أؤمن بأن الوقت هو الوقت، ليس قبله ولا بعده.. لكن، لو أني بدأتُ الكتابةَ مُبَكِراً كنتُ في الغالب سألتقي محمود درويش لأحاوره، ربما، في جنازة الغريب التي سار فيها على باب الكنيسة، ولم تكن جنازتي. كنتُ سألتقي نذير فنصة، لا ليحدثني عن حسني الزعيم ولا عن المآلات السياسية في وطننا العربي بعد انقلاب صديقه المُزلزل، بل لأسأله عن ثريا، زوجة الشاه الإيراني، التي ظلَمها التاريخُ قليلاً، والشاه كثيراً، فانتقم الله منه، ومنَا واستبدل الجمالَ بقبحٍ عصيٍ، تسربَ في مدننا وأبكى مآذننا.
كنتُ سألتقي فاتن حمامة، فقط لأجعلها تتحدث طويلاً وطويلا، بنبرة صوتها الملائكية، وكنتُ سألتزمُ الصمتَ، لأمنع الضجيج عن حضورها. كنتُ سألتقي نزار قباني، وأعرف أنني سأتعذب قليلاً لأصطاده وهو المُتنقِل بين حبيبةٍ وأخرى، وقصيدةٍ وأخرى، وربما، كان قد كتب قصيدته «بعينيك قد خبأتُ أحلى قصائدي» لي وليس للأخرى، كنتُ سأصفنَ في ملامحه، وأتساءلَ، هل هذه هي الملامحُ الدمشقيةُ الصافية! أم أنَ نزارَ طاله مسٌ من عشرينيات وثلاثينيات الزمن السوري الجميل! كنتُ سأستمع بنهمٍ، لما يمكن أن يقولَه فيّ من شعرٍ، وكان يمكن، أن أقول له الشعرَ أيضاً، لكنَي لم أكن لأكون من ضمن حبيباته، بل سأكون قاتلةً ترقص حافية القدمين، وسأريه لؤماً في عينيَ. كنتُ سألتقي لاوند حاجو لأسرقَ منه لحظاتٍ من شبابه قبل أن يسرقها جميعَها، الموت مُبكراً. كنتُ بالتأكيد سأحضرُ حفلةً للسوبرانو، رغم أني لا أفضلُ السوبرانو، لكنها زوفيناز خجادور، لأكتب عنها، ولن أصفق، فأفضلُ النظر طويلاً وطويلاً بدلاً عن التصفيق، علَني أصل إلى مخرج هذا الصوت العريق. كنت سأغطي أحداث العراق، وكان يمكن أن أتتلمذ على يدي سمير قصير، فلا أطمح للحصول على جائزته.
كان يمكنُ أن ألتقي سليم بركات، وكم كنتُ سأشعرُ بالارتباك، فأنا أشعره في كل مرةٍ أسمعُ فيها تسجيلا، من تسجيلاته القليلة، لأنكثَن بوعديَ إذن، وكأنني أسمع لعثمة طفلٍ حديثُ الكلام، وليس اللغة، فاللغة عند سليم بركات، تنسلُ من بين شفاهه بسلاسة جدولة المياه، فالحمدلله أنَي تأخرتُ لأني لا أحبُ الارتباك، لذلك اعتذرتُ من أن أسمع صوت صديقي ونحن نتشاجر، فهو يربكني أيضاً بسطوته عليّ، وأنا أهربُ من الارتباك.
كان يمكن أن ألتقي أدونيس، لكنني في الغالب، لن أعيره اهتماماً، فمن المهم اتساقُ الصورة لديّ، التي تحدث عنها رائد وحش بشكلٍ جميل. كان يمكن لي أن أقابلَ الكثيرين والكثيرين وكم كنتُ أتمنى، فكنتُ ربما، سأكون صحافيةً أو كاتبةً جديرة ولكتبتُ كثيراً وكثيرا.
