بنزرت (تونس) – الأناضول: بينما يبحث المواطن العربي عن وظيفة حكومية قارة وراتب شهري جيد، اختار عبد الملك غنام التخلي عن مهنة التدريس، التي تعد من الوظائف المحترمة في تونس.
غنام (50 عاما) فضل طريق المغامرة الذي لم يكن يسيرا بل كثير المطبات، والجميل فيه أنه كلما اشتدت وعورته، ازداد إصرارا على النجاح.
ففي مدينة «غزالة» إحدى أكثر المناطق فقرا في محافظة بنزرت (شمال) قام غنام ببعث مشروع نموذجي يتمثل في صناعة قوالب بناء من نفايات المناجم المغلقة في المحافظة.
حصل غنام المنحدر من محافظة القيروان، على شهادة الأستاذية في الحقوق في تونس، ثم سافر إلى فرنسا والولايات المتحدة، حيث نال عدة شهادات علمية، وأصبح خبيرا دوليا ومدربا محترفا في التنمية البشرية.
وفي 2006 حصل على لقب «شيخ الغرفة الفتية الدولية» ثم انتخب في 2007 رئيسا وطنيا للغرفة الفتية الاقتصادية التونسية، كما حصل على عدة جوائز عالمية في مجال تقنيات القيادة والتسيير، ولا يزال مشرفا على عدة دورات تدريبية في العديد من البلدان.
عدم التطور
ومارس غنام مهنة التدريس في تونس (التعليم الثانوي والعالي) وأشرف على عدة رسائل بحث، وساهم في عدة مقالات علمية.
التقينا غنام في مصنعه في منطقة غزالة، وزرنا رفقته العديد من دور الضيافة والمنازل التي آمن أصحابها بفكرة البناء بقوالب شركة «صواب» البيئية، التي أسسها.
حول المغامرة التي أقدم عليها بتركه مهنة التدريس والتوجه نحو عالم الأعمال والبقاء في المكان، فالبقاء في المكان نفسه يعني عدم التطور».
ويضيف: «ضاقت نفسي من الوظيفة الحكومية، فانطلقت في تأسيس مشروع صناعي الأول من نوعه في البلاد».
ويشير مازحا إلى أنه دخل هذا المعترك الجديد «بعد أن تحصلت على الضوء الأخضر من عائلتي، فالقرار كان أسريا، تشاورت فيه مع زوجتي وأبنائي (ولدان وبنت)».
ويردف: «بتوفيق من الله، بعثت شركة صواب، وهو اسم اخترته بدقة، يعني الرأي الصواب، أو الخيار السليم، وهو مشروع صناعة القوالب وفق التقنية العالية للتربة المضغوطة».
ويتابع غنام: «تم اختياري على منطقة غزالة لبعث المشروع الصناعي، نظرا لما تزخر به الجهة من مواد إنشائية، وخاصة بقايا تربة المناجم».
ويكمل: «في غزالة، كانت هناك أكوام متراكمة لسنوات من بقايا المناجم غير المجدية، حرصت على تثمينها، وفعلا انطلق المشروع في الإنتاج في الربع الأخير من سنة 2010».
المشروع لاقى عراقيل عديدة؛ أولها ما عاشته البلاد من فوضى وتسيب وغياب سلطة الدولة، وخاصة بين 2011 و2012.
كما أن إقناع الناس بمنتج جديد للبناء كان أمرا صعبا، لأن عقلية المواطن وعامل البناء والتقنيين والمهندسين لم تكن مهيئة لقبول طريقة بناء جديدة تقوم على إلغاء 90 في المئة من مادة الأسمنت في الجدران، واعتماد نظام الجدار الحامل، وفق ما أوضح.
يقول غنام: «لم يكن من السهل التمكن من صناعة القوالب وإثبات المتانة علميا وهندسيا، كما لم يكن من السهل الولوج إلى قطاع تسيطر عليه لوبيات مصانع الأسمنت والآجر».
«لم يكن الطريق مفروشا بالورد» على حد وصف غنام، إذ مرت شركة «صواب» بعدة عراقيل وفترات انتكاسة ناتجة أساسا عن شراسة المنافسة، و»تكلس الأدمغة» وعدم قبول التغيير.
وفي الوقت ذاته واصل غنام البحوث العلمية والتقنية لتطوير المنتجات وإنجاز عدة مبان نموذجية.
وتم إثبات جدوى المنتج من حيث النجاعة الطاقية، فحاز غنام الجائزة الوطنية للتحكم في الطاقة في 2013، وجائزة أحسن مخطط أعمال على المستوى الوطني لعام 2012، وعدة جوائز دولية في ألمانيا وسلطنة عمان وجنوب إفريقيا.
وقال إن هذه الجوائز حفزته لمواصلة البحث والتطوير على مستوى تركيبة التربة وسمك القوالب.
التكوين والتصدير
ومع مرور الوقت، لاحظ غنام أن نسبة كبيرة من المتابعين لنشاط الشركة بدأت تقتنع بأهمية المنتج على جميع المستويات، فأصبح معتمدا في البناءات المدنية والصناعية والسياحية والأسوار الخارجية وحتى المنشآت العسكرية.
وأشار إلى أن شركته صارت قبلة لمختصين عدة من الدول المجاورة، كما طورت الشركة شراكات عديدة من أجل إنتاج خطوط إنتاج للقوالب وأكاديمية للتكوين، وتصدير المعرفة والآلات حتى إلى أوروبا.
وحسب غنام، تم استقبال عديد الوفود والمختصين الأجانب الذين اطلعوا على المشروع وعبروا عن إعجابهم بالفكرة.
وعن ميزة البناء بالقوالب، يقول غنام إنّ «ما يمتاز به منتوجنا، علاوة على أنه صحي وأقل تكلفة من البناء بالآجر، أنه يعطي شعورا بالراحة من حيث الجمالية».
ويلفت إلى أن هذا النوع من البناء أكثر أمانا «فهو مقاوم للزلازل إلى حد 7 درجات على سلم رختر».
ويردف: «تأكدنا من ذلك بعد تعرض مسكن من القوالب، أنجزناه في جنوب إفريقيا، لزلزال بقوة تزيد عن 5 درجات». وبشأن الدعم والتشجيع، يقول غنام «في الظاهر التشجيعات موجودة على الورق، لكن حين تتخاطب مع الموظفين الموجودين في الإدارات لا يتعاملون معي بعقلية المساعد لكن يتعامل بعقلية غير المهتم، كذلك البنوك أنهكتنا وأتعبتنا».
ورغم تلك الصعوبات، فإنه ينصح الشباب بالمغامرة والخروج من منطقة الرفاه، ويجب التعويل على النفس والإيمان بالنجاح.