موريتانيا: نكران آباء لأبنائهم يعيد الجدل حول الزواج السري للواجهة

عبد الله مولود
حجم الخط
0

نواكشوط ـ»القدس العربي»:  أعادت حالات نكران أبوين موريتانيين أحدهما إعلامي والآخر ممثل، لأبنائهما، جدلا واسعا هذه الأيام، حول ظاهرة الزواج السري الشائعة في المجتمع الموريتاني.

ويلجأ بعض رجال موريتانيا لإبرام زواجات سرية لأسباب عدة بينها البحث عن ملذات خارج بيت الزواج لملل من الزوجة أو لوجودها في حالة حمل ونفاس، أو لتستر شاب بزيجة عن أهله الذين لن يتقبلوها خارج مسطرة التقاليد.
كما ينفذ البعض زيجات تتيح التمتع المباح بالنساء بتكاليف قليلة، أو خشية الوقوع في الزنا.
غير أن الزواج السري بجميع ما فيه، يشكل ثقبا أسود في المجتمع الموريتاني لما ينجم عنه من مواليد مشردين ينكرهم الآباء، ولما تتعرض له المرأة داخله من هضم للحقوق، واستغلال جنسي مجرد لا يضمن الحياة الزوجية المستقرة.

الضياع والخراب

وفي بحث بعنوان «زواج السر ضياع النسب وخراب المجتمع: الجهل بأحكام عقد الزواج» كتبت الباحثة الموريتانية الدكتورة رقية أحمد منيه، «أنه لا مناص من التحذير من هذه الباطنة الظاهرة الخفية المستترة بستار الخوف من الحرام أو البحث عن قضاء الوطر في ظل غياب أركان العقد وشروط صحته وأهلية العاقدين وانتفاء الموانع».
وأضافت «علينا جميعا تبصير النساء بحقوقهن، وتنبيه الرجال وتذكيرهم بالواجبات المفروضة» مبرزة «أن البعض يرى أن السبب في وقوع نوازل من هذا القبيل مرده عدم تيسير الزواج وهذا صواب من جهة كثرة وقوع الطلاق بين الزوجين حديثي عهد بالزواج، وله أسباب من أهمها استحداث تكاليف خيالية يعجز الشاب عن تحملها فيحاول تلبية احتياجاته الفطرية عن طريق السر، أو وجود عادات وتقاليد تمنع الزواج من غير الوسط الاجتماعي عند البعض الآخر».
وجمعت الدكتورة رقية الأسباب المؤدية لانتشار الزواج السري في أمور منها الجهل بأحكام الشريعة الإسلامية أولا، وغياب روح المسؤولية الاجتماعية ثانيا، وعدم فهم المقصد الأساس من عقد الزواج ثالثا.

الميثاق الغليظ

وتوقفت الباحثة عند مسألة عقد الزواج، لتؤكد أنه «عقد عظيم الشأن كبير المعنى ولذلك عبر عنه القرآن الكريم بـ «الميثاق الغليظ» ولكل عقد آثار مرتبة حسب موجبه، حيث أنه يحمل في مضمونه مفهوم المكارمة من قبل الطرفين، وتترتب على ذلك آثار شرعية أولاها بالعناية نسبة الولد لأبيه، وقرر الفقه الأمر لصاحب الفراش وهو الزوج حفاظا على العرض، ووجوب النفقة وتحمل المسؤولية تجاه الأبناء من سقاية غرس الولد بماء الإيمان والتنشئة على الأخلاق الفاضلة والقيم العالية والتكفل بالنفقة والرعاية والتربية والتأديب والتعليم والتهيئة لمواجهة أعباء الحياة».

نزوة وأحكام

ويطرح المتتبعون لهذا الشأن أسئلة منها: هل الزواج نزوة عابرة أو هو لعبة للتسلية أم علاقة مؤقتة؟
ويقول الفقهاء إن الزواج فعل لا ينعقد إلا على التأبيد؛ من دون أن يعني ذلك امتناع وقوع الطلاق بل قوة الرابطة وسمو العلاقة ونبل الهدف.
وترى الباحثة رقية منيه «أن ترك الاهتمام بفقه المعاملات الإنسانية قبل المالية ولد جهلا مركبا بحقيقة عقد الزواج وبالحقوق والواجبات الناتجة عن رباط الزوجية» وأضافت «أن العلماء بينوا أحكام عقد الزواج وفصلوا في الجزئيات والفروع وتم تناولها بالشرح المفصل ولكن بعد الشقة بين الأوائل والأواخر وتغير الأحوال والسياقات الزمانية والانتقال إلى زمان تحكم الطفرة التكنولوجية غير اتجاه بوصلة عامة الناس نحو قشور العلم وحتى الجهل التام بأحكام الشريعة في أحيان كثيرة من قبل أفراد المكلفين من جيل الشباب، فقد لا تجد مقبلة على الزواج أو مقبلا يسأل عن فرض عينه من باب أحرى سؤاله عن ما يتلبس به من العقود والمعاملات».

