بيروت ـ «القدس العربي»: هل ستلعب السينما دوراً في المرحلة البيئية والمناخية القاسية المقبلة على العالم أجمع؟ وهل سيكون لها فعلها في صناعة التأثير لدى الرأي العام العالمي فيما يخص القضية الفلسطينية؟ ففلسطين تحتاج أكثر من أي وقت مضى لأن تصل سرديتها الإنسانية إلى أبعد مدى في هذا الكوكب.
الكوارث المناخية التي تتسارع وتيرة انهمارها على العالم تبدو مرعبة. فهل سيبقى الرأسمال الوحشي الذي تسبب بها معادياً لقوانين الطبيعة؟ وأين دور السينما من هذه الكارثة المناخية الجماعية على هذا الكوكب؟
جمعية بيروت دي سي الناشطة منذ سنة 2005 في تقديم المشهد السينمائي للجمهور، وخاصة السينما المستقلّة، والسينما الوثائقية والأفلام القصيرة، وضعت برنامجاً لنشاطها يركز الاهتمام على عنوانين، هما: مختبر صناعة التأثير/فلسطين. وسرديات للبيئة/لبنان.
مع مديرة التواصل والتشبيك في بيروت دي سي لينه سحّاب هذا الحوار:
○ ما هو برنامج «صناعة التأثير» في بيروت دي سي وما هي أهدافه؟
•يمكن تصنيفه من أكبر البرامج في بيروت دي سي. ينطوي تحته مشاريع عدة، منها دعم الحملات من أجل فيلم يعالج موضوع بيئي، اجتماعي أو حقوقي في العالم العربي. أي بناء استراتيجية لدعم الفيلم الذي نحن بصدده. فـ«مختبر التأثير» الذي جرى مؤخراً في فلسطين أونلاين، توجه بالتدريب إلى صنّاع أفلام ومنتجين بحيث يصبحون منتجي تأثير. أي أن تصبح لديهم مهارة بناء حملات تأثير حول أفلامهم. نختار أفلاماً محورها بيئي، إنساني، اجتماعي وحقوقي. بمعنى آخر نعمل لتسخير القوة التي نمتلكها خدمة لفيلم بهدف رفع الصوت في موضوع معين، أو نعمل للتحفيز على هذا الموضوع. إلى جانب التدريب على بناء حملة حول القضية التي يعالجها هذا الفيلم أو ذاك بهدف رفع الصوت، فإننا أيضاً نعمل على تشبيك منتج الفيلم أو مخرجه مع مؤسسات تُعنى بالقضية قيد المعالجة. فهذا البرنامج يعمل على تغيير السرديات عن موضوعات ملحّة في منطقتنا.
○ لنتعرّف بالتفصيل إلى مختبر صناعة التأثير في فلسطين وكيف سلك طريقه لتكون الحكاية قوية ولديها قدرة الوصول؟
•أهم ركائز مختبر صناعة التأثير، وعندما نكون بصدد حملة أن ننقل صوت الناس، يتمّ ذلك بعد مجالستهم، وسؤالهم عن حاجاتهم وأهدافهم، وعندها تكون مهمتنا جعلهم يتقنون أداة رفع الصوت وتغيير السردية. أي أن يحسنوا تقنياً إيصال صوتهم. للشعب الفلسطيني خصوصيته، فهو صاحب قضية لها بعدها السياسي والإنساني والأخلاقي. كافة الحكومات تتحدث بإسمهم، إنما أحد لم يسأل اللاجئين الفلسطينيين ماذا يريدون؟ فالتعاطي العنصري حيال اللاجئين من قبل حكومات البلدان التي استقبلتهم معروف، وهم لا يتمتعون بأدنى الحقوق الإنسانية. إذاً الهدف من مختبر صناعة التأثير/ فلسطين أن نزوّد صنّاع الأفلام في فلسطين وأماكن اللجوء، بالأدوات التي تتيح لهم تطوير مشاريع أفلامهم، سواء كانت تلك الأفلام منجزة أو قيد الإنجاز، ومساعدتهم لخدمة الهدف الذي قرروا الإضاءة عليه. هذا المختبر يشكل عاملاً مساعداً في بلورة فكرة المخرج، أو المنتج وبالتالي إيصال صوته.
