بدأت تصدر إشارات عن احتمال دعوة قيادات لبنانية إلى لقاء خارج الأراضي اللبنانية وعلى الأرجح في العاصمة الفرنسية في محاولة لتقريب وجهات النظر والتوافق حول الاستحقاق الرئاسي.
بيروت ـ «القدس العربي»: يبقى من عمر ولاية الرئيس الحالي للجمهورية ميشال عون 22 يوماً، من دون أن يؤشر مسار الأمور إلى امكانية انتخاب رئيس في ما تبقّى من مهلة دستورية. ولن تختلف نتيجة الجلسة الثانية لانتخاب الرئيس التي حدّدها رئيس مجلس النواب نبيه بري في 13 تشرين الأول/أكتوبر الحالي عن النتيجة التي أفضت إليها الجلسة الأولى لجهة الفشل في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ما يعني دخول البلاد في فراغ رئاسي محتوم اعتباراً من الأول من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل من دون استبعاد أي فوضى دستورية وسياسية على خلفية رفض العهد الحالي والتيار الوطني الحر تسلّم حكومة تصريف الأعمال صلاحيات الرئاسة الأولى في حال عدم الاتفاق على حكومة جديدة أو ترميم الحكومة الحالية.
وقبل أيام على موعد الخميس بدا أن الرئيس بري أراد حشر التيار الوطني الحر من خلال تحديد موعد الجلسة بتاريخ 13 تشرين الأول/أكتوبر مع ما يعنيه هذا التاريخ للرئيس عون وللتيار من دلالات ورمزية، إذ إنه يصادف ذكرى إخراج العماد عون من قصر بعبدا بعملية عسكرية نفّذتها القوات السورية. وقد علّق رئيس التيار على موعد الجلسة منتقداً «الاستهتار بالشهداء ومشاعر الناس» ما يعني اتجاهاً قوياً من قبل نواب التيار إلى عدم المشاركة في الجلسة. وهكذا يكون الرئيس بري وضع التيار أمام خيارين أحلاهما مرّ كما قال مستشار رئيس الجمهورية أمل أبو زيد «إما احترام ذكرى الشهداء ومشاعر الناس من خلال التغيّب عن الجلسة وإما تحميلهم مسؤولية تطيير النصاب» مضيفاً «الأوطان لا تُبنى بمثل هذا الاستهداف ونتمنى التوقف عن أي تشاطر خبيث لا يعود إلا بالضرر على البلد».
ولا تقتصر الأجواء غير المشجعة قبل الجلسة على ما يعتري العلاقة بين بري والتيار، بل إن الانقسام متواصل داخل صفوف المعارضة على هوية المرشح للرئاسة كما داخل صفوف الموالاة. ما يفيد أن لا عبور للاستحقاق الرئاسي بشكل سلس وسط هذه التناقضات بين المكوّنات السياسية. وإذا كانت القوات اللبنانية ومعها الحزب التقدمي الاشتراكي وحزب الكتائب وحركة «تجدد» متمسكين بترشيح رئيس «حركة الاستقلال» النائب ميشال معوض ويرون فيه مرشحاً سيادياً وإصلاحياً جدياً لإعادة بناء الدولة، فإن النواب السنّة خصوصاً الذين يدورون في فلك السفير السعودي وليد البخاري وانتخبوا «لبنان» في الجلسة الأولى لم يحسموا بعد أمرهم بالسير في هذا الخيار مع أنهم أقرب إليه من النواب التغييريين الذين ما زالوا ينادون بمرشح من خارج الاصطفافات السياسية.
