الخرطوم ـ «القدس العربي»: شهد عدد من المدن السودانية، الخميس، تظاهرات مليونية جديدة رافضة للانقلاب العسكري، وتطالب بالحكم المدني الديمقراطي في البلاد، بالتزامن مع كشف أطراف دولية عن تسوية وشيكة في البلاد.
ومع بداية تجمع المواكب، قامت قوات الأمن بدهس طفل في مدينة عطبرة شمال البلاد، مما أدى إلى كسر فكه وفقدان أسنانه الأمامية.
واعتبرت مجموعة «محامو الطوارئ»، الناشطة في تقديم العون القانوني لضحايا الانقلاب العسكري، أن دهس الطفل «انتهاك ليس بالجديد» على الانقلابيين.
وأكدت قيامها برصد كافة الانتهاكات وحرصها على عدم إفلات أي «مجرم» من العقاب، محذرة منسوبي السلطات الأمنية من مغبة الانتهاكات بحق المتظاهرين السلميين وحق الأطفال.
وأكدت لجان مقاومة «ود مدني» عاصمة ولاية الجزيرة وسط السودان، أن سقوط الانقلاب سيكون عبر تصعيد الحراك الشعبي المناهض للعسكر، داعية إلى تظاهرات ضخمة في كل أنحاء البلاد في 21 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
وشددت على أن نحو عام من محاولة العسكر السيطرة على البلاد، أكدت فشلهم في تكوين حكومة، وعدم قدرتهم على هزيمة الحراك الشعبي، الأمر الذي يؤكد أن السودان لن يحكم بالبندقية والدبابة، وأن الانقلاب أوشك على السقوط.
وفي العاصمة الخرطوم، واجهت قوات الأمن التظاهرات التي كانت في طريقها نحو القصر الرئاسي، بإطلاق الرصاص المطاطي وعبوات الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية بكثافة، بينما رفع المحتجون شعار اللاءات الثلاث «لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية» للحكم العسكري، وهتفوا مطالبين بمحاسبة قادة الانقلاب وعودة العسكر للثكنات.
لقاءات غير رسمية
وجاءت تظاهرات الأمس بالتزامن مع الإعلان عن لقاءات غير رسمية بين «الحرية والتغيير» والعسكر، ناقشت إمكانية تأسيس عملية سياسية على مقترح إعلان دستوري طرحته اللجنة التسييرية للمحامين.
وكان المتحدث باسم الآلية الثلاثية المشتركة المكونة من بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان والاتحاد الأفريقي وإيغاد، السفير محمد بلعيش، قد أكد، في تصريحات صحافية، اقتراب الوصول إلى تسوية سياسية مرضية للجميع، داعيا جميع السودانيين للانخراط في العملية السياسية بروح وطنية بناءة وإرادة صادقة من أجل إخراج البلاد مما وصفه بـ«النفق».
وبينما تحدثت تقارير صحافية عن تسوية مرتقبة بين «الحرية والتغيير» والعسكر، أكد المجلس المركزي للأخيرة، أن ما يتم تداوله عن إتمام اتفاق بينها وبين العسكر «غير صحيح»، مشددة على أنها «لن تمضي في أي حل سياسي دون توافق عريض يشمل قوى الثورة والانتقال الديمقراطي في البلاد».
وأشارت في بيان إلى عقد مكتبها التنفيذي اجتماعاً أمس الأول «ناقش التطورات السياسية في البلاد واستمع لتقرير من لجنة الاتصال والعلاقات الخارجية حول العملية السياسية ومستجداتها».
وقالت إن «نجاح اللجنة التسييرية لنقابة المحامين السودانيين في جمع طيف واسع من الفاعلين السياسيين حول مشروع الدستور الانتقالي والذي اكتسب زخماً داخلياً وخارجياً وكانت قوى الحرية والتغيير أحد الفاعلين في تطويره، أدى إلى تموضع المشروع كأساس مقبول لإنهاء الانقلاب وتأسيس سلطة مدنية حقيقية تنفذ مهام الانتقال الديمقراطي وقضاياه».
