أين تضع قدمك في كل هذه الأرض الصغيرة
وكيف تقول كلمتك بين كل هذه الأقوام التي تحاربنا بك
من يأخذنا إلى الجنة
ومن إلى الجحيم
ألا يحق لنا أن نعرف
قبل أن نموت
قبيل أن نُذبح
فليس عدلاً
في حضورك المهيمن
أن نصابَ بغيابك الفاجع
من منهم يستحقك
ولمن تقول مزاميرك.
٭ ٭ ٭
أقصى من الإدراك
أيهما سوف ينالني قبلاً
الموت أو الوطن
كلاهما على مبعدة من التحقق
أنجح
دائما أنجح في صد الموت عن ادراكي
أما الوطن
فلم يتوقف منذ نجمة الوعي
عن النأي عني
وإقصائي
أو منحي أوسمة الغربة
وها أنا ذا
على مبعدةٍ عن الاثنين
أصير الهدف المستبعد لكليهما.
٭ ٭ ٭
لا تذعن له كثيراً
ولا تصغ إليه
يغرّر بك
ويجرجرك
يأخذك إلى تيه الخارج
فيما داخلك هو ما يغنّي بك
ويُغْنِيك
امتثالك لجلافته
أمثولة للموغلين في الاخفاق
فلا تزعمنّ النص
ولا توزع أغانيم الليل المبتسرة
في أحلامنا.
٭ ٭ ٭
بريد الموت في غبارٍ يتذرذر برسائل مخمورة تنهض في طين الأعال بماءٍ ومنحنيات. قبورٌ تتصاعد وتتناسل ناهضةً من تجاعيد الأرض في هالاتٍ كأن جثامينَ طغاةٍ تحبل وتأخذ الموت للنزهة الأبدية. تأخذ في الأرض بحراً ويزيد. قبورٌ قديمة تدُّخر تاريخ القتلى وتؤجلهم، وتؤوِّلُ جناتٍ وفراديسَ لهم، كي لا تسأم تلك الأحداق الخاوية في انتظاراتها. قبورٌ متتالية تزدرد خوف القرى والقرابين. موتى يرتحلون يعبرون القرون، يجمعون القرائن، يستنفرون بريد التلال يتوغلون في التفاسير كأسرى حربٍ مقبورين في انتظار القيام. بريد ينفخ في الصور لها لتقوم.
٭ ٭ ٭
قلتُ
كان الله تجلّى في أشلاء القتلى.
قلت كان السيف نبياً جزّ الرأس وصلى.
قلتُ
لعل الله يكافئنا ويردّ النار قبيل الماء … لعلا.
٭ ٭ ٭
بذلك الصوت الجريح، شفيفاً مثل كفنٍ مستعمل، تطرح علينا كناياتها، ترتبها مصفوفةً أمامنا، وتبدأ في امتحان قدرتنا على اكتشاف دلالات غير مرئية تشي بطبيعتها الكونية. ويندر أن يعرف أحدٌ منا مَنْ تكون على وجه التقريب، نتلعثم، أعني نتعثر بالقواميس وفهارس التأويل وحدود المعنى، دون أن ندرك ما الغزالة، مذبوحة الروح، كسرة القلب، التي تتماثل أمامنا تتحرّك بوجل المفقود وقلق الفاقد، تؤرجح قدميها كمن تعبر حقل الغام لا نهائي. كل ما نفعله أننا نفقد قدرتنا على الاطمئنان والسكينة، فيما نصغي لذلك الصوت النازف الرهيف، متدفقاً مثل نبيذ مسكوب من عنق زجاجة تترنح لفرط الفقد. نُصغي، نصغي فحسب، لكننا لا ندرك، أعني لا نكاد أن ندرك، هل هذا الصوت هو صوتها، أم هو صوتنا الذي نفقده طوال الوقت دون أن ندرك ذلك.
٭ ٭ ٭
في منتصف الطرقات
وقت كان الليل يتقهقر عشية فجرٍ متعثر
وقفت أرقب عشاقاً في المنعطفات
وتحت جسورٍ قيد العمل
يتجاسرون على ذعرهم
يتبادلون الجراح والذكرى
يتبذَّلون حدَّ الانكسار في وطأة الجسد
في منتصف طرقاتٍ مأهولة
بالضوء الطازج الشحيح
الذي بالكاد يضئ انطباق الشفاه
منتصفات الطُرق الكثيرة
المنسولة من سبل تقصر عن الوصول.
في تلك الطرقات
عبر منتصفاتها
من يقوى على الوصول.
٭ ٭ ٭
لسنا مجبرين على الاعجاب بأحد، مهما بالغ في عرض «الستربتيز»
ليس لأننا طهرانيون إلى هذا الحد،
لكن لأن السيرك فضيحة للعرض والعارض والجمهور،
قد كان عرساً في حفل ختان.
٭ ٭ ٭
الخرائط تقترح الطرقات والسبل،
لكن العربات والوسائل من مهمات المسافرين.
الفرسان وحدهم يقودون القوافل ولا يتبعونها.
٭ ٭ ٭
كان يمسك بالممحاة محاولاً أن يكتب بها نصوصه، في الصفحة ذاتها التي كتب فيا القتلى فهارس التجربة. فطفق الدم يشخب من حوله، لم يكن يبصر، ترى هل كان يسمع ذلك؟
٭ ٭ ٭
من الذي يزعم أنه يعرف عن المستقبل بقدر معرفته الماضي؟
وكيف تسنى الصبر على حاضر مثل هذا تحت وطأة أكثر الطغاة جلداً على نفي المستقبل كفكرة، ومحوه من أحلام أطفالنا. نقف تحت سقيفة الله نتفاقم في صلاة غير مسموعة، وتضرع للبراثن، دون أن يتبدى لنا أن الله لم يزل هناك. وإلا كيف نقبل فكرة التنازل عن سؤاله في أي جانب يقف الآن، وهل هو واحد حقاً، فإذن كيف نتيقن من فيهم ذهب إلى جنة ومن منهم إلى الجحيم، هؤلاء الذين ذبحهم الجميع، باسم الله، دون أن يجرك ساكناً، ويخبرنا لمرة واحدة فقط، مرة واحدة يا الله، من الجرح ومن النصل، وأين أنت من كل هذا؟ يا الله، نحن الذين لك، قل لنا لمن أنت؟
٭ ٭ ٭
والتفاصيل تنساب مثل الأصابع في العزف
خبأتُها في ضمير القناديل
اوصيتُ قلبي بها
كي يموت قليلاً
ويمسح ريش الجناح الكسير
على وجهها
علّها تدرك في نظرة النساء الثواكل
ملامح من مات ومن سيموت قريباً.
كاتب وشاعر بحريني