منذ لحظة تشكيلها بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1500 الصادر في 14 آب/ أغسطس 2003، ظلت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، المعروفة اختصارا بيونامي، تمارس دور شاهد الزور باتقان! وكانت حريصة دائما في «تقاريرها» على عدم إغضاب أحد!
فلم تكن بعثة يونامي تصدر إحاطتها في مجلس الأمن، او تقاريرها الدورية، قبل أن تعرضها على السفارة الأمريكية من أجل إقرارها او تعديلها! ولا تندهش حين تسمع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة الأسبق الذي يرأس بعثة يونامي مارتن كوبلر وهو يشيد بوضع حقوق الإنسان في العراق بالمقارنة مع دول المنطقة، ويصف كلمة لرئيس مجلس الوزراء الأسبق نوري المالكي في أحد التجمعات بأنها «تعكس تماما الأجندة الموجودة على طاولة الأمم المتحدة»، وأنها تمثل «الالتزام الحقيقي والصحيح بحقوق الإنسان»! واصفا العراق بأنه البلد الأكثر ديمقراطية في المنطقة! كل هذا كان يحصل بينما كانت السيدة هناء ادور، الناشطة المعروفة، تعرض بكل شجاعة أمام أنظار المالكي صور أربعة ناشطين تم اعتقالهم على يد القوات الأمنية بعد مشاركتهم في مظاهرات في ساحة التحرير!
أثناء معركة الموصل، والتي استُخدمت فيها الأسلحة بكثافة وبعشوائية لقصف المدينة، كتبنا حينها مقالا بعنوان «الموصل: استراتيجية التدمير بدل القتال»، لكن يونامي كانت روايتها مختلفة حيث قدمت إحاطتها يوم 22 أيار/ مايو 2017 ومفاده أن القوات العراقية وشركائها في التحالف الدولي، قد دأبوا على «تكييف أساليبهم الحربية لتقليل تأثير عملياتهم على المدنيين»! مع أن الصور القادمة من ساحة المعركة كانت تظهر الاستخدام المفرط للأسلحة غير النقطوية/ العشوائية، أثناء قصف المدينة، وأن نسبة التدمير في المدينة تجاوزت 80٪، وأن قائد الشرطة الاتحادية افتخر في فيديو مصور بأنه سحق المنطقة، ويقصد الموصل «بالمدفعية والصواريخ»!
في المقابل أصدرت هيومان رايتس ووتش، تقريرا بعنوان «القوات العراقية تستخدم أسلحة عشوائية في قتالها ضد تنظيم الدولة الإسلامية»، وتحدثت منظمة العفو الدولية في تقرير لها بعنوان «مهما كان الثمن: الكارثة المدنية في الموصل» عن فشل الحكومة العراقية وقوات التحالف في «تكييف أساليبها وتكتيكاتها بشكل مناسب» كما يقتضي القانون الدولي الإنساني، من خلال اعتمادها بشكل مكثف على «استخدام الأسلحة المتفجرة التي تمتد آثارها لمساحات واسعة، مثل القذائف الصاروخية المرتجلة، ونظرا لما تتسم به هذه القذائف من قدرات بدائية في التصويب، فقد خلقت دمارا واسعا»! فيما كانت صحيفة الاندبيندنت تتحدث عن مقتل 40 ألف مدني في معركة الموصل.
أما فيما يتعلق بالانتخابات، فقد كانت يونامي دائما شاهد زور على ما كان يحدث من انتهاكات؛ وساهمت عبر تقاريرها في التغطية على التزوير المؤسسي الصريح الذي كان، ولايزال، يحدث مع كل انتخابات في العراق، كما أنها ساهمت، عبر مشاركتها في تشكيل مفوضيات الانتخابات المتعاقبة، في التغافل على موضوع تسييس هذه المفوضيات وتحوّلها إلى ممثلية للأحزاب!
لقد تبنت يونامي عام 2005 الأرقام المضللة التي قدمتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات حول نسبة المشاركة، وأكدت في تقريرها نسبة المشاركة في الأنبار والتي بلغت 86.4٪ كما قالت الرواية الرسمية، في الوقت الذي كانت فيه المحافظة خاضعة لسيطرة الجماعات المسلحة!
العراق ليس بحاجة الى حكام مسلحين ينصبون أنفسهم زعماءً مع الفساد المستشري وظاهرة الفئوية والنهب لمؤسسات الدولة، وظاهرة الإفلات من العقاب وغياب المساءلة
وعام 2018 صرح نائب رئيس بعثة يونامي بأن الانتخابات كانت «ناجحة إلى حد كبير مما عزز المكتسبات الديمقراطية في العراق»! وأن الناخبين تمكنوا «من الإدلاء بأصواتهم واختيار ممثليهم بحرية وأمان»! ليشيد في النهاية «بجهود موظفي الانتخابات وممثلي الأحزاب وقوات الأمن لجعلهم الانتخابات تتم بطريقة سليمة وآمنة ومنظمة بدرجة كبيرة». في الوقت الذي صرح فيه رئيس مجلس الوزراء العراقي نفسه حول عمليات تزوير واسعة النطاق في تلك الانتخابات!
