الرباط ـ «القدس العربي»: دعت تركيا إلى نظام عالمي جديد يكون أساسه الأمن والسلام ولا تسيطر فيه الدول الكبرى على العالم، كما هي الآن حيث تسيطر بمنطق القوة وليس منطق الحق.
وقال نعمان كورتولموش، نائب رئيس الوزراء التركي في محاضرة بعنوان «صورة الحضارة» ألقاها الثلاثاء بالرباط بضرورة إرساء «نظام عالمي جديد» يكون أساسه الأمن والسلام وليست فيه سيطرة للدول الكبرى على العالم، لأن هذه الدول تفرض آراءها على العالم بناء على منطق القوة وليس الإصلاح.
وأوضح المسؤول التركي الذي يزور المغرب أن النظام العالمي الذي يسود اليوم هو من إفرازات الحرب العالمية الثانية والتي خرجت منها خمس دول تتحكم في العالم ولها حق «الفيتو» في القرارات التي يكون لها انعكاس على جل بقاع الأرض، وأشار إلى ان العالم لم يخط أي خطوة لمحاربة الوضع في سوريا بسبب الفيتو الذي تفرضه روسيا».
وقدم نعمان كورتولموش رؤيته في سبر أغوار الحضارة العالمية الجديدة المرجوة، ووضع تصوراته الخاصة حول مشروع نظام عالمي جديد يقوم على أساس السلام والأمن والعيش المشترك، فيما انتقد بشدة بسط القوى الدولية الكبرى يدها على العالم باستمرار، «من منطق القوة وليس الحق والصلاح».
وطالب نائب رئيس الوزراء التركي بتأسيس لبنات السلام العالمي، على أساس تحقيق المساواة بين بني البشر منذ ولادتهم، وحرية اختيار الناس لمسارهم وحياتهم والابتعاد عن إكراههم على أي فكر أو نظام معين، إلى جانب «الحق مقابل القوة»، وقال ان النظام العالمي الذي أفرزته تداعيات الحرب العالمية الثانية، يحوم حول الدول القوية والعظمى «فقط 5 دول لها الحق في الفيتو وكل ما يريدونه يتحقق في العالم ولا يستطيع أحد منعه». وأوضح «بعد الحرب العالمية الأولى كان المنطق السائد هو منطق القوة، ومنذ الحرب العالمية الثانية يستحيل تطبيق قرارات ضد إسرائيل بسبب «الفيتو» وهو الشيء نفسه بالنسبة للأزمة السورية اليوم، فروسيا تتحفظ في تطبيق العقوبات ضدها، وكذلك بالنسبة لأوكرانيا، وهذا منطق لا يمكن أن يستمر، ولا بد من التأسيس لمنطق جديد من الحكم، عكس منطق القوة السائد حاليا».
ودعا نعمان كورتولموش إلى نظام عالمي جديد ترتكز فيه موازين القوى على «من هو على حق وصواب وليس على من هو قوي اقتصاديا وسياسيا»، مضيفا أن القوي في العالم يجب أن ينظر للدول الأخرى على أنها شريك في القرار والحقوق والواجبات، مشددا على أن هذا النظام يجب أن يستند على منطق أن العالم كله تحت سيادة الإنسانية».
وقال «إننا في هذا القرن، وهذا العام بالضبط، يمكن أن نوجد حالة من السلم في العالم، نعم هذا ممكن، لكن الأمر يتعلق بأي نموذج ننطلق منه وماهي رهاناتنا وتوقعاتنا»، مؤكدا على أن «السلم يمكن أن يتأسس إلا على منطق يعطي لكل ذي حق حقه».