حكم من لا يجد قدرة على الزواج
وتناولت الباحثة في تشخيصها لظاهرة الزواج السري، حكم من لا يجد قدرة على الزواج، فأكدت «أن البعض قد لا يدرك المسؤولية الشرعية في عقد الزواج فيقدم عليه دون قدرة مادية عليه، ومن لا يملك الباءة فعليه بالصوم، وقد ندب الشارع الحكيم إلى الاستعفاف إلى وجود القدرة».
وتوصلت إلى خلاصة مفادها حسب قولها «أن الاستهتار بعقود الزواج من الناحية العلمية الفقهية قد سدت دونه السبل، ولكن يبقى تنزيل الأحكام على الواقع والمحافظة على تعليم شباب الأمة الضروري من علوم الدين، والعناية بما يتلبس به من العقود والمعاملات، وكذا العمل على تطبيق الأحكام وتحيين القوانين الفقهية والمواد القانونية بأساليب تناسب العصر، وتسد الخلل الواقع في غبن كثير من النساء».

خطورة الزواج السري
أو العرفي

وحذرت مهله بنت أحمد رئيسة المرصد الوطني لحقوق المرأة والفتاة في خضم النقاش مما سمته الزواج السري وحتى العرفي السائد في البلدان الإسلامية، وقالت «الزواج السري محرم شرعا لأنه لا يحمي شرف المرأة ولا يحترم كرامتها».
وزادت «صحيح أن المرأة كثيرًا ما تضطر، إلى اللجوء إلى الزواج السري بسبب الظلم والإقصاء من التمكين الاجتماعي والاقتصادي الذي طالما تعرضت وما زالت تتعرض له؛ وثانيًا نظرا لأوضاعها الصعبة المعروفة وخاصة في المجال المادي، لذا فكل زواج غير موثق رسميا وشائع على الأقل في محيطها الاجتماعي يعرض المرأة وأولادها للضياع».
لذا، تضيف بنت أحمد، فتمكين المرأة هو المخرج الوحيد للنساء من الظلم والهشاشة.
ومع أن الزواج السري مخرج للكبت الجنسي وحل لإشكالات عديدة، فإن المنظمات الاجتماعية في موريتانيا ترى أن له انعكاسات خطيرة في مقدمتها هروب الأزواج عن حالات الحمل إذا وقعت وبقاء المرأة في حالة ريبة حيث تتهم غالبا بالزنى.
ويعدد الباحثون المستقصون لسلبيات الزواج السري آثارا سالبة منها إضاعة النسل واستغلال المرأة، وتقبل الغدر والخيانة، وتمسك الرجل المتزوج سرا بزواج مشكوك في صحته لأنه زواج مكتوم عن الزوجة الأولى التي تملك شروطا بالتزام زوجها بعدم وجود زوجة سابقة أو لاحقة عليها.
ولا توجد إحصائيات دقيقة عن معدل انتشار الزواج السري في المجتمع الموريتاني إلا أن سجل إدارة النزاعات الأسرية بوزارة شؤون الأسرة وملفات ومحاضر والمحاكم تؤكد أن الزواج السري الذي تكتشفه المرأة هو من أكثر مسببات الخلافات الزوجية التي تبلغ بها الجهات الإدارية والقضائية وتؤدي إلى الطلاق.
كما تؤكد هذه المعلومات أن نسبة كبيرة من النساء المتزوجات بصورة سرية هن مطلقات؛ ومعلوم أن نسبة انتشار الطلاق في المجتمع الموريتاني تناهز 40 في المئة.
وتشير الإحصائيات أن نسبة 60 في المئة من الزيجات السرية في موريتانيا تتم بين رجال متزوجين ونساء مطلقات.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية