بين الغاز و”مقاوم” المرعبة.. ماذا وراء عدم اشتراط إسرائيل “طلاق بطرس” قبل الاتفاق؟

حجم الخط
0

  في تموز الماضي، عندما وصلت المفاوضات حول اتفاق الغاز بين إسرائيل ولبنان إلى ذروتها، وحتى كانت على شفا الانهيار، أقيم حفل موسيقي في مدينة عرابة في الجليل. كان هذا مشروعاً مشتركاً لبلدية عرابة و”مفعال هبايس” ووزارة الرياضة والثقافة، التي كانت برئاسة حيلي تروفر. كان ثمة أغنية من الأغنيات في الحفل للمطربة اللبنانية المعروفة جوليا بطرس، التي بكلماتها أصابت المؤسسة الإسرائيلية بالرعب. هاكم بعض كلماتها: “عابَ مجدَكَ بالمذلّة والهزائم حينما هبّ الجنوبُ لكي يقاوم، إنّ تاريخ الإباء غيرُ نائم يكتبُ عن أرضِنا أرض الملاحِم، إنّ أهل العزمِ إن تدعى العزائِم هذا سيفي بالوغى بالموتِ قائم، إنَّ شعبي كلَّهُ وطنٌ مقاوِم ما ارتضى غيرَ المعزَّةِ والمكارِم ما ركنّا للمذلّةِ لم نساوِم”.

كيف يمكن لحكومة إسرائيل أن تمول مثل هذا المشروع الذي تسمع فيه أغنيات تؤيد “حزب الله”، هكذا صرخ المتوارعون. سارع مكتب تروفر للتنصل من هذا العرض، وأوضح بأن الوزير غير مسؤول عن المضامين، وأنه “من المؤسف أن السلطة المعنية اختارت استغلال هذه الميزانية لإقامة حفل لأغنيات تؤيد “حزب الله” والتي صرحت في السابق تصريحات شديدة ضد دولة إسرائيل. وجه الوزير تعليماته للجهات المعنية في الوزارة لفحص إمكانية تمنع مثل هذه الحالات في المستقبل”. في مفعال هبايس، عبروا أيضاً عن الصدمة وأكدوا بأنهم “لا نوافق بأي شكل من الأشكال على وضع دعم فيه هبايس، الذي هدفه الرئيسي هو إيصال العروض الثقافية إلى جميع مواطني إسرائيل، يتحول إلى حدث يمجدون فيه أعداءنا”.

الذي غاب كما يبدو عن عيون وآذان من أصيبوا بالصدمة، أن جوليا بطرس هي زوجة وأم أولاد إلياس بوصعب، نائب رئيس البرلمان اللبناني، والشخص الذي أدار المفاوضات حول اتفاق الغاز بين إسرائيل ولبنان. هكذا، في الوقت الذي ارتفع فيه صوت بطرس المؤثر عبر مكبرات الصوت في عرابة، كان زوجها يتبادل المسودات مع المبعوث الأمريكي، عاموس هوكشتاين، حول صيغة الاتفاق. لم يزعج هوكشتاين والإدارة الأمريكية بشكل عام وحكومة إسرائيل أيضاً أن تم التوقيع على الاتفاق مع حكومة يسيطر عليها “حزب الله” ويملي عليها سياستها، لكن أن تسمع في مدينة عربية أغنيات لمطربة لبنانية تعبر عن دعم “حزب الله”؟ فهذا لا يحتمل. من يعرف، ربما كان يجب على إسرائيل الإعلان بأنها لن تتفاوض مع لبنان إلا إذا طلق بوصعب زوجته أولاً.