لجان المقاومة أكدت أن البلاد لن تحكم بالبندقية والدبابة
وتلقى التحالف «عبر اتصالات غير رسمية مع المكون العسكري، ما يفيد بقبول مشروع الدستور الانتقالي كأساس للحل السياسي، مع وجود بعض الملاحظات المحدودة حوله، وعليه، شكلت الحرية والتغيير لجنة لتلقي هذه الملاحظات ونقلها لهيئات التحالف للبت فيها ودراستها»، حسب البيان، الذي أضاف أن «اللجنة المكلفة نقلت الملاحظات لاجتماع المكتب التنفيذي الذي قرر صياغة ورقة تشكل موقفه من قضايا إنهاء الانقلاب وتأسيس السلطة المدنية الديمقراطية الكاملة، على أن تخضعها للتشاور مع قوى الثورة والقوى المتوافقة على مشروع الدستور الانتقالي لتشكل أساساً متوافقا عليه بين أوسع قاعدة من أصحاب المصلحة في التحول المدني الديمقراطي».
طي صفحة الانقلاب
وقالت إن «الحل السياسي المقبول للتحالف، هو الذي يؤدي لطي صفحة الانقلاب كلياً، وتأسيس سلطة مدنية كاملة، وينأى بالمؤسسة العسكرية عن العمل السياسي ويقود لجيش واحد مهني وقومي وفقاً لإصلاحات شاملة ومحددة المواقيت والاجراءات، ويخاطب قضايا العدالة بصورة منصفة وشاملة».
ويجب أن يؤدي الاتفاق، وفق البيان إلى «تفكيك بنية نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، ويقود إلى انتخابات حرة ونزيهة في نهاية الفترة الانتقالية تُمكن الشعب السوداني من التعبير عن إرادته الحرة واختيار ممثليه بصورة نزيهة وشفافة». ودعت الحرية والتغيير القوى المقاومة للانقلاب والمتمسكة بالانتقال الديمقراطي واستعادته لـ «تنظيم صفوفها من أجل تحقيق تطلعات الشعب المشروعة في الحرية والسلام والعدالة في دولة مدنية ديمقراطية».
وقالت إنها «تؤمن بقدرة الشعب على الانتصار في خاتمة المطاف وتحقيق أحلامه وتطلعاته المشروعة».
وفي 8 سبتمبر/ أيلول الماضي، طرحت اللجنة التسييرية للمحامين السودانيين مشروع إعلان دستوري مقترح، وذلك بعد أسابيع من التداول، عقب الورشة التي نظمتها اللجنة في أغسطس/ آب الماضي، بحضور واسع للقوى السياسية وممثلي المؤسسات الدولية والبعثات الدبلوماسية.
ويلغي الإعلان الوثيقة الدستورية الانتقالية لسنة 2019، تعديل 2020، وكل القرارات التي صدرت بعد انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الثاني 2021، بما في ذلك كل الاتفاقيات الإقليمية والدولية التي أبرمت في ذلك الوقت.
ورأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة النيلين مصعب محمد علي في حديثه لـ «القدس العربي» أن تحقيق تفاهمات سياسية بين المكون العسكري والمكون المدني، يتم من خلالها تكوين هياكل السلطة الانتقالية، أمر ممكن حال معرفة مدى قدرة الأطراف الفاعلة على تقديم تنازلات قد تقود إلى تسوية.
وأشار إلى ضرورة التوافق على صيغة جديدة لتكوين المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالاضافة لوضعية أعضاء مجلس السيادة العسكريين، لافتا إلى أن إتمام تسوية سياسية يتطلب بالضرورة انضمام أطراف عديدة لتحقيق إجماع واسع بالخصوص. وبين أن أي اتفاق بين طرفين يمكن أن يواجه بمعارضة ورفض من قبل قوى سياسية أخرى، مشيرا إلى أن مقترح الإعلان الدستوري الذي طرحته اللجنة التسييرية للمحامين، يمكن أن يكون أساسا للعملية السياسية مع إضافة تعديلات، فيما يلي تحديد مهام المجلس الأعلى للقوات المسلحة وتضمينها في الإعلان الدستوري حتى لا يحدث تضارب في الصلاحيات بينه وبين مجلس الدفاع، وذلك بالاتفاق بين الأطراف، مشيرا إلى أنه يتطلب أيضا إعلانا سياسيا مكملا له.