ظلت شبهة تواطؤ هذه البعثة مع توجهات الطبقة السياسية المتنفذة في العراق خلال السنوات الماضية، لكن ومع بداية هذا العام، تغيرت لغة الخطاب هذه، وبدأت يونامي تدريجيا تتخلى عن دور شاهد الزور، ففي 24 شباط/ فبراير 2022 قدمت جنين هينيس ـ بلاسخارت، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، الإحاطة الدورية ليونامي الى مجلس الأمن. نقلت فيها للمرة الأولى، تساؤل «الكثير» من العراقيين حول ما «إذا ما كانت المصلحة الوطنية هي بالفعل «الشغل الشاغل» للمفاوضات الجارية ـ بدلاً من الحصول على الموارد والسلطة أو كيفية تقاسم كعكة التعيينات السياسية والوزارات؟»، وأن العراق لا يشهد مستوى أقل فسادا عن الأعوام التي سبقته، مؤكدة أنها ما زالت تفكر من منظور «نصف الكوب الممتلئ»!
في الإحاطة اللاحقة التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 17 أيار/ مايو 2022 أخبرت بلاسخارت مجلس الأمن أنهم إذا قاموا بزيارة «لأي من الأسواق سيخبركم العراقيون: إن المصلحة الوطنية -هذه المرة أيضاً- تتراجع لصالح الاعتبارات القصيرة النظر والرامية للسيطرة على الموارد ولعبة السلطة». وأن «العراق ليس بحاجة الى حكام مسلحين ينصبون أنفسهم زعماءً»! كما تحدثت عن الفساد المستشري وظاهرة الفئوية والنهب لمؤسسات الدولة، وظاهرة الإفلات من العقاب وغياب المساءلة!
في الإحاطة الأخيرة التي قدمتها بلاسخارت إلى مجلس الامن يوم 4 تشرين الأول/ أكتوبر 2022، بدا واضحا أنها بدأت تعتمد منظور كوب الماء الممتلئ كاملا وليس نصفه فقط! فتحدثت عن مؤيدي الأحزاب السياسية من المسلحين قائلة (هؤلاء المسلحون الذين لم تكن تراهم مطلقا من قبل!)، وعن اخفاق الطبقة السياسية في وضع المصلحة الوطنية في المقام الأول، وعن البلد الذي على حافة الهاوية، وعن الفساد الذي أصبح «سمة أساسية للاقتصاد السياسي العراقي الحالي، وهو متغلغل في المعاملات اليومية»، وعن الاعتماد «على المحسوبية والمحاباة وما نتج عنه من قطاع عام متضخم وغير فعّال، ويعمل كأداة للخدمات السياسية أكثر من كونه أداة لخدمة الشعب»، وعن تآمر المصالح الخاصة والحزبية لتحويل الموارد بعيداً عن الاستثمار المهم في التنمية الوطنية، ووصولا إلى الإقرار بأن «النظام السياسي ومنظومة الحكم في العراق يتجاهلان احتياجات الشعب العراقي، أو حتى أسوأ من ذلك، يعملان بنشاط ضدها»، وعن الفساد المستشري الذي يعد «سبباً جذرياً رئيسياً للاختلال الوظيفي في العراق، لتنتهي إلى أن «إبقاء النظام (كما هو) سوف يرتد بنتائج سلبية عاجلاً وليس آجلاً»، لذا من المهم صياغة النظام، وليس مجموعة من الأفراد أو سلسلة من الأحداث» كما قالت!
لا يمكن فصل هذا التحول في خطاب يونامي عن طبيعة التحولات التي تحكم وجهة النظر الأمريكية تحديدا بشأن العراق. مع أنه من المبكر الجزم بالقول إن ثمة قرارا نهائيا لوقف التواطؤ الدولي في مسألة التغطية على ما يجري في العراق، تحديدا فيما يتعلق بفشل النظام السياسي الزبائني، وفساد الطبقة السياسية برمتها، ومن المبكر أيضا الجزم بالقول إن بعثة الأمم المتحدة في العراق قد تخلت تماما عن كونها شاهد زور في العراق، فقد يكون الأمر مجرد ضغط سياسي عبر هذه التهديدات المبطنة لإيجاد مخرج للأزمة القائمة، ثم يعود الجميع إلى أدوارهم!
كاتب عراقي
مشكلة السياسيين العراقيين هي بالولاءات !
هناك من يوالي إيران على حساب بلده , وهناك من يوالي الدولار !! ولا حول ولا قوة الا بالله
مقال جيد يعبر عن الماسي التي عاناها الشعب العراقي منذ غزو العراق من قبل الولايات المتحدة عام ٢٠٠٣ والذي تعاونت كل من الكويت وايران ودول عربية وغربية في هذا الغزو. من الموءسف القول ان بعض موظفي الامم المتحدة الذين يدعون بانهم لا يمثلون مصالح بعينها ولكن منذ ان تحول العالم الى نظام القطب الواحد فان موظفي الامم المتحدة لا ياءبهوا بمصالح الشعوب المظلومة كما الحال في العراق وفلسطين.