بوصعب من مواليد 1967، وكان وزير التعليم ووزير الدفاع في حكومات لبنان، وجمع المال من نشاطاته التعليمية في دبي، التي أسس فيها فرعاً للجامعة الأمريكية بمساعدة صندوق أقامه بيل كلينتون في 2005، وكان هدفه الدفع قدماً بتطوير اقتصادي وتعليمي في دول العالم الثالث. إضافة إلى منصب نائب رئيس البرلمان وكمستشار سياسي للرئيس ميشال عون، يعتبر بوصعب أيضاً، نائب رئيس الجامعة الأمريكية، أحد الخبراء المؤهلين لإدارة المفاوضات، وله علاقات وثيقة مع جميع الحركات والتيارات في لبنان، من بينها “حزب الله” ورئيسه حسن نصر الله. في الواقع، هو غير محسوب على النخبة المالية في لبنان رغم أن رأسماله يقدر بـ 3 – 5 ملايين دولار. ولكن بعد التوقيع على اتفاق الغاز، يتوقع أن يلعب أدوار وساطة سياسية حساسة ومعقدة في الحملة، الفاشلة حتى الآن، لتشكيل حكومة متفق عليها في لبنان وانتخاب رئيس جديد بعد أن ينهي ميشيل عون اليوم ولايته القانونية. بدون حكومة متفق عليها “لن يكون اتفاق الغاز”، بل وثيقة في واجهة العرض. شركة توتال الفرنسية، وشركاؤها في الاتحاد التجاري، التي تملك امتياز تطوير حقوق الغاز البحرية للبنان يمكنها البدء في التنقيب عن الغاز والنفط. ولكن أي قرار يقتضي تدخل حكومة لبنان، مثل طريقة استغلال العائدات واستخدام الغاز من أجل ضمانات لقروض تريد الحكومة الحصول عليها أو إقامة بنى تحتية لنقل الغاز وتسويقه في الدولة وفي الخارج، يتوقع أن يبقى عالقاً إلى حين تشكيل الحكومة.

هدد الرئيس عون بأنه إذا لم ينجح رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، في تشكيل حكومة متفق عليها حتى انتهاء رئاسته فلن يتردد في التوقيع على أمر حل الحكومة. حسب الدستور، الحكومة هي المخولة بلعب دور الرئيس بعد انتهاء ولايته وفي ظل غياب رئيس منتخب. ولكن عون يقول منذ بضعة أسابيع بأنه لا ينوي نقل صلاحياته لحكومة مؤقتة. في نهاية الأسبوع، قال للمراسلين بأنه لا يرى أي طريقة يمكن من خلالها تشكيل حكومة حتى انتهاء ولايته. وسافر ميقاتي أمس إلى الجزائر للمشاركة في مؤتمر القمة العربية. في الواقع، يمكن تمديد ولاية عون، لكنها خطوة تحتاج إلى تشريع خاص، وعندما يكون البرلمان نفسه غارقاً في صراعات قوة داخلية، التي تتسبب بضعضعة صفوفه، فمن المشكوك فيه أنه يمكن تمرير قرار كهذا في الفترة الزمنية التي ينص عليها الدستور. المشكلة أن الرئيس انتخب من قبل البرلمان، والرئيس هو المخول بالمصادقة على تشكيل الحكومة. أي أنه في ظل عدم وجود اتفاق في البرلمان فلن يكون هناك رئيس، وفي ظل عدم وجود رئيس لا توجد حكومة.

هذه شرنقة سياسية يهددها الجمهور اللبناني الذي يرى أن الكيل طفح، ونفد صبره، ولم يعد لديه ما يخسره. والخروج العنيف إلى الشوارع هو السيناريو الذي تخافه الدولة الآن. نصر الله اعتبر الاتفاق “انتصاراً كبيراً للبنان”، وعندما أعلن أنه يتعهد بالتمسك بالاتفاق الذي وقعت عليه الحكومة، حرص على الإشارة إلى أنها “عملية ستخرج بقرار منا إلى حيز التنفيذ”. ولكن من أجل أن يستطيع هو وحزبه الاستفادة من ثمار الاتفاق أيضاً، فهو بحاجة إلى حكومة فاعلة.

بقلم: تسفي برئيل

هآرتس 31/10/2022

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية