعرضين لفقدان بطاقة الهوية العائدة لهم أكثر من (150) ألف مقدسي، وقد يرتفع العدد مع ارتفاع وتيرة الضغوط والملاحقات الإسرائيلية للمقدسيين، وهذا يعني ترحيل مزيد من المقدسيين مدينتهم خلال السنوات المقبلة.
واللافت للنظر أن كل الإجراءات الإسرائيلية لترحيل العرب وضعت وفق أحكام القانون الإسرائيلي الزائف والمخطط له مسبقاً، فصاحب الأرض، وفقاً لنسق تطور الملكية والسكان، معرض في أي لحظة لسلب حقه وإقامته، بينما يكفي لليهودي الآتي من دول العالم المختلفة أن يعلن نية القدوم إلى فلسطين حتى يصبح مواطناً في القدس، ولا يفقدها حتى لو غاب سبع سنوات أو عدة عقود أو حمل جنسية أخرى، على عكس العربي صاحب الأرض الذي تفرض عليه قوانين إسرائيلية جائرة، لاستلاب أرضه وتهويدها بكل الوسائل، وخاصة عبر مصادرة مزيد من الأراضي وبناء المستوطنات عليها لتلف المدينة من كل الاتجاهات وتعزلها عن بقية المدن والقرى في الضفة الفلسطينية.
النشاط الاستيطاني
ومن المهم الإشارة الى أن الحفريات الإسرائيلية وتسريع النشاط الاستيطاني في جنبات وعمق القدس تخدم التوجهات الديموغرافية الإسرائيلية حتى عام 2050 ، لفرض واقع تهويدي على الأرض وفق المخطط 5800 ، الأمر الذي يطرح سؤالا حول السبل لمواجهة التحديات الحقيقية التي تواجه القدس وأهلها المرابطين رغم عسف الاحتلال وجرائمه اليومية التي تطال البشر والحجر في القدس.
قد يكون من باب أولى الإسراع لتحقيق مصالحة وطنية فلسطينية سريعة وجادة ودائمة وتغييب الأجندات الفصائلية الضيقة، والاتفاق على سبيل كفاحي مشترك سياسياً ومالياً ودبلوماسياً لتثبيت المقدسيين وإسقاط المخطط التهويدي 5800 ، ودون ذلك تكون خطابات القوى والفصائل الفلسطينية مجرد هراء، كما تحتم الضرورة الاستفادة من طاقات الشباب الفلسطيني في داخل فلسطين التاريخية والمهاجر القريبة والبعيدة ، والذين يمتلكون ناصية السلطة الخامسة وأقصد هنا ، استخدام وسائط التواصل الاجتماعي بدراية وتقنية عالية وبلغات عديدة، والاتفاق على المحتويات المدروسة لمخاطبة شعوب الأرض لفضح وكشف عنصرية إسرائيل وفاشيتها إزاء الشعب الفلسطيني والقدس التي تعتبر قلب الوطن الفلسطيني ، وبهذا ستنحاز الشعوب في دول العالم رويداً رويداً الى جانب الحق الفلسطيني، وتكون عامل ضاغط على الحكومات الغربية المنحازة الى المواقف والرؤى الإسرائيلية .
كاتب فلسطيني مقيم في هولندا