وقال كورتولموش إنه «طوال خمسة قرون قبل الاستعمار لم تكن هناك أي صراعات دينية أو عرقية، رغم أن هذه الحضارة عرفت تنوعا عرقيا ودينيا كبيرا داخلها». وأضاف أن «صورة الإسلام في العالم اليوم في مختلف أنحاء العالم ناتجة عن مشاهد العنف والقتل التي يعرفها العالم ومن تيارات الإسلاموفوبيا، بالإضافة إلى أننا نشاهد التيارات الإرهابية تدمر المساجد والناس بالقنابل، هناك تسخير وسائل الإعلام ضد الإسلام التي لا تختلف مع كل ما سبق ذكره» وقال «المقاربة الصحيحة للإسلام هو أنه دين المحبة والمعرفة والتسامح وما حققه الاسلام للإنسانية من قبل لا يعد ولا يحصى».
وأضاف أن الحضارة الإسلامية التي وصفها بـ «الكبرى» تأسست على «المساواة بين الناس منذ ولادتهم بغض النظر عن انتماءاتهم الاجتماعية والاقتصادية والدينية، وحرية الاعتقاد والاختيار، وكذا مبدأ العالمية الذي من شأنه ضمان السلام، والتعامل مع الناس بالمعروف، وأنه لتحقيق السلم في العالم لا بد من ضمان حقوق هي حرية الإعتقاد، وحرية تأسيس منظمات المجتمع المدني التي من خلالها يعبر الناس عن حقوقهم وأفكارهم، وضمان حرية التجارة وحرية التنقل» وأوضح «بالحفاظ على هذه الحقوق نؤسس لنظام السلم».
وانتقد كورتولموش ربط الإسلام بالإرهاب، وقال «لم يكن الاسلام في يوم من الأيام دين «إرهاب أو قتل أو سفك للدماء»، والغرب هو من ساهم في نشر هذه الصورة التي يريدون ترويجها عن الديانة الإسلامية والتي لطالما كانت مرتبطة بالسلام والحب و «على المغرب وتركيا الحفاظ على هذه الصورة ونشرها وتقع مسؤولية ذلك عليهما».
ونبه إلى التعمد الحاصل في نشر صور مشوهة عن الإسلام، خاصة مع استغلال المقاربات التي تدعي صلة الإسلام بالإرهاب وأنه دين قتل وذبح واحتجاز الأبرياء وعلى أن هذا الدين غير مرغوب فيه من طرف الغرب وأن الإسلام يبقى فوق كل ذلك «دين حب وسلام وعلم وثقافة، يجب أن نكمل المسار الذي بناه الإسلام بالحب، والمغرب وتركيا يتحملان المسؤولية الكبرى في ذلك».
وتساءل المسؤول التركي «في 2015، هل يمكننا أن نرى سلاما في العالم؟» وأجاب بـ»نعم ممكن»، ليَلِج إلى مقاربته المرتبطة بهذا الجواب، وطرح ثلاثة أمثلة عاشتها الأمة الإسلامية في القرون السابقة «امتداد الإمبراطورية العثمانية لخمسة قرون متتالية بتعايش كامل مع المسلمين والمسيحيين»، وهذا التعايش لم يعرف إثارة أي صراع ديني أو عرقي أو إثني، ليخلص أن فتح الأبواب للآخرين مدخل لتحقيق السلام العالمي.
واكد ان بلاده والمغرب يتقاسمان صفة «بوابة الإسلام» على مستوى الشرق والغرب، وقال أن الفتح الإسلامي الذي قام به القائد العسكري المسلم، طارق بن زياد، لشبه الجزيرة الإيبيرية، وفسح المجال أمام نشوء حضارة «الأندلس» الإسلامية، مكن من وصول تلك الحضارة إلى القارة الأوروبية، وهو الأمر ذاته الذي نجحت في تحقيقه الإمبراطورية العثمانية، في توسعها الإسلامي في الغرب الأوروبي.
وقال أن نشوء تلك الحضارة الكبيرة، أدى إلى نهضة إسلامية على مستوى العلوم والآداب والفنون، ومعها إلى نهضة أوروبية «يعترف بها كل شريف»، حيث أن تمدد الإمبراطورية العثمانية لقرون جعل حضارتها تلتقي مع الحضارة الإسلامية التي دشنها الأمويون في عصر الأندلس، على أن هذا التلاقي «دفع أوربا إلى القبول بالإسلام والمسلمين دون أي صراع».
محمود معروف