○ ماذا عن عدد المشاركين في مختبر صناعة التأثير في فلسطين؟
•بلغ العدد 16 مخرجة ومخرجا. لسنا نعوّل على العدد بقدر ما نهتم بإتقان هؤلاء المتدربين للتأثير من خلال أفلامهم. صناعة التأثير يعتبر توجهاً مستجداً في العالم، وهو منبثق عن مؤسسة «دوك سوسايتي» الإنكليزية. وجمعية بيروت دي سي تعمل على النسخة العربية منه. من خلال هذا البرنامج نتواصل مع صنّاع الأفلام العرب والمنتجين. نهتم ببناء جيل جديد من صنّاع الأفلام العرب أكثر من اهتمامنا بالعدد. نتوجه إليهم بكيفية بلورة أفكارهم لتقديم الموضوع الذين هم بصدده، وبصوت عال.
○ هل كانت لكم خلاصة من مختبر صناعة التأثير بفلسطين؟
•بدأ هذا المختبر مع 16 مخرجة ومخرجا يسمعون بالموضوع لأول مرة. إذاً شكل ورشة عمل وتدريب بالنسبة لهم، وتخلل ورشة العمل مداخلات حول المشاريع التي تقدمت بها المشاركات والمشاركون. ولأننا في المستوى الأول أي ما يمكن تسميته بـ«مدخل إلى صناعة التأثير» كان من مهمة البرامج المقبلة العمل على صناعة التأثير مباشرة، وهذه المشاريع تتمثل بصندوق دعم الحملات، وزمالة منتجي التأثير.
○ وماذا في تفاصيل المرحلة الثانية؟
•الأبواب مفتوحة لمن يرغب من المشاركين، ويمكنهم التقدم إلى صندوق دعم الحملات، وهو يتضمن دعماً مالياً مرفقاً باستشارات من خبراء ومرافقة. كافة المشاركين في مختبر دعم التأثير/فلسطين لهم منا كل دعم. مبدئياً مديرة البرامج في بيروت دي سي فرح فايد تدير برنامج التأثير الذي تندرج في إطاره أبواب متعددة، منها المختبر الإقليمي والمختبرات المحلية، وهو يضم بلدانا عربية، وشمل في مرحلة سابقة سوريا ولبنان، السودان وفلسطين، ونحن بصدد مشاريع مقبلة في دول المغرب العربي.
○ ماذا تقولين لقارئ عربي ينتظر فيلماً من فلسطين يستنير بهدى «مختبر صناعة التأثير»؟
•سؤال كبير برأي. بيروت دي سي عملت مع الكثير من المخرجين منذ زمن ومن خلال برامج متعددة، حالياً بات «مختبر صناعة التأثير» هو الأساس. فإن كنّا بصدد التحضير لفيلم وبينما يتمّ إنجازه، يُصار للعمل على بناء حملة تأثير، والزمن الذي نحتاجه لإنجاز فيلم يتراوح بين عام وعامين، هذا طبعاً إذا كانت لدى صنّاع الأفلام الرغبة في متابعة العمل.
○ وهل اُنجزت أفلام غير فلسطينية في إطار مختبر صناعة التأثير؟
•نعم اُنجز فيلم لبناني عنوانه «ألبوم» يعالج حقوق المثليين وعلاقتهم بعائلاتهم، وفيلم «عاش يا كابتن» عن فتيات يتمرنّ في مصر على رفع الأثقال. والحملة التي أنجزت بصدد الفيلم مكنتهنّ من ترميم مقر المركز الرياضي حيث تتلقين التمارين. والعديد من تلك الفتيات يشاركن في بطولات عالمية. كذلك فيلم «كباتن الزعتري» عن نازحين سوريين يلعبون كرة القدم في مخيم الزعتري في الأردن.. إثنان من هؤلاء الشباب باتوا سفراء معنويين في مونديال قطر، وهم رياضيون محترفون، وقدم الفنان المصري المشهور «ويغز» أغنية للفيلم، وتبرّع بكافة عائداتها من المشاهدة على يوتيوب، وهي بلغت 20 مليون مشاهدة، لتحسين الأوضاع المعيشية للشباب في مخيم الزعتري.