وفي هذا الإطار، يستغرب ناشطون في انتفاضة 17 تشرين تبريرات مَن صوّتوا لهم من نواب في الانتخابات النيابية الأخيرة، ويعتبرون أن خيار نواب التغيير في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية لم يكن موفقاً ولم ينطلق من معايير موحدة بل من معايير مزدوجة. ويسأل هؤلاء الناشطون «هل المرشح سليم إده إبن الوزير السابق ميشال إده الذي وضعوا اسمه في صندوقة الاقتراع هو خارج الاصطفافات السياسية؟! وهل المرشح صلاح حنين الذي كان نائباً في قوى 14 آذار وإبن القيادي إدوار حنين هو خارج الاصطفافات؟ وألم يكن زياد بارود أو ناصيف حتي وزيرين في الحكومات السابقة أحدهما في الداخلية والآخر في الخارجية؟». ويقول أحد الكوادر في انتفاضة تشرين سمير سكاف «إن الناس اختارت خط التغيير لترى تغييراً في حياتها ولكنها لم تلمس أي تغيير ملموس في الأشهر الخمسة الأولى من عمر المجلس، وهي ترفض أن يقتصر التغيير على تبدل في المواقف فقط». ويضيف «لا رئيس من دون 65 صوتاً نيابياً! من هنا تحتاج الأصوات الـ 13 أن تختار موقعها الانتخابي، ومن الطبيعي أن تكون في المعارضة مع استحالة أن تكون في الموالاة. ومن قلة الخبرة اعتقاد البعض أنه يمكن لآراء التغيير أن تؤثر في خيارات الموالاة الانتخابية أي خيارات حزب الله وشركائه في الحكومة، وبالتالي من الضروري أن يتكامل التغييريون مع أفرقاء المعارضة الآخرين ديمقراطياً. ومن الضروري أيضاً تجنب الابتزاز وتجنب الوقوع في ديكتاتورية الأقليات القادرة على التدمير وغير القادرة على البناء».
وليس الوضع بين أفرقاء الموالاة بأفضل حال من المعارضة، وهو ما يحاول إخفاءه باللجوء إلى الورقة البيضاء. وإن المرشح الرئيسي للثنائي الشيعي وهو رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية لا يحظى حتى الآن بدعم رئيس التيار العوني النائب جبران باسيل ولا يرغب حزب الله لغاية الآن في فرض إسم فرنجية على حلفائه ويترك هامشاً للبحث عن مرشح توافقي. وكان باسيل حدّد قبل 3 أيام أولويات التيار للرئاسة بعيداً عن مواصفات المرشح للاستحقاق الرئاسي. وبدل أن تُقابَل ورقة باسيل بالثناء قوبلت بالانتقاد ولاسيما من أوساط القوات اللبنانية التي رأت «أن باسيل بات مكشوفاً أمام معظم اللبنانيين وهو يمارس خلاف ما يعلن» واستهجنت كيف لم ينصح أحد باسيل بالعدول عن إعلان ورقته للأولويات التي تشكّل «أكبر ادانة لتياره السياسي».
وتعتبر أوساط القوات «أن الورقة الأهم والأبرز التي كان يُفترض بباسيل إعلانها هي الاستمرار بمواصلة ما بدأه العهد لو كان عنواناً للازدهار والاستقرار والبحبوحة، ولكنه يخجل بذلك بعدما تحوّل مطلب رحيل هذا العهد إلى مطلب شعبي. وهكذا لا قيمة لأي أوراق في خريف العهد ولا فائدة من أي مناورة أو رهان على ذاكرة الناس الضعيفة لمحاولة الدخول مجدداً إلى القصر بعد فترة من الفراغ الرئاسي».
إلى ذلك، بدأت تصدر إشارات عن احتمال دعوة قيادات لبنانية إلى لقاء خارج الأراضي اللبنانية وعلى الأرجح في العاصمة الفرنسية في محاولة لتقريب وجهات النظر والتوافق حول الاستحقاق الرئاسي. وتندرج زيارة وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا إلى بيروت في 14 تشرين الأول/اكتوبر الحالي ضمن هذا السياق حيث ستجري محادثات تشدّد في خلالها على ضرورة إنجاز الانتخابات الرئاسية، ومهّدت لهذه الزيارة مديرة دائرة الشرق الأوسط في الخارجية الفرنسية آن غيغين ومعها السفيرة آن غريو التي لفت لقاؤها مع رئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد لاستطلاع موقف حزب الله من الاستحقاق الرئاسي.
اما جولة مساعد أمين عام الجامعة العربية السفير حسام زكي على عدد من القيادات اللبنانية فلم تحمل معها أي مبادرة في الوقت الحاضر واقتصرت على استكشاف المواقف مع الاعراب عن القلق من أي فراغ رئاسي.
لن يتم إنتخاب رئيسا للبنان ضمن ألمهلة ألمحددة. ببساطة ألمعارضين ينتظرون رحيل عون, وفي هذه ألحالة يتوقعون إنشقاق في صفوف ألتيار ألعوني, وأن باسيل سوف لايمون على أكثر من عشرة نواب, ألمنشقون سوف يأسسون ألتيار ألوطني ألحر-ألحركة ألتصحيحية. وألسلام.
ألمعارضون, وليس ألمعارضين.