فكان يمكن أن ألتقي ميَة الرحبي في سوريا، وليس من خلال تطبيقٍ افتراضي، لتحدثني عن شؤون السيدات وقتها، وماذا حلَ بالحركة قبل أن يغتالها رجلُ البعث، لتخبرني تفاصيلَ ماريانا مراش وماريا عجمي، فأنا أحب تفاصيلَ التفاصيل، وتهمني السيدات وأحوالهنَ، ورغم أنَي تأخرتُ، إلا أنني سأفردُ الوقت لأعرف مَن ظلم نساء السويداء وسرق منهنَ الكثير والكثير من كيانهنَ وحضورهنَ، ليصنفنَ بالعانسات، ويُعطَين غرفة المقاطيع! كنت سأتمنى وقتها، لو أنَي وُلِدتُ في العشرينيات لألتقي الأميرة نورة في الثلاثينيات، وما أدراكم من هي نورة، هي ملكةٌ من قَبل أن تُخلَق الملكية، هي ملكةٌ من الزمن القديم ربتت على كَتف أخيها، وما أجمل الأخوات حين يربتنَ، بحنوٍ، بقوةٍ وبصلابة الملوك، ولتُلهم فقط بكلمتين «لا تندب حظك» فإن خابت الأولى أو خابت الثانية، الثالثة أو الرابعة أو الخامسة، فستظفر في النهاية، فالرجالُ لم يخلقوا للراحة، وأشهدُ أنَي سيدة، وتعلمت منك ألاَ أخلد للراحة.
كنتُ سألتقي مسلم سقا أميني ونقوم بجولةٍ في دمشق القديمة، ليشرحَ لي ولنتمعنَ بكل تفصيلةٍ وتحديبةٍ في زوايا دمشق القديمة، قبل أن تصبح على أيدي الطغاة، دمشق الحزينة. كان يمكن أن أكون جالسةً أرتشف قهوةً مع مثقفٍ ما، لكني تأخرت، وها أنذا أسيرُ على العشب علَني أحظى بجلسةٍ، ليس فيها سوى كوبٍ من الزنجبيل.
تأخرتُ ولم أكن كاتبة، لأكون الآن راقصةً في الحياة، تخطو خطواتها الأولى، وألوذ باللغةِ من ثقل الكلام حولي وغياب الفعل، فأكتب.. فدائماً ما يكونُ الوقت هو الوقت، لا قبله ولا بعده.
كاتبة من سوريا
في مقالك ( السابق ) لخيول الحلبة؛ أعلنتِ بيانك كما أعلن ماركس وإنجلز البيان الشيوعيّ؛ هكذا:{ أمَا اليوم وبعد أن عُشت ثلاثة وثلاثين عاماً حياةَ غيري، أُعلِنُ ولادة حياتي الاختيارية، بمقاييسي وفكري ومبادئي، بعيداً عن أفكار القبيلة أو القَبلِية…ولم تعد لدي فكرة الأمل أو خيبته، فلستُ محكومةٌ بشيء، فالوقت لي، أخيطه بيدي.وأنا الآن ممتلئة بكل أسباب الحياة وعليه أبدأ حياتيَ الجديدة }. فهل هذا المقال اليوم إعلان لولادة حياتك الجديدة الاختياريّة نحو هيولي
المستقبل؛ أم هو من بنات: { فدائمًا الوقت ما يكون هو الوقت } فمؤجّل؛ أم أصبح البدء في الكلمة؛ توراة وإنجيل؟
أعلم أنّ طموحك كبير يلامس نهايّة الزمن لفتح الباب ؛ لكن الزمن غلاب؛ لأنه مطلق وهّاب؛ وحياتنا نسبة وتناسب.
مقالة رائعة تشف عن خواطر الكاتبة ورؤيتها لعدد من أهل الفن والادب.
وأنا مثلك يا سيدتي … لو يتاح لي أن اقف عند قبور المشاهير لوقفت عند قبر الصحفي صاحب مجلة الحوادث الاستاذ سليم اللوزي وسألته : هل قتلتك يا سليم عقدة العقيد ؟ أم مزقت جسمك أنياب الأسد ؟ .
واتمنى أن يتاح لي أن اقف عند قبر الفنان المبدع طلال مداح صاحب اللثغة الحلوة والصوت الجميل لأسأله: طلال …هل سألك الملكان عن مقادير القلب المعنى وعن ليلة الجمعة.. تلك الليلة الليلاء ؟.
حينما نقرأ عن هؤلاء الذين ابدعوا وعشقنا الجمال الذي برزوا من خلاله سواء بالحوار او التمثيل .او الكتابه…. نتمنى اننا لو عشنا ازمانا قبل ان نعيش هذا الواقع الكئيب بكل تفاصيله جميله ..هذه العوده الى جمال ماكان
وبداية جميله لكاتبه واعده بهذا الفكر الجميل وستكون كاتبه مغموره يوما ما ❤️ اشجعك واتمنى لك النجاح والتوفيق هدى الغاليه