○ بات العالم جميعه يواجه آثار انتهاك قوانين الطبيعة فماذا عن برنامج «سرديات للبيئة»؟ وهل من دور تلعبه السينما؟
•نعم في هذا الاتجاه يمكن للسينما أن تكون أداة حشد للناشطين على مستوى القوة الشعبية، وتالياً التواصل مع صنّاع القرارات. وهذا يبرز من خلال السينما المستقلّة والسينما الوثائقية. وهذا ما يحدث على صعيد العالم، إنما في البلدان العربية لم تُحدث السينما هذا التأثير بعد. بالتأكيد للسينما دور على صعيد البيئة، فهي أداة فعالة وتمتلك سهولة الوصول إلى الناس. القضايا البيئية دخلت منازلنا، وفي حين يعيش خبراء البيئة بعيداً عن الناس لأنهم لا يتحدثون لغتهم، في حين يتمكن الفيلم من تقديم معلومات الخبير بلغة تصل للناس، يعتقد الكثيرون أن الموضوع البيئي محصور في ثقب الأمازون البعيد عنا، والواقع يقول أن الأثر البيئي موجود في مياهنا، والهواء الذي نتنشقه والحاجات الأساسية التي سنفتقدها عندما يتراجع حجم الماء في العالم. عندما وصل الاجتياح الإسرائيلي إلى بيروت كانت له أهداف متعددة منها ثروتنا المائية، والخبراء يقولون أن الحروب المقبلة هي حروب مياه.
○ هل تدعم بيروت دي سي أفلاماً وثائقية تهتم بالموضوع البيئي؟
•خطواتنا في هذا الجانب بسيطة ولم نصل بعد لمرحلة الدعم. سرديات للبيئة جرت فعالياته في الأردن ومن ثمّ في القبيات – لبنان.
○ معلوم أن أشجاراً نادرة التهمتها النيران العام الماضي قريباً من القبيات. كيف تصفين التجاوب مع فعاليات ريف – أيام بيئية؟
•صنّاع الأفلام كانوا ضيوفاً، وكذلك الخبراء. التفاعل بين الطرفين أفضى إلى ملاحظة بضرورة التنسيق والانفتاح، فالهدف هو البيئة أولاً. حريات الإبداع لن تُحد، ولا ندعو مطلقاً لأفلام بيئية فقط لا غير، نحن مستعدون لدعم الموضوع البيئي لمن يرغب، كذلك أنجزنا «الدليل الأخضر» لصنّاع الأفلام بحيث يمكنهم التصوير بأقل ضرر بيئي، وهذا الدليل يهتم بالآلات، والطعام وإلى ما هناك من تفاصيل صغيرة وكبيرة. وأشير هنا إلى دعم جمعية بيروت دي سي لفيلم «كوستابرافا» من خلال «مختبر التأثير» تمّ تصويره بإتباع الخطوات المشار إليها في الدليل الأخضر. فريق الفيلم اهتمّ بالزرع كتعويض بيئي حين كان يُضطر لعدم إتباع المعايير التي تحترمها. لا بد من الإشارة إلى الكثير من التحديات التي واجهت التصوير، خاصة وأن جائحة كوفيد كانت قد بدأت بالانتشار.
○ يمكن القول أن ريف4 فتح الطريق أمام فعالية «سرديات للبيئة/لبنان»؟
•اخترنا البدء بـ«سرديات للبيئة/لبنان» من خلال مهرجان ريف لكونه عزيز جداً علينا في بيروت دي سي وكأشخاص أيضاً، ونحن شركاء فيه. جمعنا صنّاع الأفلام من أصدقاء مهرجان ريف مع الخبراء الذين نتواصل معهم، بهدف تقريب الطرفين من بعضهما، وكذلك التعاون فنياً ومهنياً، وغير ذلك. فالحوار بات ضرورة.
○ وهل من أمل؟
•أكيد الأمل موجود. هذا الحوار بين الطرفين تمّ في يوم واحد وقبل شهرين. إنه وقت غير كافٍ لمشروع كما «إنباكت لاب». مع الإشارة أن الأفلام التي تتناول البيئة خجولة، ومع ذلك نحن متفائلون لأن وعي الأفراد الذين يرون أنهم يتشاركون هذا الكوكب مع بقية الناس في إزدياد. أقول هذا رغم كل التشاؤم العالمي والمحلي. نحن نتشارك هذا الكوكب وعلينا احترامه تماماً كما علينا احترام وجود الآخر ونبذ العنصرية والحروب.